بدأها السيسى بالخيانة والدم، ظنا منه أن الانقلاب سينجح فى أربع وعشرين ساعة وأن الأمور ستستقر فى قبضة يده وأن الكل سيركع أمامه. لم يحسب السيسى، ومن أشاروا عليه بخطة الانقلاب الدموي، أن الزمن قد تغير وأن عصر الانقلابات العسكرية قد ولى، وأن المصريين تذوقوا طعم الحرية ولن يرضوا عنها بديلا، كما لم يحسبوا أن هناك قوى سياسية جديدة ولدت على الأرض وشباب لا يعرفون معنى الخوف ومستعدون للموت والتضحية فى سبيل الحرية والكرامة وانتصارا للشريعة والشرعية. لم يأخذ السيسى فى اعتباره، ومعه أحزاب الفشل السياسى التى لاتتنفس وتعيش إلا فى ظل نظم فاشية استبدادية، أن الإخوان المسلمين اليوم غير الإخوان المسلمين 1954 وأن حلفاء الإخوان الآن من الأحزاب والقوى والجمعيات والجماعات والروابط المهنية ومنظمات المجتمع الأهلى الذين شكلوا "التحالف الوطنى لدعم الشرعية" عقب انقلاب 3 يوليو، يمثلون كل أطياف المجتمع المصري وطبقاته. لم يقرأ السيسى معادلات السياسة الكاشفة، التى أكدت بكل وضوح أن أغلبية الشعب ليست معه ولا مع من استخدمهم من مكونات هلامية لإخراج مسرحية 30 يونيو والتحضير لها، متوهما أن حشود الساعات الستة مدفوعة الأجر، المحمية بقوات الجيش والشرطة تمثل ثورة، ومتناسيا أن خمسة استحقاقات سياسية جرى فيها التصويت خلال العامين الماضيين، بين استفتاءات وانتخابات، كانت الأغلبية فيها لصالح من يعتصمون فى الميادين الآن. ظن السيسى أن لغة القوة والرصاص تكفى وحدها لتثبيت أركان نظامه الانقلابي، وتوهم أن اعتقال الرموز السياسية وتكميم الأفواه وإغلاق القنوات الإعلامية سيحول دون أن يرفع أحد صوته أو يعارض هذا التوحش "السيسي"، وأنه سيمضى فى خطته الانقلابية دون مقاومة ليصبح الزعيم الأوحد ويقود العبيد إلى بيت الطاعة. تخيل السيسى أنه بصناعة حملة إعلامية ضخمة لتسويقه كزعيم، وبديل جديد لجمال عبدالناصر، سينجح فى إقناع الرأي العام بأنه البديل الأوفق والأوفر حظا، بعد الإطاحة بأول نظام حكم ديمقراطي منتخب فى تاريخ مصر، ولفرض سذاجة تفكير من أشاروا عليه بحلم الزعامة بدأوا يسربون أنه لن يترشح للرئاسة "كبالون اختبار" لقياس رد فعل الجماهير، ثم افتضح الأمر عندما نشر موقع "ديبكا فايل" المقرب من الاستخبارات الصهيونية معلومات وصفها ب"المهمة"، تم تسريبها إليه تشير إلى أن السيسي سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسة المبكرة التى تحدثت عنها خارطة الطريق "الانقلابية" وأنه يستعد بشكلٍ مكثف لإطلاق حملته الانتخابية منتصف أغسطس الحالي. والمؤكد أن حلم السيسى فى الزعامة والرئاسة سوف يتحطم حتما على صخرة صمود أبطال الميادين الثائرين على حكم العسكر، وأن الحملة المضادة التى تستهدف فضح السيسى وكسر الصورة التى يراد صناعتها له قد أتت أكلها، وأبرز مافى هذه الحملة هو بيان جرائمه الانقلابية من قتل وعمالة وخيانة، ونشرها على نطاق واسع بالشوارع، ومن ثم فلم يعد أمام السيسى مجال ولا إمكانية لتقديم نفسه كزعيم منقذ، ولن يسمح له الأحرار بذلك.