البعض ما زال لا يتفهم حجم التغيير الذى حدث فى مصر ونوعه، وما زال يقيس الأمور على مسطرة النظام السابق، وما اعتوره من جرائم، وما عمه من فساد، وما اشتمل عليه من كوارث. فعند ما يتقدم نائب رئيس الجهمورية باستقالته يخرج البعض بحديث عن تفكك مؤسسة الرئاسة، بعيدا عن الوقائع الجديدة والنمط الجديد من القيادات التى لا تتعامل مع المناصب على أنها مغانم يرتع فيها أصحابها، أو يحرصون عليها ويبذلون الجهد كله للتمسك بها. هؤلاء لا يدركون أن قيادات اليوم ليست كبقايا نظام تهالك وتقادم وفقد صلاحيته، وفقد احترام الناس له بعد أن فقد احترامه لنفسه، بعد أن فضل مصالحه الشخصية على مصالح الوطن. وما لا يفهمه مسوِّقو الشائعات ومروجوها أن الدستور الجديد الذى نسبه البعض لرئيس الجمهورية يتضمن نقل صلاحيات التشريع من الرئيس فور إقرار الدستور لتسليمها إلى مؤسسة تشريعية جديدة. وما لا يفهمه ولا يستوعبه هؤلاء أن الدستور الجديد الذى نسبه البعض إلى السيد الرئيس يلزم رئيس الجهورية بالدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة والبدء فى إنجاز مؤسسات الدولة من جديد. ولا شك أن خطوة إنجاز مؤسسة الشورى ومن بعدها مؤسسة مجلس النواب من شأنها أن تنقل سلطة التشريع التى كانت مع رئيس الجهمورية إلى مؤسسات نيابية منتخبة. وما لا يدركه هذا البعض أو يتصورونه أن الرئيس سيتخلى عن هذه الصلاحيات راضيا قانعا، بل مترقبا لليوم الذى تنتقل فيه هذه الصلاحيات من يده إلى يد الشعب ونوابه. ولا أعلم أن ديكتاتورا أو حريصا على الاستبداد أو إنسانا لديه رغبة فى الوصول إلى نشوة الحكم يحمل الرغبة الصادقة والحرص الكبير على التخلى عن صلاحيات مارسها وامتلكها ثم كان حريصا على تركها والتخلص منها. ولا أعلم ديكتاتورا يقرب منه مسئولين يتخوفون من تبعات المناصب، ويحرصون على التخلص منها ما إن سنحت الفرصة وكانت مواتية، بشرط ألا يكون لتخلصه من منصبه أثرا سلبيا على مصلحة الوطن. يا سادة، نحن أمام نمط جديد ومستوى راق من الرجال الذين تجردوا من حظوظ أنفسهم، وتخلصوا من حبهم للمناصب بعد أن علموا أنها زائلة.