«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (القصص). تجسدت الآية الكريمة على أرض الواقع من بعد ثورات الربيع العربي.. في مصر وتونس وليبيا.. عندما اختارت الشعوب جماعة الإخوان في هذه الدول؛ ليكونوا أئمة، ويرثوا بذلك "فراعين" هذا الزمان "مبارك، وبن علي، والقذافي". وبالرجوع لبدايات السورة نفسها نقرأ قوله سبحانه وتعالى: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون». هذه المقدمة ربما تكون ضرورية قبل الحديث عن التقرير الأخير لهيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا بحل جماعة الإخوان المسلمين، والتي أصدرته بليل قبل 48 ساعة من تنظيم ما أطلقوا عليه مليونية "رد الكرامة" أمام مكتب الإرشاد بالمقطم؛ احتجاجًا على قيام شباب الإخوان بالدفاع عن مقرهم الرئيسي. وظني أن تقرير هيئة المفوضين صدر في هذا التوقيت المريب ربما لتوفير غطاء قانوني للمتربصين بالمشروع الإسلامي من العلمانيين واليساريين ومن يمولهم بالخارج والداخل؛ لأن وقفتهم أمام مكتب الإرشاد هي إحدى مخططاتهم المستمرة للقضاء على المشروع الإسلامي في مصر في مهده. ولا عجب أن نجد مسئولة الحملة الإعلامية لتوريث جمال مبارك "لميس الحديدي" تدعو في "تغريدة" لها على "تويتر" للنزول أمام مكتب الإرشاد للمشاركة في مليونيتهم المزعومة!. المهم أن فرحتهم ذهبت أدراج الرياح عندما أعلن عبد المنعم عبد المقصود، محامي جماعة الإخوان المسلمين، أن الجماعة وفَّقت أوضاعها طبقًا للقانون الحالي، وبرقم إشهار 644 لسنة 2013، أي أن هذا التقرير الذي أوردته هيئة مفوضي الدولة، يوم الأربعاء الماضي، وَرَدَ على غير محل، ولن يقدم ولن يؤخر بعد أن وفَّقت الجماعة أوضاعها، وبعد أن أشهرت كيانها القانوني من خلال رقم إشهار في الوزارة. ورغم أن هذا الإشهار جاء في وقته لرد كيد المتربصين والحاقدين من العلمانيين واليساريين وأسيادهم بالداخل والخارج إلا أن هذا الإشهار لن يضيف شيئًا لشرعية الجماعة أو وجودها داخل النسيج الوطني، فقد كانت محظورة من جانب المخلوع مبارك، ومضطهدة أيام السادات، ومسجونة ومضطهدة ومحظورة ومكبلة في زمن الطاغية المعروف جمال عبد الناصر، وخرج قادتها من سجون عبد الناصر أكثر قوة وحبًّا للوطن وحرصًا على نشر دعوتهم، ولن ينتقص منها كيد الكائدين، بل امتدت فروعها لأكثر من 80 دولة في العالم. وصدور تقرير هيئة المفوضين بحل جماعة الإخوان المسلمين، في هذا التوقيت رغم أن هذه القضية أقيمت عام 1992 أي من حوالي 21 عامًا، ولم يتم النظر في هذه القضية ولم يتم تداولها على جلسات؛ يؤكد استهداف جماعة الإخوان ومقرها. ورغم أن الجماعة تأسست عام 1928 وفقًا للقانون، وصدرت أحكام قضائية نهائية تؤكد شرعية الجماعة، وأنها اكتسبت شخصية قانونية لا يستطيع أحد أن يسلبها إياها، إلا أننا نجد مَن يحاول التشكيك في شرعيتها التي اكتسبتها بحكم التاريخ والجغرافيا والقانون، فالجماعة أصبحت جزءًا من ثقافة مصر والأمة العربية والإسلامية. والغريب أن نجد أحد كبار الصحفيين في الأهرام يجعل شغله الشاغل هو طرح أسئلة حول مصير منصب المرشد ومكتب الإرشاد؟ وهل سيتم الالتزام بنظام الجمعيات التي تخضع لإشراف وزارة الشئون الاجتماعية؟، ويطرح أسئلة أخرى حول الشفافية فيما يتعلق- على حد تعبيره- بالجماعة السابقة ووريثتها الجمعية الجديدة من حيث التمويل والتشكيل والأنشطة التي تقوم بها. وأقول لهذا الكاتب: كان ينبغي عليك قبل أن تتحدث عن تمويل الإخوان المعروف للجميع أو حول كونها جماعة أو جمعية أن تخصص تقريرًا من تقاريرك اليومية على "بوابة الأهرام" للحديث عن تمويل كيانات حنجورية مثل جبهة الإنقاذ، وجمعيات حقوق الإنسان، ومئات مَن يحملون وظيفة "ناشط سياسي" التي ما أنزل الله بها من وظيفة، بل عليك أيها الزميل أن تبحث في المنح التي يحصل عليها مركز دراسات المؤسسة التي تعمل بها من دول أجنبية مقابل عمل دراسات خاصة لهم، مع العلم أن مدير هذا المركز هو ضياء رشوان نقيب الصحفيين المستجد. ويبقى السؤال بماذا يضر المتربصون بالجماعة أن يكون للإخوان جمعية يرأسها الأستاذ محمد السيد عبد الله عثمان عاكف، وجماعة مرشدها الدكتور محمد بديع، وهيئة تنظيمية يرأسها الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة، ورابطة تربوية يرأسها الدكتور محمد وهدان، وحزب سياسي يرأسه الدكتور سعد الكتاني؟. وأخيرًا أقول لهؤلاء: إن التمكين سنة كونية وحكمة إلهية يجب أن نؤمن بها جميعًا، ويكفيهم قراءة الآية الكريمة التي بدأتُ بها المقال «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (القصص).