تدبر صدر سورة البقرة تجد المولى سبحانه تعالى حين تكلم عن المؤمنين أجمل صفاتهم فى أربع آيات، كما أجمل صفات الكافرين فى آيتين، ولكنه حين تحدث عن المنافقين تكلم عنهم فى ثلاث عشرة آية، فتدَّبر. ولكى تدرس طبيعة منهج تلاميذ هذه المدرسة الذين تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، فإنك ترى عجبا واسمع إلى ما رأته عينى وسمعته بأذنى حين أراد أحد الصحفيين وهو نائب رئيس تحرير لإحدى المجلات الكبرى أن يجرى حديثا مع الأستاذ مرشد جماعة الإخوان المسلمين، فبعد أن أجرى الحديث معه وانتهت الإجابات عن الأسئلة المطلوبة، قال أحد الإخوة الحاضرين للتسجيل موجها كلامه للأستاذ نائب رئيس التحرير: لقد سألت ما أردت وسجلت ما أجاب به الأستاذ، وكل الذى نريده أن تكتب أنت كل ما سمعت، وأرجوك ألا تشتمنا ولا تشوِّه صورتنا. ضحك السيد نائب رئيس التحرير وقال وكأنه يداعبنا: نحن لا نستطيع أن نمتنع عن شتيمتكم؛ لأن الشتم لكم فرض عين؛ لأنه يزيد توزيع المجلة بصورة كبيرة، فضحكت أنا الآخر وقلت له: الحمد أن فرض العين عندنا غير فرض أعينكم، والحق يقال إن ما نطق به هو الحق الذى يدفعهم أحيانا لذلك، وإن كان وراءه ما هو أعظم. فعلاً لم يتطابق الحديث الذى نُشِر مع الذى أدلى به الأستاذ المرشد، وأما صاحبنا الآخر وهو رئيس مكتب إحدى القنوات الفضائية المشهورة فقد طلب من الأستاذ المرشد أن يسجل شريطا تاريخيا -شريط تسجيلى- عن حياته وبيته وأسرته وأولاده وأحفاده بمناسبة انتخابه مرشدا عاما للإخوان المسلمين خلفا للأستاذ المرحوم بإذن الله مأمون الهضيبى، وصدقنا ما قال وسجل حضرته شريطا مدته أكثر من اثنتى عشرة ساعة. ومرت الأيام بل الشهور ولم يُذع الشريط ولم نأبَه لذلك، فهذه أمور تعودنا عليها، ولكن بعد انقضاء ما يقرب من أربعة أشهر فوجئنا بعرض شريط مشوَّه الجسد مشوَّش الأفكار، مقطَّع المعانى لا ينتمى إلى الحديث الذى أدلى به الأستاذ المرشد بصلة، كلمات الأستاذ المرشد فيه لا تزيد على دقائق معدودات من الاثنتى عشرة ساعة، وألَّف هو شريطا مدبلجا تكلم فيه عن أعداء الدعوة وأحبابها، وتحوَّل الشريط إلى وسيلة لا أدرى أيخدم بها فكرة وتوجهه أم يخدم جهات أخرى هو يعلمها؟! ونسى صاحبنا أمانة الكلمة وحسن القصد وسلامة النية والوفاء بالوعد وميثاق المهنة، والأغرب من هذا يلقاك بعدها مبتسما وكأن شيئا لم يحدث!. وإن تعجب فاعجب لهذا الذى يقدِّم نفسه على أنه خبير أمنى فى الجماعات الإسلامية والذى لا همَّ له إلا سبّ الإخوان كلما أرادت أى قناة فضائية ذلك استدعته، وليته يقدم نفسه أو يقدمه مقدم البرنامج بتاريخه المعروف، فهو آخر من يتكلم عن الإخوان وهو مجروح مجرَّح تسيل يده بدماء الإخوان ويطارده تاريخ تعذيبهم على يديه، وإن كان صادقا يقول لنا: كم من الإخوان قتل على يديه، وكم من الأجساد شُوِيَت واصطلت بنار تعذيبه يوم كان يسمِّى نفسه جرجس بك، إنه للأسف بدل أن يتوب إلى الله تعالى ويطلب من الإخوان الذين ما زالوا على قيد الحياة والذين عُذِّبُوا بيديه، وما زال أثر التعذيب يشهد على قسوة قلب وحقد دفين أقول: بدل أن يطلب من هؤلاء أن يغفروا له ما اقترفه من آثام إذا به يضحك عليه شيطانه فيتمادى فى غيِّه ويستمر فى تضليله حتى لا تنكشف سوءته، والحمد لله لقد انكشف وظهر المستور، وأحكام المحاكم خير شاهد على ذلك "أَفَلا يَتُوبُونَ إلى اللَّهِ ويَسْتَغْفِرُونَهُ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (المائدة: 74)، ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، ولكن المغفرة لا يستحقها إلا من طلبها بصدق. أما ثالثة الأثافى فكاتب للأمن معروف مشهور لا همَّ له إلا الدفاع عمَّن عذَّب وجلد ظهور الأحرار وعذَّب الرجال، وانتهك الحرمات وروَّع الأطفال، فهؤلاء عنده هم أصدق الناس قولاً، وأرحمهم معاملة، وأعدلهم حكما، والغريب أنه أصبح عضوا بمجلس نقابة المفروض أنها تدافع عن حقوق العباد، بل تدافع عن الشعب وتراقب تصرفات الأجهزة لتنادى بردِّ الحقوق إلى أصحابها. ولكن صاحبنا لا همَّ له إلا تضليل الناس وإلباس الحق بالباطل، وتشويه الحقائق، فهو يعلم بحكم وجوده فى مهنته أن الأستاذ الدكتور رئيس مجلس الشعب وافق على زيارة لجنة الأمن القومى بالمجلس سجن مزرعة طره، ونعلم أن أكثر من عشرين عضوا زاروا السجن وجلسوا وناقشوا واستمعوا إلى أربعة من المسجونين الذين قالوا ما حدث لهم وما شاهدوه، ولما كان الإخوان لا يعرفون إلا الحق ينطقون به فقد فرَّقوا بين ما حدث للمهندس أكرم زهيرى من إهمال ولم يقل أحد منهم إنه عُذِّب، ولكنه قُتِل إهمالاً، وما زال التحقيق جاريا حتى هذه اللحظة، وهذه واقعة مستقلة وهى قضية منفردة منفصلة عن واقعة أخرى هى واقعة تعذيب آخرين فى مدينة نصر واختطافهم من السجن إلى مكان التعذيب. واستمع الجميع من أعضاء مجلس الشعب إلى وقائع التعذيب أمام السيد اللواء مساعد وزير الداخلية ومسئول السجون ومأمور السجن وغيرهم من الضباط، وشهد من ذهبوا على ذلك، وكُتبت مذكرة بكل الوقائع إلى السيد الدكتور رئيس المجلس، فليَعُد إليها السيد المحترم عضو مجلس النقابة والكاتب الهمام الذى لم يخفَ عليه ذلك، وفضلاً عن ذلك فلم ينكر مأمور السجن نفسه ما سمعه أمام الجميع، بل أثبت حدوثه وصدّق عليه. ولكن للأسف الشديد لأنه أوقف نفسه لخدمة الجلادين ترك الحق الذى يعرفه وكتب الباطل الذى تعوَّد عليه، وخلط عن عمد بين الواقعتين: واقعة المهندس الزهيرى وواقعة التعذيب؛ ليوهم الناس أنه لا تعذيب حدث بشهادة من أقرَّ بأن الزهيرى لم يُعذَّب، اسمع ما قاله، يقول "هل تعمَّد الإخوان استغلال وفاة أكرم الزهيرى لتشويه صورة النظام؟" أرأيت إلى الوقيعة وهى شيمته، ثم يقول على لسان مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون والذى حضر بنفسه مناقشة النواب للمسجونين يقول: "التعذيب وهم، والتفرقة فى المعاملة ادعاء". ثم يكتب عمودا تحت عنوان على مسئوليتى "شائعات الجماعة المنحلَّة" كل سطر فيه لا يقول إنه كاذب، بل يقول إنه يتحرى الكذب. وأنا لا أستطيع أن أحصيهم لك عدًّا، فعدد هؤلاء كثير؛ لأن الصادقين قليل ما هم، ولكنى أقدِّم لك نماذج منهم لكى تستريح نفسك وتحذِّر الأحباب منهم وهم معروفون من لحن القول يستمعون إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا غير ما سمعوا، وبيَّتوا غير ما تقول، فإذا رأيتهم لا تأبه بهم؛ لأن رؤياهم تطمئن النفس وتثبت الأقدام على الطريق وتؤكد لك صحة المسير. إنهم معالم على الطريق، فاحمد لله وقل إن رأيتهم: الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله، واحمد لله مرة أخرى أن عافاك مما ابتلى به كثيرا من خلقه. --------------------- الأستاذ/ جمعة أمين عبد العزيز نائب المرشد العام للإخوان المسلمين