* خبراء: الإخوان يدفعون ضريبة وصولهم لقيادة البلد فى هذه المرحلة * أصحاب المصالح يشعلون الأوضاع لتحقيق أهدافهم على حساب الوطن * دراسة حديثة ترصد 5 أسباب للعنف: * عدم التوافق الوطنى على مشروع للتقدم والنهضة * الانفلات الأمنى أدى لظاهرة البلطجية والمخربين * انتشار السلاح وإمكانية تصنيعه محليا بأسعار زهيدة * الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب عدم الاستقرار * العامل النفسى السلبى لفشل توقعات مردود الثورة * ثلاثة مستويات للعنف * المنظم يقوده الفلول وأصحاب المصالح * غير الممنهج يمارسه شباب الثورة المغرر بهم * الكامن يعبر عن تراجع قيم الولاء والانتماء * د. حنان أبو سكين: الحرية والعدالة أكثر التيارات السياسية تعرضا للعنف بجميع أنواعه * سوسن فايد: العنف حصيلة تراكمية لعوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية * د. رشاد لاشين: الإعلام يقود إرهابا خاصا وينشر الأكاذيب لتنفيذ أجندات خاصة حرق وإتلاف المنشآت العامة والخاصة.. اشتباكات دامية لا تخمد إلا بسقوط قتلى وجرحى.. قطع الطرق الرئيسية وخطوط السكك الحديدية.. تعطيل مصالح المواطنين ومنع الموظفين من أداء عملهم.. هذه بعض المشاهد التى أصبحت عرضا مستمرا ليلا ونهارا بعدما أصبح العنف أبرز ملامح مرحلة مصر ما بعد ثورة 25 يناير. ويؤكد خبراء السياسة وأساتذة الاجتماع أن ظاهرة العنف ليست جديدة على المجتمع بعد الثورة بل إنها وصلت إلى أعلى معدلاتها قبل الثورة ولكنها ظلت منحصرة فى إطار جرائم العنف الاجتماعى والأسرى فقط، نتيجة حالة الكبت والاحتقان التى كان يعيشها المواطنون تحت حكم النظام البائد. ويرى الخبراء أن ظاهرة العنف اصطبغت بعد الثورة بصبغة المرحلة وما تموج بها من صراعات سياسية حادة فتصدر العنف السياسى المشهد وبرزت ألوان من العنف لم تكن معهودة من قبل أهمها العنف الممنهج، حيث أصبح العنف يُمارس وفق خطط مسبقة وخارطة طريق محددة. ويشيرون إلى أن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة هما أكثر القوى السياسية تعرضا للعنف، معتبرين أن وصول التيار الإسلامى لسدة الحكم كان أحد العوامل المحفزة لممارسات العنف السياسى الممنهج بعدما توحدت القوى الرافضة للحكم الإسلامى وتوافقت مرحليا -على الرغم مما تحمله فيما بينها من اختلافات فكرية وتاريخية- على هدف واحد وهو محاولة إفشال المشروع الإسلامى، كما تسعى تلك القوى، حسب الخبراء، لممارسة العنف بشتى ألوانه، ومن ذلك التحريض على حرق المقرات وإصابة المئات من المنتمين لجماعة الإخوان فضلا عن العنف اللفظى واللاأخلاقى الذى يُمارس عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى. مستويات العنف حصلت "الحرية والعدالة" على نسخة من دراسة حديثة للباحث إبراهيم غالى، بمركز دراسات الشرق الأوسط، ترصد أسباب ظاهرة العنف السياسى والذى يترتب عليه عنف فعلى، موضحة أن العنف السياسى الراهن حصيلة تراكمية لعوامل مجتمعية واقتصادية ونفسية ومعرفية وثقافية سلبية تراكمت على مدى ثلاثين عامًا متتالية. ويرى الباحث أن هناك ثلاثة مستويات للعنف السياسى فى مصر؛ أولها عنف منظم وممنهج تديره مجموعتان بهدف تحقيق أغراض ومصالح سياسية، أولاهما قوة رافضة للتيار الإسلامى ترى أن مقاومته لا تكون إلا بالعنف، معتقدة فى صحة ما يتردد عن امتلاك بعض التيارات الإسلامية لما تقول عنه "ميليشيات مسلحة"! والمجموعة الثانية، حسب الدراسة، فهى أطراف من النظام البائد تمتلك خزانات كبيرة من الأموال تنفقها لتأجيج العنف من أجل إفشال أى نظام حاكم فى مصر حفاظا على مصالحها فى الدولة المصرية العميقة. أما المستوى الثانى من العنف