كثيرون منا يعرفون تلك الحادثة الشهيرة حين "قال النبى –صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة، فأدرك بعضهم العصر فى الطريق فقال بعضهم: لا نصلى حتى نأتيها، وقال بعضهم بل نصلى لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبى -صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا منهم"، فاختلف الصحابة -رضى الله عنهم- فيما بينهم، واجتهد كل منهم وفعل ما رآه صوابًا من وجهة نظره، ولم يعب النبى –صلى الله عليه وسلم– على كليهما. وبهذا يتأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن الاختلاف فى الرأى هو سنة كونية، وقديمًا قيل: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، لكن فى كل الأحوال يُشترط فى الاختلاف الاجتهادى فى الرأى ألا يفسد للود قضية. وقد فهم العلماء المجتهدون المصلحون ذلك فرويت قصص جميلة للود بينهم مع الاختلاف فى الرأى، ومن أجمل ما روى فى ذلك أن الإمام الشافعى صلى الصبح فى مسجد أبى حنيفة فلم يقنت ولم يجهر ببسم الله تأدبا مع أبى حنيفة وأصحابه الذين كانوا لا يقنتون ولا يجهرون بالبسملة على عكس الإمام الشافعى رحمهم الله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"ولو كان كل ما اختلف مسلمان فى شىء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة، ولقد كان أبو بكر وعمر رضى الله عنهما سيدا المسلمين يتنازعان فى أشياء لا يقصدان إلا الخير". لقد مرت أيام عصيبة على المصريين الطيبين وكانت قلوبهم تعتصر حزنا وألما كل يوم جمعة وهم يسمعون دعوات المعارضة للتظاهر دون أدنى سيطرة منها على هذه المظاهرات؛ مما يفتح الباب واسعًا أمام المسجلين خطرا والصبية المشردين والمتحرشين ومدخنى الحشيش والبانجو فى قلب ميدان التحرير والمأجورين من عصابات النظام السابق الذين يعتدون على المنشآت العامة والخاصة وعلى جنود الأمن المركزى وضباط الشرطة الذين يبذلون قصارى جهدهم لضبط النفس ويتحملون ما لا يطيقه بشر للدفاع عن الدولة ومؤسساتها. وبلغت الوقاحة أن تم التعدى على رمز من رموز سيادة الدولة هو القصر الجمهورى الذى هو ملك لشعب مصر لا فرد أو حزب أو جماعة وألقيت عليه قنابل المولوتوف وشوهت جدرانه بعبارات يندى لها الجبين. وفى غمرة هذا الظلام الدامس انبثق نور ساطع أثلج صدرى وصدر كل مصرى مخلص لوطنه، حيث تم الإعلان عن انطلاق "جبهة الضمير" المؤتلفة من شخصيات وطنية مصرية متنوعة الانتماءات الفكرية والسياسية إلا أن ما يجمعها هو كونها ضد الدم وضد العنف. ولا يسعنى إلا أن أتوجه بالتحية والتقدير إلى جميع المعارضين الشرفاء أفرادًا كانوا أو أحزابًا، وإن كنت أختلف معهم فى بعض المواقف وأتفق فى أخرى إلا أننى أقدر لهم أنهم فى مواقفهم وآرائهم إنما ينطلقون بدافع الإخلاص وحب مصر أكثر من حبهم لأنفسهم وإعجابهم وتمسكهم برأيهم.