التسخين في العمق وشد الأطراف .. استراتيجية معتبرة في العلاقات الدولية، تتبعها أجهزة الاستخبارات ضد الدول الأخرى ، لإخضاعها أو تمرير مشاريع دولتها الاستراتيجية في المنطقة. ولعل النجاح الصهيوني في تطبيق تلك الاستراتيجية مع مصر يقدم النموذج الأمثل في ذلك. فرغم العلاقات الحميمية التي تجمع مصر السيسي منذ الانقلاب العسكري مع الصهاينة، إلا أن استراتيجيات العمل السياسي تبدو مستقلة، عن الواقع البرتوكولي والودي الصهيوني السيساوي. فقد نجحت الإدارة الاستخباراتية الصهيونية في توتير الأطراف المصرية سواء في سيناء بخلق مزيد من التوتر والقتل وإراقة دماء أهالي سيناء، عبر أكثر من 100 غارة وعملية عسكرية صهيونية في سيناء خلف خطوط الجيش المصري، وبعلم قياداته فقط، ما خلق حالة من التوتر الشديد في سيناء، بمقتضى الدعم الصهيوني خضعت مصر للاستراتيجية الصهيونية بفتح الأجواء المصرية أمام الطائرات الصهيونية، بجانب توسع في العمل الصهيوني في داخل الأراضي المصرية ، وصل لتقديم المعلومات الصهيونية للجيش المصري العامل في سيناء، ووصل مداه إلى تقديم قائد الانقلاب العسكري في مصر أراضي مصرية للتبادل مع أراضي تحتلها إسرائيل في النقب ، ليقام عليها دويلة فلسطينية في غزةوسيناء، لتخليص إسرائيل من عنصرها العربي في مناطق 48 وفي الضفة، مقابل توسيع مستوطنات الضفة الغربية. هذا السيناريو الإجرامي ، يجري على قدم وساق في ملف مياه النيل، والذي تحول بتوقيع السيسي على اتفاق سد النهضة مع إثيوبيا والسودان إلى أكبر كابوس يهدد المصريين. اللجوء للصهاينة بعد مسار من التفاوض ثم التفاوض لأجل التفاوض ، كما تفعل إسرائيل مع العرب، مارست إثيوبيا نفس النهج مع مصر ، لتمرير سد النهضة وصولاً إلى إنجاز أكثر من 70% منه، ما يهدد مصر بالجفاف في حال إصرار إثيوبيا على ملء السد خلال 3 سنوات ، وهو ما اضطر صانع السياسة المصرية لتقديم عرض جنوني، بتمويل مصر لسد النهضة في مراحله المقبلة، مقابل موافقة أديس أبابا على ملء الخزان خلال سبع سنوات وليس 3 أو 5 سنوات! الفشل المصري في مفاوضات سد النهضة يكاد يدرس في نظريات الوهن السياسي للدول الكبرى التي تحولت لشبه دولة لا تستطيع الحفاظ على مقدرات شعوبها، أو حقوقها التاريخية، فتلجأ للاستعانة بأعدائها، حيث تناقلت عدة وسائل إعلامية صهيونية وأمريكية طلب مصر لوساطة إسرائيل مع إثيوبيا في ملف سد النهضة. مؤخرا، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية توجه مصر إلى إسرائيل، للتدخل كوسيط في أزمة «سد النهضة» الإثيوبي الذي تتخوف القاهرة من تسببه في تقليل حصتها من مياه نهر النيل. وأضافت المصادر، أن اتصالات مفتوحة بين مصر وإسرائيل جارية حاليا في هذا الصدد في ظل تعنت إثيوبيا وإصرارها على استكمال بناء «سد النهضة»، الذي تقول القاهرة إن بناءه بمواصفاته الحالية سيؤثر سلباً على حصتها المائية من نهر النيل. ووفقا للمصادر ذاتها، استغلت القاهرة مطالبة تل أبيب لها بالتدخل والتوسط لدى حركة «حماس» وفصائل المقاومة في قطاع غزة، لوقف مسيرات العودة الفلسطينية، وكذلك طرح رؤى معدلة من «صفقة القرن» التي يتبنّاها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، لطلب التوسط والتدخل من جانب (إسرائيل) لدى إثيوبيا وبعض دول حوض النيل؛ نظرا لما تملكه من نفوذ واسع داخل تلك الدول. لجوء بسبب الفشل ولفتت إلى أن التوجه المصري الأخير نحو (إسرائيل) جاء بعدما بات صانع القرار في موقف لا يحسد عليه عقب رفض أديس أبابا الحضور للقاهرة وعقْد جولة ثانية من الاجتماع التساعي (وزراء الخارجية والمياه ورؤساء الاستخبارات العامة من مصر والسودان وإثيوبيا)، بعد أن فشلت الجولة الماضية التي استضافتها السودان. وأشارت إلى أن مصر طالبت (إسرائيل) بالتدخل لدى إثيوبيا عبر نفوذها، والتوسط لإجراء اجتماع جديد بين أطراف الأزمة. وحسب المصادر، فإن القاهرة حددت أكثر من مسار للتحرك في تلك الأزمة، أحدها تحوّل عدد من دول حوض النيل لتكوين تكتل مساند لها في مواجهة الموقف الإثيوبي. ويأتي الطلب الإسرائيلي بعد طلب مماثل تقدمت به القاهرة إلى واشنطن بالتوسط لحل الأزمة، وهو ما تفاعلت معه الأخيرة بإرسال وفد من وزارة الخارجية الأمريكية، زار كلاً من مصر والسودان. فيما لم توافق إثيوبيا على طلب الوفد الأمريكي بزيارتها، مبررة ذلك بأن أوضاعها الداخلية لا تسمح بذلك في الوقت الحالي، خاصة في ظل استقالة رئيس الوزراء السابق «هايلى مريام ديسالين» وتولي «أبي أحمد» مكانه. وبينما تتمسك مصر بالاتفاقات التاريخية التي تنص على حصتها في مياه النيل، فإن إثيوبيا ترفض الاعتراف باتفاقية 1959، التي تعطي لمصر الحق في حصة ثابتة من مياه النيل تقدر ب55 مليار متر مكعب، تصل 80% منها عبر النيل الأزرق الذي تقيم إثيوبيا السد عليه، كما تمنح الاتفاقية السودان حصة تقدر ب18 مليار متر مكعب. وبعد فشل الجولة الماضية من اجتماعات أطراف الأزمة، أوائل أبريل الماضي، حمّلت إثيوبيا مصر مسؤولية ذلك الفشل؛ إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، «ملس ألم»، إن «سبب فشل مفاوضات الخرطوم هو عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحه لاتفاقية 1959 في المفاوضات». لكن مصر رفضت تحميلها مسؤولية الفشل، ودعت إلى اجتماع ثان بالقاهرة، لكنها لم تتلق ردا على ذلك من أديس أباباوالخرطوم، حسب ما أعلن وزير خارجية الانقلاب. وتعتزم إثيوبيا تشغيل «سد النهضة» بشكل مبدئي، خلال العام الجاري، دون انتظار نتائج دراسات التأثيرات السلبية على دول المصب التي تقوم بها مكاتب استشارية فرنسية، كما شرعت أديس أبابا في تركيب توربينات توليد الكهرباء في جسم السد، وانتهت من تركيب 4 توربينات من أصل 16 توربيناً لتوليد 6 آلاف و450 ميجاوات من الكهرباء. مخطط صهيوني وعبر التاريخ الصهيوني ظهرت على السطح مبادرات عدة لإمداد إسرائيل بمياه النيل، منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، والتي ظهرت في اتفاقية كامب ديفيد، حيث قدم السادات مقترحا في العام 1979 لتوصيل مياه النيل نحو مدينة القدس الشريف، ولكن المشروع تعثر، ثم عاد وطرحت إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي مشروع ترعة السلام لتوصيل مياه النيل لري الأراضي في سيناء عبر توسيع ترعة الإسماعيلية، ثم إنشاء 6 سحارات أسفل قناة السويس لتمرير المياه، ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، تلا ذلك مخطط صهيوني لتمرير مياه النيل عبر سحارة سرابيوم التي أنشأها السيسي مؤخرا، مقابل الضغط الإسرائيلي على إثيوبيا، التي يقيم نحو مليون يهودي من أبنائها في الداخل الصهيوني . إسرائيل في قلب إثيوبيا ووصل الرئيس الصهيوني رؤوفين ريفلين، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أمس الثلاثاء، على رأس وفد من رجال الأعمال، رافعا شعار التعاون في مجالات تكنولوجيا المياه والصحة والزراعة والأمن الغذائي والبيئة. ويلتقي ريفلين الأربعاء، الرئيس الإثيوبي ثم رئيس الوزراء أبي أحمد، ومن ثم البطريرك أبونا ماثياس. وتأتي زيارة ريفلين، وهي الأولى لرئيس إسرائيلي إلى إثيوبيا، في إطار الحراك الذي أطلقه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مطلع يوليو 2016 من أوغندا والتي اُتبعت بزيارتين لاحقا. وأطلق نتنياهو على هذا الحراك الدبلوماسي المكثف باتجاه أفريقيا شعار "إسرائيل تعود إلى أفريقيا. أفريقيا تعود إلى إسرائيل". وبحسب مراقبين، فإن الحراك الإسرائيلي في إثيوبيا والعمق الإفريقي يهدف لتحقيق مصالح إسرائيل في القارة السمراء، ولعل منها توصيل مياه النيل إلى تل أبيب، بمقايضة تمت هندستها على حساب مصر!