هو عنف سياسى غير ممنهج، يعود فى الجانب الأكبر منه إلى بعض شباب الثورة وبعض القطاعات الشعبية صغيرة السن والتى لم تجد متنفسًا سياسيًا حقيقيًا لها بعد الثورة على الرغم من دورها الكبير فى إنجاحها. وتشير الدراسة إلى أن المستوى الثالث من العنف السياسى كامن لا يظهر فى صورة عنف صريح، وإنما يعبر مجازًا عن حالة من تراجع قيم الولاء والانتماء للوطن والشعور بالغبن، لافتة إلى أن أبرز مظاهر فقدان هذه القيم تتجسد فى بعض الممارسات غير المسئولة منها التعبير عن الاعتراض والاحتجاج عن طريق إغلاق وقطع الطرق، وكذلك التكالب على تحصيل بعض الموارد الاعتيادية لتسيير الحياة اليومية، وبعض الاحتجاجات الفئوية المطلبية التى يمكن تأجيلها، وأيضا تفشى الجريمة بوجه عام من سرقة وقتل وترويع للمواطنين الآمنين. أسباب العنف وترصد الدراسة عدة أسباب لتفشى ظاهرة العنف السياسى وتركز على أربعة أسباب، أولها الفشل فى إيجاد حد أدنى من التوافق الوطنى، حيث لم تجتمع الأطراف السياسية الفاعلة على مشروع وطنى جامع ورؤية شاملة لمستقبل البلاد، بل استبدلت ذلك بالدخول فى متاهة الصدامات السياسية، أما ثانيها فهو الانفلات الأمنى الذى يعانى منه المجتمع حتى الآن إضافة إلى السبب الثالث وهو انتشار السلاح وإمكانية تصنيعه بصورة كبيرة جدا، ورابعها الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها قطاعات عريضة من المجتمع، وخامسها هو العامل النفسى السيئ الذى يرجع إلى ثورة التوقعات المتزايدة لدى المصريين، والتى قاد عدم تحقيقها إلى ردة فعل عنيفة من فئات مختلفة. عنف إعلامى فى إطار تحليله لظاهرة العنف السياسى، يوضح الدكتور رشاد لاشين، الاستشارى الاجتماعى والتربوى، أن العنف ليس صفة متأصلة فى الشعب المصرى ولكن هناك أسبابا عديدة أسهمت فى انتشاره قبل وبعد الثورة، وأول هذه الأسباب حالة الكبت والاحتقان التى عاشها المصريون وكانت سببا فى زيادة معدل جرائم العنف المجتمعى بأشكالها المختلفة قبل الثورة، كما كانت سببا مباشرا فى اتساع دائرة العنف بعد الثورة، خاصة بعدما زالت أسباب الخوف التى قيدت الحريات على مدار عقود طويلة. وأضاف أن ظاهرة العنف بعد الثورة اتخذت أشكالا وأبعادا جديدة أبرزها العنف السياسى الممنهج والذى تديره بعض القوى لأهداف خاصة وهو ما زادت معدلاته بعد انتخاب الدكتور محمد مرسى كأول رئيس منتخب للبلاد، حيث قاد ولا يزال يقود هذا العنف قوى رافضة للمشروع الإسلامى تقاومه بكل ما أوتيت من مال فاسد، معتمدة على عناصر بشرية لا تقل فسادا مكونة من بلطجية ومسجلين خطر، بهدف إثارة حالة من البلبلة وعدم الاستقرار لتوصيل رسالة مفادها فشل الإسلاميين فى الحكم. وأشار لاشين إلى أنه من أشكال العنف الممنهج هو العنف الإعلامى، والذى يتجسد فى حجم الهجوم غير المبرر على جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وعلى الرئيس نفسه، من خلال قلب الحقائق والتزييف المتعمد للوقائع. ويقول: "على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة هما أكثر من تعرض للعنف بشتى ألوانه منذ الثورة حتى الآن من خلال حرق عدد كبير من مقرات الجماعة والحزب، وإصابة المئات منهما بإصابات بالغة ووقوع شهداء من أبنائهما فى أحداث الاتحادية، إلا أن ما يتم بثه إعلاميا ينافى الحقيقة ويقلبها حيث يتم تصوير الأمر على أنه عنف الإخوان". وتابع لاشين أن الفريق الذى يعادى الإخوان يواصل الافتراء الكاذب بامتلاك الإخوان ميليشيات مسلحة فضلا عن النقد الذى يتم فيه تجاوز كل حدود الأدب والذى لم يستثن منه رئيس الجمهورية، حيث إن هذا اللون من النقد والمعارضة يمثل أبشع ألوان العنف ليس فقط لمن يوجه