في ظل "الفوضى" الإعلامية التي نشهدها الآن، لا أندهش كثيرًا من ممارسات الذين يُعتبر التجاوز والانفلات والتضليل سلوكهم الأصيل، لكن ما أزعجني فعلاً هو انجرار واستدراج بعض الدعاة وبعض القنوات التي اصطلح على تسميتها ب"الدينية" إلى القيام بنفس الممارسات، والوقوع في التجاوزات المهنية والأخلاقية، مما فتح الباب للمتصيدين لتجريحهم ورفع الهيبة والاحترام عنهم. لذا فإني في هذا المقال أتحدث حديث المحب الناصح لهؤلاء الذين تصدوا لمهمة الإعلام من العلماء والدعاة، مذكرًا إياهم بما علمونا إياه هم أنفسهم وغيرهم من العلماء. إن الإسلام كدين خاتم ارتضاه الله عز وجل للبشر، اختُص بشريعة شاملة متكاملة، لا تغطي نسك الإنسان مع ربه فقط، وإنما تغطي حياته كلها من الميلاد إلى الممات، (قُلْ إنَّ صلاتي ونُسُكي ومَحْيَايَ ومَمَاتي لله ربِّ العالمين). وهي برغم هذا الشمول، إلا أنها في بعض الجوانب لا تتعرض لبعض التفاصيل الدقيقة في حياتنا بحيث تغطيها كاملة، وإنما ترسم خطوطًا عريضة، تضع مبادئ عامة، لتُعرَض عليها تفاصيل القضايا المختلفة، وما يُستجد من أنشطة وفعاليات في حياة البشر، فتحكم عليها وتنظمها وتوجهها من خلال تلك المبادئ والخطوط، وهذا ما يعطيها صفة الصلاحية لكل زمان ومكان، أو ما يطلق عليه البعض المرونة والتجدد. وإن الشريعة عندما تتدخل لتنظم وتوجه الإبداعات البشرية في أي مجال، فليس هذا من منطلق كبت الحريات، وخنق الإبداع، كما يحاول أن يصور البعض، وإنما من منطلق حفظ الكليات الخمس التي لا تستقيم الحياة بالتهاون في حفظ أي منها، وهي: "الدين، والنفْس، والعِرض، والعقل والمال". ولا شك أن العمل الإعلامي بجميع فروعه وألوانه له علاقة وثيقة ببعض هذه الكليات إن لم تكن كلها، لذا فمن الطبيعي أن يكون للإسلام فيه كلمة. وما نستطيع أن نستخلصه من أقوال العلماء، أن الشريعة في حُكمها على العمل الإعلامي تناولت ثلاثة محاور، هي: الهدف من هذا العمل قولاً وكتابة، والموضوع الذي يتناوله، والألفاظ والمفردات المستخدمة في بنائه. وأستطيع أن أقول استخلاصًا من تلك الفتاوى: إن كل مَن يتعرض للعمل الإعلامي عليه - في رأيي -أن يسأل نفسه عشرة أسئلة، ويجيب عنها بصدق، هذه الأسئلة هي: 1- ما الهدف من هذا العمل الذي سأقدمه؟ 2- هل هذا الهدف لله عز وجل وفي مرضاته؟ 3- هل فيما سأقدمه مصلحة وخير للإسلام والمسلمين والوطن؟ 4- هل سأضيف جديدًا، أم أني أتحدث لمجرد الحديث وملء وقت الشاشات؟ 5- هل ما سأقدمه مناسب للوقت وللزمان وللمكان وللمتلقِّي؟ 6- ما المآلات المحتملة لما سأقدمه، وما النتائج المترتبة عليه؟ 7- هل اخترت ألفاظي ومفرداتي جيدًا وتأدبت فيها بأدب الإسلام؟ 8- هل أنا مستعد لاعتبار أن رأيي صواب يحتمل الخطأ؟ 9- هل أملك سعة الصدر لتقبل أي نقد يوجه لما أقدمه؟ 10- هل عندي الشجاعة للتراجع عما قدمته وقلته إن تبين لي خطؤه؟ وبالإجابة على تلك الأسئلة يستطيع الإعلامي أن يعرف حكم ما سيقدمه، أيا كان لونه، كما أننا نستطيع أن نطبق تلك الأحكام وهذه الأسئلة على أي لون من ألوان الإبداع الفني والثقافي. يا علماء ودعاة الإسلام، بالله عليكم صونوا مكانتكم في قلوبنا وقلوب الناس، ومن قبل ذلك اتقوا الله فيما تحملونه من رسالة وأمانة. ------------ فتحي عبد الستار www.anaensan.net