فى حماية البيئة من الفساد والتلوث منافع اقتصادية، فالبيئة الطاهرة والنظيفة تسهم فى رفع إنتاجية العامل وزيادة الإنتاجية، وفى ترشيد استخدام مستلزمات العمل والتشغيل، والاستغلال الأمثل للوقت وتقليل الوقت الضائع والمهدر دون منفعة معتبرة شرعا، وتقليل الأعطال، وهذا يقود إلى جودة الأداء وضبط التكلفة وتقليل الأسعار وزيادة الربحية، كما أن إعادة تدوير النفايات والقمامة بطرق اقتصادية يسهم فى خلق فرص عمل وفى دفع عجلة التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع. وقد تناولنا فى المقالة السابقة الضوابط الشرعية لحماية الهواء والماء والأشجار والنباتات.. واليوم نكمل مع الضوابط الشرعية لحماية المرافق العامة. الضوابط الشرعية لحماية الطرق والأراضى والجسور: تعتبر الطرق والأراضى وما فى حكمها من عناصر البيئة الواجب المحافظة عليها، ولا سيما من الخبائث والنجاسات وما فى حكم ذلك، لعدم إيذاء الناس، ودليل قول الله تبارك وتعالى: ) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ( [الأحزاب: 85[. ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التخلى فى الطرق أو فى الظل أو فى أماكن التجمع لما يسبب ذلك من أذى، ولقد ورد فى هذا الشأن الكثير من الأحاديث النبوية تذكر منها ما يلى: فعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الملاعن الثلاث: البراز فى الموارد، وقارعة الطريق، والظل)) (رواه أبو داود وابن ماجة)، ويقصد بالملاعن: مواضع اللعن. وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو بضع وستون شعبة: فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) (متفق عليه). ومن مبررات النهى عن الخلاء فى الطرق ونحوها: منع انتشار الأمراض، والمحافظة على الأماكن العامة من النجاسة والخبائث، وعدم الإضرار بالناس، وهذا يبرز عظمة الإسلام وحضارته. ومن الصور المعاصرة لتلويث الطرق والأراضى: دفن النفايات السامة بها، فقد قامت شركات النفايات السامة بدفن كمية كبيرة من النفايات السامة فى الأراضى وسببت العديد من الأمراض، ومما يؤسف له أحيانا توافق بعض حكومات الدول النامية على ذلك نظير بعض الأموال، ثم تنفق أضعافها على علاج ما يترتب على ذلك التلوث. الضوابط الشرعية لحماية الأسواق والحانات ونحوها: تعتبر الأسواق من ضروريات الحياة، حيث يتم التعامل فيها مع الحاجيات الضرورية للإنسان، فهى مكان يعرض فيه المنتجون منتجاتهم، ويحصل المستهلكون على طلباتهم. والأسواق موجودة منذ الأزل، وأشار إليها القرآن فى سورة الفرقان، يقول الله تبارك وتعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ( [الفرقان: 20[. والسنة النبوية الشريفة حافلة بالأحاديث التى تضبط السوق، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((هذه سوقكم لا تتحكروا فيها ولا يفرض عليها خراج)) (ابن ماجة). ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية العديد من الضوابط لحماية المعاملات فى الأسواق من التلوث الأخلاقى والسلعى، منها: 1- إنتاج الطيبات وتجنب الخبائث، يقول الله تبارك وتعالى: ) وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ( [الأعراف: 157]، ومن الخبائث: الميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة.. ونحو ذلك، وكذلك الخمر وما فى حكمها على النحو السابق بيانه. 2- تجنب التجارة فى السلع المحرمة، والواردة فى كتب الفقه تفصيلا. 3- تحريم الغش والتدليس بكل صوره، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) (ابن ماجة). 4- تحريم الاحتكار بكل صوره وأشكاله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) (رواه مسلم). 5- تحريم التطفيف فى الكيل والميزان وبخس الناس أشياءهم. ولحماية الأسواق والمتعاملين فيها وضع نظام الحسبة، وكان من بين مهامه: الرقابة الصحية، ولا سيما على الأطعمة التى كانت تباع بالمحلات أو فى الطرقات، للتأكد من نظافتها وصلاحيتها؛ حفاظا على صحة المستهلكين. ولقد تضمنت كتب الفقه ضوابط عمل المحتسب ونطاقه، فكانت تشمل: بائعى الدقيق والخبازين والفرانين والسقائين والجزارين والقهابين والطباخين والعطارين. وتحرم الشريعة الإسلامية التعامل فى السلع الفاسدة التى انتهت صلاحيتها، وهذا يدخل فى نطاق تحريم الغش وما هو ضار، ومن أمثلتها المعاصرة: الأغذية الفاسدة– الأشربة الفاسدة– الأدوية المحظورة– المواد الضارة– المخدرات والمفترات– التماثيل والأصنام– النجاسات. القواعد الفقهية ذات العلاقة بحماية البيئة ونظافتها: لقد تضمنت القواعد الفقهية مجموعة من القواعد ذات العلاقة المباشرة بحماية البيئة ونظافتها من أهمها ما يلى: - إنما الأعمال بالنيات والأمور بمقاصدها. - الالتزام بالحلال الطيب. - الأصل فى المعاملات الحل. - وسائل الحرام حرام. - وجوب الالتزام بالعقود والعهود. - مشروعية الغاية ومشروعية الوسيلة. - اليسير الحرام معفو عنه عند الضرورة. - الضروريات تبيح المحظورات. - الحاجة تنزل منزلة الضرورة أحيانا. - المشقة توجب التيسير ورفع الحرج. - دفع المفاسد مقدم على جلب المنافع. - ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. - لا ضرر ولا ضرار. - الضرر يُزال، ويُختار أخف الضررين. ونخلص مما سبق إلى أن الالتزام بهذه الضوابط جميعا يحمى البيئة من كل أنواع الفساد والتلوث ويظهر عظمة الإسلام بوصفه دينا حضاريا، وهذا يؤكد ما سبق ذكره من أن حماية البيئة ونظافتها ضرورة شرعية وحاجة إنسانية، ومن بواعث وحوافز تحقيق ذلك: القيم الإيمانية والمثل الأخلاقية والسلوكيات المجتمعية السوية والتشريعات الحكومية الرادعة تجاه من يلوثون البيئة؛ لأنهم من المفسدين فى الأرض بعد إصلاحها.