إليه النقد وإنما لكل متلقٍّ؛ لما يرسخه من قيم فاسدة أهمها عدم احترام الكبير، وهو ما انعكس أثره على الواقع العملى فى المجتمع، فأصبح الموظف لا يحترم رئيسه فى العمل والطالب لا يحترم معلمه وهكذا، مما يزيد من معدلات العنف حيث أصبحت المنظومة الإعلامية مصدرا من مصادر تأجيج العنف، ويمارس فيها التحريض العلنى ضد الخصوم السياسيين. عنف النخبة من جانبها، ترى الدكتورة سوسن فايد -أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- أن ممارسات العنف السياسى التى تزايدت معدلاتها فى الشهور الأخيرة أسهمت فى اتساع دائرة التوترات المجتمعية حيث أصبح المشهد السياسى بما يحويه من صراعات نخبوية حادة يؤثر بشكل مباشر على سلوكيات الأفراد. وصنفت فايد ظاهرة العنف بعد الثورة إلى ثلاثة أنواع أولها عنف يقوده بعض أصحاب المصالح الذين لا يرغبون فى إحداث حالة من الاستقرار السياسى والاجتماعى لتعارض ذلك مع مصالحهم من أجل ذلك يلجئون إلى أسلوب تأجيج الفتن وممارسة العنف معتمدين على تأجير البلطجية وغيرهم، موضحة أن هذا اللون من العنف رغم أنه أصبح سمة من سمات هذه المرحلة إلا أنه لا يمكن وصفه بأنه يعبر عن واقع حقيقى؛ وذلك لأن كل هذه الممارسات العنيفة تتم وفق خطط معدة مسبقا لتحقيق أغراض خاصة. أما التصنيف الثانى فهو العنف التلقائى والجماهيرى والذى تحكمه روح القطيع وغالبا ما تقوم به الشريحة المتدنية فى المستوى الثقافى والتعليمى حيث ينضمون إلى بعض المظاهرات السلمية معبرين عن مطالب خاصة، لكن بممارساتهم الغوغائية يتحول التظاهر السلمى إلى اشتباكات وأعمال عنف دامية. وتضيف أن النوع الثالث من ألوان العنف استحدث بعد الثورة وهو العنف الإلكترونى، والذى يشمل عدة أشكال منها العنف اللفظى وبعض الممارسات التحريضية. وأشارت فايد إلى أن استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية من أهم الأمور التى من شأنها القضاء التدريجى على العنف، ولكن ذلك يتطلب أن يدرك المجتمع بكامله مسئوليته تجاه استقرار الأوضاع والتى يعد أهم قوامها مد جسور التوافق وإعلاء مصلحة الوطن. أما د. حنان أبو سكين، أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، فترى أن العنف بعد الثورة لا يسير على وتيرة واحدة حيث بدأ أقل شراسة وحدة مما هو حاصل الآن. وتضيف أنه بالرغم من اتساع دائرة العنف السياسى التى تديرها بعض العناصر الرافضة للتغيير إلا أنه بالنظر لواقع العنف السياسى نجد أنه ظهر أقل حدة مما يمارس فى دول أخرى حيث يتخذ العنف السياسى فى بعض الدول أشكالا فى غاية الخطورة أبرزها الاغتيالات السياسية والتفجيرات وغيرها من أشكال العنف الممنهج، وهو ما يؤكد أن مصر مهما مر بها من أزمات ومهما انحرف بعض أبنائها عن المسار السلمى فإنها لن تصل إلى مرحلة إهلاك ذاتها. وتابعت د. "أبو سكين" أنه إذا كان حزب الحرية والعدالة من أكثر الأحزاب التى تعرضت للعنف فى الفترة الماضية من خلال حرق المقرات وإتلاف المنشآت فإن ذلك ضريبة تصدر المشهد السياسى لأنه الحزب الحاكم. وأوضحت أن هناك عوامل كثيرة أسهمت فى اتساع دائرة العنف أهمها أن العنف أصبح ثقافة لدى البعض كرستها حالة الانفلات الأمنى وانتشار السلاح بصورة مفزعة حيث غابت فى إطار ذلك قيمة مهمة وهى أن استخدام القوة لا يكون إلا للدولة فقط مُمثلة فى جهازها الأمنى الشرطى والجيش ولهذا الاستخدام ضوابط وحدود لا يجب تجاوزها بأى حال من الأحوال، لكن المؤسف أننا أصبحنا نجد تجاوزا صريحا فى هذا الشأن حيث أصبح العنف واستخدام القوة سلوك يمارسه أفراد عاديون بل منهم من يتخذه مهنة يتكسب منها وهذا من شأنه أن يعطل مسيرة الدولة نحو الاستقرار.