طالب العلماء مفتى الجمهورية الجديد بالحفاظ على استقلالية مؤسسة الإفتاء وإبعادها عن الممارسات السياسية، وأن يكون مفتيا لكل المصريين لا يعمل لحساب فصيل بعينه، مؤكدين ضرورة اختفاء الدور السياسى الذى لعبته دار الإفتاء فى العصر السابق. وقال العلماء ل"الحرية والعدالة": يجب أن يثبت المفتى للجميع أن دار الإفتاء تصون مقام الدين وحده، وليس رئيس الحكومة أو الدولة أو الجهاز الأمنى، موضحين أن ذلك يدفع الناس إلى الالتزام بالفتاوى واحترامها. وأشاروا إلى ضرورة العمل من أجل عودة هيبة الفتوى فى قلوب المصريين، وأن يدركوا قيمتها كفتوى صادرة عن علماء ينطقون باسم دين الله، موضحين أن تسييس المؤسسات الدينية فى العهد البائد جعل هناك حالة من "اللاقيمة" للفتاوى. ودعا العلماء المفتى الجديد إلى أن يبنى فتواه على الواقع، وعلى الفهم الجيد للظروف المحيطة وأن يكون صاحب مواقف ومبادئ محذرين من أن يقحم نفسه فى المناوشات السياسية. عبد الرحمن البر: يجب أن يكون صاحب مواقف.. وألا يقحم نفسه فى السياسة أشاد الدكتور عبد الرحمن البر -عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالمنصورة- بتجربة اختيار المفتى التى تجعلنا ندرك أننا نعيش أجواء ثورة استحقت منا كل هذه التضحيات، فصارت لنا الحرية الكاملة لاختيار شاغلى المناصب الرئيسية فى الدولة حسب الكفاءة والأمانة وعبر أصحاب الاختصاص. وأعرب عن أمله فى أن يوفق الله الرجل فى أداء مهمته، وأن يستكمل ما بدأه الدكتور على جمعة -المفتى السابق- من تحديث دار الإفتاء، وتحقيق التواصل بصورة أكبر مع عموم الشعب لتلبية احتياجات المواطنين فيما يتصل بالفتاوى فى المسائل المختلفة. وطالب البر المفتى بالحرص على استقلال دار الإفتاء عن أى جهة كانت، وأن يقدم رأيه وفتواه خالصة لله سبحانه وتعالى، محققة لأغراض الفتوى الصحيحة. مشيرا إلى ضرورة ألا يقحم فضيلة المفتى نفسه فى مناوشات سياسية، وأن يكون صاحب مواقف ومبادئ دون أن يمارس دورا سياسيا حزبيا فئويا، ولكن يعلن رأيه فى قضايا الوطن الكبرى، ويقدم نصائحه للجميع. جمال المراكبى: طريقة الاختيار من حسنات الثورة يقول د. جمال المراكبى -الرئيس العام السابق لجماعة أنصار السنة المحمدية-: رغم اختلافنا مع مفتى الديار السابق؛ إلا أنه أسهم بإيجابية فى التطوير المؤسسى لدار الإفتاء، مطالبا المفتى الجديد بأن يحافظ، وأن يطور هذا العمل والجهد المؤسسى، وأن يعمل من أجل التوثيق الجيد للفتاوى القديمة والحديثة. وأعرب عن أمله فى أن يكون مفتى الديار المصرية مفتيا لكل المصريين، لا يعمل لحساب فصيل بعينه. وأن يختفى الدور السياسى الذى لعبته دار الإفتاء فى العصر السابق، خاصة أنه بعد ثورة 25 يناير الجميع يلعب أدوارا سياسية، وأن يتوزع دورها بين الدور الشرعى والقانونى، مؤكدا أن العمل المؤسسى فى البلاد يقتضى التخصص والدقة. وحول التصدى للقضايا المثيرة للجدل يرى د. المراكبى أن هذا ليس دور دار الإفتاء، وإنما دور مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، موضحا أن دار الإفتاء عليها أن تهتم بإصدار الفتاوى الخاصة بالمواطن البسيط فى وقائع حياته، وهذا دور يشاركها فيه لجان الفتوى بالأزهر أو بالجمعيات الدعوية مثل