تأتي زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي أمس، بشكل متسارع في إطار التنسيق الذي تقوده الإدارة الأمريكية في المنطقة العربية من أجل إنفاذ ما يعرف ب "صفقة القرن" . وذلك بعد إنجاز الإدارة المصرية إخلاء وعزل مدينة رفح المصرية بشكل كامل بمساحة تزيد عن 5 كلم من حدو البحر المتوسط شمالاً، حتى ما قبل مدينة الشيخ زويد ، من المقرر أن تكون نواة للدويلة الفلسطينية المقترحة في غزةوسيناء، مع تنامي التسريبات عن إنشاء منطقة تجارة حرة ومطار على الأراضي المصرية لخدمة الفلسطينيين في حال تمت الصفقة. وفي السياق ذاته، تناقلت مصادر سياسية مطلعة، أن القيادة الفلسطينية أُبلغت أخيرًا أن مندوبي الإدارة الأمريكية، المكلفين بمهمة العملية السلمية في الشرق الأوسط، أطلعوا عددًا من مسؤولي الدول العربية والغربية، على فحوى ما تعرف ب «صفقة القرن»، استعدادًا لطرحها في المستقبل القريب، بعد أن جرى تنفيذ نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، وهو ما دفع الرئاسة الفلسطينية للإعلان أمس أن أي طرح من هذا القبيل سيكون مصيره الفشل، في ظل عدم قبوله فلسطينيًا. وحسب المصادر السياسية فإن معلومات مؤكدة، وصلت إلى القيادة الفلسطينية، تشير إلى بدء طرح مندوبي الإدارة الأمريكية الأفكار الخاصة ب «صفقة القرن» على عدة أطراف عربية ودولية وغربية ذات صلة، وتكفل بإجراء هذه الاتصالات كل من صهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، ومبعوث واشنطن الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات. وأكدت أن الهدف من طرح الأفكار خاصة بعد تطبيق قرار نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدسالمحتلة، يوم 14 مايو الحالي، هو إيصال هذه الأفكار إلى الجانب الفلسطيني، الذي قطع منذ خمسة أشهر اتصالاته مع الإدارة الأمريكية، ولم يعد يستقبل مندوبيها في رام الله. وأشارت المصادر إلى أن المقترحات التي تقدمها الإدارة الأمريكية، هي ذاتها التي سربت أخيرًا، بعد أن روجت أنها ستدخل عليها تعديلات بسبب الرفض الفلسطيني لها. ولا تزال الخطة الأمريكية تنص على إخراج ملفي «القدس واللاجئين» من طاولة التفاوض، حيث تقوم على إقامة عاصمة فلسطينية في بعض مناطق مدينة القدس (الضواحي) وتحديدًا في بلدة أبو ديس، دون أن تشمل منطقة «المسجد الأقصى والبلدة العتيقة»، وهو أمر سبق أن وصفته القيادة الفلسطينية بمحاولة «خلق عاصمة جديدة»، خاصة وأن الخطة تكرس طلب إسرائيل جعل المدينةالمحتلة عاصمة موحدة لها. وتشمل الأفكار المقدمة أخيرًا أيضا، دولة فلسطينية في داخلها كتل استيطانية تتبع السيادة الإسرائيلية، مع إعلان دولة فلسطينية «منزوعة السلاح»، ولا تشرف بشكل كامل على حدودها، حيث تخضع مهمة الإشراف على الحدود وفق الخطة الأمريكية للجيش الإسرائيلي. ولا تزال الخطة الأمريكية تشير إلى أن حل ملف اللاجئين الفلسطينيين يكون من خلال عودتهم إلى «دولة فلسطين»، دون المطالبة بحقوقهم التاريخية التي كفلتها القرارات الأممية. وحسب المصادر الفلسطينية، فقد جددت القيادة الفلسطينية خلال الاتصالات التي أجرتها أطراف عدة، موقفها القاضي برفض التعامل مع أي من هذه الأفكار، طالما استمر استثناء ملفي القدس واللاجئين، وأكدت على استمرار موقفها الداعي لتشكيل آلية دولية للإشراف على عملية السلام، ورفضها بقاء واشنطن كوسيط رئيس ووحيد. وبما يشير إلى ذلك، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة في تصريح صحفي، إن تكرار الحديث عن قرب قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بطرح ما تسمى بصفقة القرن لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي «سيكون مصيرها الفشل، ما دامت لا تحظى بالقبول الفلسطيني، ولا تتوافق مع قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية». وأكد أن أي محاولات رامية للالتفاف على الموقف الفلسطيني الواضح والثابت، وعلى أسس الشرعية الدولية، سواء من خلال «أطراف فلسطينية»، أو «نماذج مشبوهة» فشلت في الساحة تحت شعار «قيادات محلية» اندثرت أمام صلابة الموقف الفلسطيني، وقدرته على المواجهة، أو من خلال أطراف إقليمية «لن تؤدي سوى إلى مزيد من التدهور والتوتر على صعيد المنطقة والعالم». وحملت تصريحات الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، وجود إشارات حول محاولات أمريكية لفتح خطوط اتصال مع جهات فلسطينية محلية، لتمرير أفكارها بعيدًا عن القيادة الفلسطينية، ضمن مساعي «خلق قيادة بديلة»، حيث يدور الحديث في هذا المجال عن وجود أفكار أمريكية أيضا لفتح قنوات اتصال مع شخصيات فلسطينية مقيمة خارج الأراضي الفلسطينية، للترويج لمخطط «صفقة القرن». وأكد أبو ردينة أن القيادة الفلسطينية «في خضم مرحلة مواجهة سياسية ساخنة» دفاعًا عن الثوابت الوطنية وفي مقدمتها القدس بمقدساتها، مضيفًا «أن التجارب أثبتت أن الخيارات الفلسطينية أصبحت فاعلة، ونجحت في محاصرة العقلية الاستعمارية، وبالتالي أصبح الشعب الفلسطيني وقرارات قيادته الوطنية هي الدرع الحافظ للأرض، والهوية، والمقدسات، والتاريخ الفلسطيني المتجذر في أعماق الأرض». فيما أكدت حركة حماس رفضها التام والمطلق للتنازل عن حقوق الفلسطينيين في العودة لأراضيهم وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67 . كما توعدت حماس باستمرار مسيرات العودة والحراك السلمي المطالب بالحقوق الفلسطينية . وفي الفترة الأخيرة، تجلت جهود كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين، في التآمر ضد الفلسطينيين وقضيتهم، من خلال الترويج لمخطط لتصفية القضية الفلسطينية وطرح حل مشوه ومرفوض لها، بات يعرف باسم "صفقة القرن". المخطط التآمري، يسعى إلى قتل القضية الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية، حتى في رُبع فلسطين التاريخية، من خلال التآمر مع الأنظمة المذكورة أعلاه. ويجمع الفلسطينيون بكافة فصائلهم على الرفض المطلق ل"صفقة القرن"، ويؤكدون على أن الإدارة الأميركية الحالية لا يمكنها أن تلعب دور الوسيط بسبب عدم نزاهتها وانحيازها الكامل لإسرائيل. وكانت مصادر سياسية عربية ، نقلت عن مسئولين مقربين من المفاوضات العربية حول الصفقة، إن الأردن أيضًا يتبنى موقفًا معارضًا من "صفقة القرن"، وأن الملك الأردني عبد الله الثاني يرى بهذا المخطط أنَّه عبارة عن شروط مجحفة والتزامات إضافية تقع على الأردن، في وقت يصب فيه هذا المخطط بشكل كامل في صالح دولة الاحتلال وتعفيها من أية التزامات. رغم ذلك، كشفت المصادر الدبلوماسية المصرية نفسها أن نظام عبد الفتاح السيسي يقوم بتحركات واسعة لإقناع الأردن ببدء الدخول الرسمي في مناقشات "صفقة القرن". وأضافت المصادر نفسها أن هذه التحركات جاءت مع زيارة سرية قام بها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، إلى القاهرة مطلع مارس الماضي، التقى خلالها اللواء عباس كامل، مدير جهاز المخابرات العامة، ومدير مكتب السيسي ، في حضور القائم بأعمال السفير الأميركي في القاهرة، ومسؤولين مصريين بارزين معنيين بملف "صفقة القرن". وتضمنت اجتماعات كوشنر في القاهرة، الموقف الأردني، وموقف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الرافض للتجاوب مع المخطط الأميركي. وأوضحت المصادر أن الجهود المصرية لتعديل الموقف الأردني، تسير أيضاً باتجاه إقناع الملك عبد الله بسرعة إعلان الأردن رسمياً الدخول ضمن مشروع "نيوم"، الذي يقوده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لافتة إلى أن الأخير كان يرغب في إعلان انضمام الأردن رسمياً في الوقت نفسه الذي تم فيه الإعلان عن توقيع السعودية اتفاقية مع القاهرة تضمن حصولها على ألف كيلومتر في محافظة جنوب سيناء ضمن مشروع "نيوم". وبحسب المصادر، فهناك ضغوط خليجية كبيرة على الأردن للقبول بالصيغة المطروحة سواء أمريكيًا أو سعوديًا، كاشفة في ما يخص مشروع "نيوم"، والذي بدا واضحاً أنه جزء أصيل من "صفقة القرن" بما يتيحه من تدويل لمنطقة البحر الأحمر، أن الأردن يرحب بصيغة تشاركية، لا صيغة تأجير أو حق انتفاع من قِبل السعودية للأراضي والمرافق الأردنية. وأشارت المصادر إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تحركات أردنية في المقابل، في محاولة لإحداث توازن بالنسبة لها، لتخفيف الضغوط الإقليمية عليها من محور "السعودية – مصر – الإمارات" المدعوم أمريكيًا، عبر فتح قنوات قوية مع تركيا في إطار الوقوف على أرضية القضية الفلسطينية، على حد تعبير المصادر، مع استقطاب عباس "الرافض" للمخطط الأمريكي لحل الصراع. والتقى السيسي ووزير الدفاع المصري، صدقي صبحي، خلال مارس الماضي، رئيس الوزراء الأردني، هاني الملقي، الذي قام بزيارة مفاجئة إلى القاهرة استغرقت بضع ساعات، وتم بحث الموقف الأردني من مشروع "نيوم" و"صفقة القرن" لإقناع الأردن بتغيير موقفها "السلبي"، بحسب المصادر. وجاءت زيارة الملقي إلى القاهرة، بعد ساعات قليلة من زيارة سريعة لمحمود عباس إلى العاصمة الأردنية برفقة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، ورئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في الضفة الغربية ماجد فرج، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ. وكان مسؤولون فلسطينيون قد أشاروا إلى أن اللقاء بين عباس وملك الأردن ناقش "تنسيق المواقف المشتركة حول حضور مؤتمر للدول المانحة، لبحث سبل تحسين الوضع الإنساني في غزة، وكذلك إحداث اختراق في موقف الرئيس الأمريكي بشأن صفقة القرن". وبذلك تقود مصر مع السعودية أكبر خيانة للقضية الفلسطينية ، مع إسباغ لمسة إنسانية لجهودها التآمرية، بصبغة إنسانية بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين، بعد دخول تركيا القوي ضد إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين بمسيرات العودة .