قديما كان الأطفال يرسمون قلوبا صغيرة على الكروت مرفقة بعبارات تعبر عن تقديرهم لمدرسة الفصل ويقدمونها إليها مصحوبة بوردة فى عيد الأم؛ باعتبارهم أبناءها الذين لم تنجبهم، وبمرور الوقت عرفت الهدايا العينية طريقها إلى المدارس، وأصبح بعض أولياء الأمور يهدون مدرسات أولادهن هدايا قيمة فى يوم الأم للاهتمام بأولادهم أكثر، حتى تحول الأمر لفرض على التلاميذ بإحضار الهدايا ل"ميس الفصل". ولم يقتصر الأمر على المدرسة الأولى للفصل، التى تقضى مع التلاميذ معظم الوقت، بل امتدت الهدايا لتشمل كل مدرسات الفصل ومشرفات المدرسة، وتبدل اليوم من معان سامية إلى مباهاة وتفاخر بين المدرسات.. مَن جمعت هدايا أكثر؟ ومن قبلها تفاخر بين الطلبة بمن أهدى هدية أغلى. عبء مادى يعبر خالد -أب لابن فى الصف الرابع الابتدائى- عن كرهه لشهر مارس بأكمله بسبب الهدايا فيقول: "زوجتى قالت لى اعمل حسابك فى 7 هدايا لمدرسات ابنى عمر بمناسبة يوم الأم، ده غير هدية أمى وحماتى، ولكن دخلى محدود لا أستطيع شراء كل هذا فى شهر واحد". وتقول شيماء -أم لابنة فى الصف الثالث الابتدائى-: "أنا معتادة أشترى هدايا لمدرسات ابنتى فى عيد الأم، صحيح هما كتير حوالى 9 مدرسات، ولكنى أحب أن أشترى لهن الهدايا؛ لشعورى أن التدريس مهنة مقدسة، وأن المدرسات يتعبن مع الأطفال وهن أحق الناس بهذه الهدايا". أمر واقع! أما أم نوران -أم لثلاث بنات- فتقول: "لا أؤيد هدايا يوم الأم ولكن الموضوع، أصبح أمرا واقعا؛ لأن عددا كبيرا من التلاميذ يشترى هدايا، وهذا عبء على الأسرة، فى البداية كنت لا أحبذ هذا، وأقول لهم: نشترى هدية رمزية مثلا كارت ونكتب عليه فترد ابنتى قائلة: "يا ماما صاحبتى جابت شىء غالى"، فلا بد أن أشترى مثلها، لذا يجب التأكيد فى المدارس على منع مبدأ الهدايا لعدم وضع الطلبة وأمهاتهم فى حرج، لأن هناك أطفالا ليسوا قادرين ويشعرون بالنقص وعدم الرضا، وفى النهاية المدرسة أم لأولادنا ولا يوجد هدايا تكفى فضلها، ولكن الهدية ليست أساسية من يحضرها يكون مقربا ومن لا يحضرها يكون منبوذا". وصرخت أم ندى قائلة: "لم نفق بعد من المصروفات المدرسية ومصاريف الدروس الخصوصية لتأتى إلينا مصاريف هدايا مدرسات الفصل، أنا توقفت عن شراء الهدايا تماما لأنها تسبب لى أزمة مالية فى مصروف البيت". حلول عملية وتوضح أميرة بدران -مستشارة نفسية واجتماعية- "أن السبب أن حياة المدرسات أصبحت صعبة فتعوض هذا فى الهدايا التى تعتبرها سبيلا من السبل التى تزودها بالطاقة لكى تكمل عملها، ولكن البعض الآخر يأخذها بمحمل الاستغلال للطلبة والتباهى بعدد الهدايا التى تجمعها، بينما هى فى الأساس رمز يعبر عن عاطفة الطفل تجاه معلمته فهو يعتبرها فى مقام الأم". وتؤكد أن: "الاستغلال المادى مشكلة لا بد من التعامل معها بذكاء، فبإمكان مجلس الآباء الذى تعقده المدرسة أن تلتقى فيه الأمهات وتتفق على هدية جماعية كبيرة الكل يشارك فيها بسعر موفر، ويتم عمل حفلة فى مسرح المدرسة ويقدم فيه كل فصل هديته الجماعية للمدرسات، ويمكن أن يقدم كل طالب فقرة شعر أو أغنية يعبر بها عن مشاعره تجاه معلمته وبعض الورود مما يخرج الهدية من حيز الفرض إلى المشاعر الرقيقة، وبهذا يتم رفع الحرج، وفى المقابل يجب على الأمهات ألا ترضخ لهذا الابتزاز لما له من آثار سيئة على الطفل".