أنصار السنة أو الجمعية الشرعية والدعاة والعلماء بصفة عامة. وأضاف أن إعطاء الفتوى المناسبة للفرد دور مهم لا يصح التقليل من أهميته، لأنه يمس مصلحة المواطن؛ خاصة أمور الزواج والطلاق وغيرها، مشيرا إلى أن المهمة الثانية لدار الإفتاء مهمة قضائية تتعلق بأحكام الإعدام، والمهمة الثالثة الإعلان عن دخول وخروج الشهر الهجرى، وهو ما نأمل فى أن تسهم دار الإفتاء من خلاله فى العمل من أجل وحدة الأمة وليس تفرقها كما يحدث فى كثير من الأحيان خاصة عند دخول شهر رمضان. وأوضح د. المراكبى أن هذه المهام ملقاة على عاتق دار الإفتاء، ولذلك لا ينبغى أن تشغل نفسها بالقضايا السياسية، مشيدا بوجود مفتٍ منتخب بدون قرار سيادى. وأضاف: منذ قديم الأزل كان رئيس الدولة يختار من يتولى منصب المفتى، وفى عهد النظام السابق، كان "أمن الدولة" الجهة الحقيقية التى تختار صاحب هذا المنصب الرفيع، ومن المعروف أن التقارير الأمنية تتحدث عن أى شىء إلا علم الرجل وفقهه. وأشار إلى أن الوضع اختلف الآن، ويختار المفتى عن طريقة هيئة كبار العلماء، وهذا ما كنا نحلم به، وهذا من حسنات الثورة ومن حسنات النظام الجديد، موضحا أن المفتى بتلك الآلية الجديدة فى الاختيار سيكون إحساسه أن الله تعالى هو الرقيب عليه، وليس عليه إرضاء الساسة أو إرضاء من جاءوا به. وقال د. المراكبى: إن هذا يجعل المواطن البسيط يشعر أن دار الإفتاء مؤسسة متجردة وليست صاحبة هوى، ولا ينتصر فيها لرأى سياسى أو فقهى أو مذهبى. ناجح ابراهيم: فتاوى تقترب من هموم الناس يؤكد د. ناجح إبراهيم -القيادى بالجماعة الإسلامية- ضرورة إدارة هيئة الإفتاء بشكل مؤسسى، والحفاظ على السمت الأزهرى الوسطى، وإبعاد دار الإفتاء عن أية حركة سياسية أو حزبية، وألا تكون طرفا فى أى نزاع سياسى، مشيرا إلى أن هناك أمرا مهنيا من صميم دور هيئة الإفتاء، هو منع الفوضى فى الفتاوى الفقهية، التى قد تثير مشاكل وصراعات بين فئات الوطن، وأن تخرج الفتاوى من هيئة مؤسسية. ويقول: على دار الإفتاء أن تدرس أو تعلن رأيها فى قضايا كثيرة تشغل المواطن فى الفترة الأخيرة، مثل قضايا علاقة الديمقراطية بالإسلام، أو العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى خاصة، مشيرا إلى أن الفترة السابقة شهدت اهتماما بفقه المعاملات وفقه العبادات؛ أما الآن فالجميع يشغله فقه الدولة الحديثة والمعاصرة، والفقه السياسى بشكل عام. ويشدد د.ناجح على أن الدور الأساسى والأهم أن تكون الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء ليست خادمة لأية سلطة، وأن تكون فقط معبرة عن الدين والشريعة، ولا تتحدث بلسان أى حزب أو تيار أو فئة. خالد سعيد: على دار الإفتاء أن تصون مقام الدين وحده أعرب الشيخ خالد سعيد -من مشايخ السلفية -: عن أمله فى عودة هيبة الفتوى فى قلوب المصريين، وأن يدركوا قيمتها كفتوى صادرة عن علماء ينطقون باسم دين الله، مشيرا إلى أن تسييس المؤسسات الدينية جعل هناك حالة من الإحساس ب"اللاقيمة" للفتاوى، خاصة لعلماء المؤسسات الرسمية. وقال: كثيرا ما كنا نسمع عن فتاوى تصدر عن تلك المؤسسات ولا يعمل بها الناس، لا لشىء إلا لأنها كما يقولون: "فتاوى الحكومة" موضحا ضرورة أن يثبت المفتى للجميع أن دار الإفتاء تصون مقام الدين وحده، وليس رئيس الحكومة أو الدولة أو الجهاز الأمنى، وهذا يجعل الناس يعودون إلى الالتزام بالفتوى واحترامها. وأكد سعيد أن هذا لن يتأتى إلا بمجموعة ممارسات يقول فيها المفتى الحق ولو على رقبته، ولو كان هذا الحق لا يرضى مؤسسات سيادية فى الدولة، داعيا إلى ضرورة تصحيح الأوضاع الخاطئة التى ترتبت على فتاوى خاطئة، بل يعطى لتلك الأمور الحلول العملية. ويذكر مثالا على ذلك أنه إذا سُئل المفتى حول بعض القضايا العالقة التى تثير إشكاليات مثل فوائد البنوك، فإذا قال إنها "حرام" كما هو ثابت من آراء كثير من العلماء؛ فينبغى ألا يكتفى بذلك، بل عليه أن يقدم الحلول، وأن يفتح للناس آفاقا رحبة مثل التدرج فى التطبيق، وهو أحد طرق الحل، وبهذا يكون المفتى قد أفتى بما حفظ مقام الدين، وأوجد المخرج لمن يصعب عليه التطبيق المباشر فى القضايا الملتبسة، وأيضا وضع فى اعتباره عدم تدمير الدولة أو دفعها فى اتجاهات غير محسوبة. وطالب سعيد المفتى الجديد بأن يبنى فتاواه على الواقع، وعلى الفهم الجيد للظروف المحيطة، مشيرا إلى ضرورة أن تقوم الدولة بدورها فى التدرج نحو تطبيق الشريعة الإسلامية، موضحا أن دار الإفتاء حينما تكون مستقلة وقوية، سيجتمع ويلتف حولها كافة العلماء والمشايخ، ويكون على المفتى أن يجمع علماء التيارات الإسلامية ومشايخها، باعتبارها جهات وإن لم تكن رسمية، إلا أنها جهات شعبية ومجتمعية كبرى لها قيمتها. وأضاف: من مصلحة البلاد أن يجمع المفتى هؤلاء ويشكل منهم لجانا ويشاورهم؛ حتى يقضى على التناقض فى الفتوى، وتصبح فتاوى دار الإفتاء قريبة من كافة التيارات الإسلامية، لافتا إلى أن الفتوى بذلك ستكون مقبولة لدى المواطن البسيط، وسيختفى ما يرى البعض أنه صراع ونزاع بين مؤسسة دينية رسمية وبين مؤسسات أخرى غير رسمية، والمواطن عليه أن يختار . محمد سعدى: التمسك بالآراء الوسطية والموازنة بين الثوابت والمتغيرات قال د. محمد سعدى -المدرس بجامعة الأزهر-: يجب أن يتذكر المفتى الجديد أنه كما قال أهل العلم قائم مقام النبى صلى الله عليه وسلم، فهو نائب عن النبى فى تبليغ أحكام شريعته لأتباع ديانته، وأن يتذكر أن العلماء ورثة الأنبياء، وأنهم لا يخشون فى الحق لومة لائم. وأوضح أن لهذا المنصب مزالق، منها: الرغبة فى إرضاء الناس سواء كانوا حكاما أو محكومين، ولذلك حذر أهل العلم من علماء السلطان، ومن اتباع هوى العامة، ومن المزالق عدم المواءمة بين فقه الدين وفقه الحياة. والتشدد فى بعض الفروع والتساهل فى الأصول. ويرى د. سعدى أن من أخطر هذه المزالق العصبية، والتمسك بالخطأ إذا ظهر الصواب، رغم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل كما قال الفاروق عمر رضى الله عنه. وطالب المفتى بالتمسك بالآراء الوسطية التى توازن بين الثوابت والمتغيرات دون إفراط أو تفريط، وفى ذلك ينسب للإمام -على بن أبى طالب رضى الله عنه-: ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه؟ من لم يؤيس الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم فى معاصى الله، ألا لا خير فى علم لا فقه فيه، ولا خير فى فقه لا ورع فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها.