دار الإفتاء تحرمه رسميًّا.. وتطالب الدولة بمحاربته قانون جديد بتغليظ عقوبات المحتكرين فى انتظار البرلمان فتحت الفتوى الرسمية الصادرة عن دار الإفتاء بتحريم الممارسات الاحتكارية، وتحريم الاحتكار لكل ما يحتاج إليه الناس دون تحديد للطعام أو لغيره؛ لأن العلة هى الإضرار بالناس، فحيثما وجدت العلة مع أى سلعة وجد الحكم بالنار على التجار والمستثمرين الذين يمارسون مثل هذه الأعمال الخارجة على القانون، ويستغلون احتياجات المواطنين اليومية لتحقيق أرباح خيالية. وشددت الفتوى على ضرورة الضرب بيد من حديد على كل من يحاول المساس بأى من مقومات الحياة لأى مواطن، مطالبة جميع مؤسسات الدولة بأن تضطلع بدورها فى اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد حدوث مثل هذه الأمور مع أى سلعة من السلع الأساسية، سواء كانت خبزا أو أسطوانات بوتاجاز أو محروقات أو غيرها، وطالبتها أيضا بالتدخل للحد من موجة ارتفاع الأسعار فى الأسواق. وطالبت البائعين وأصحاب المحال التجارية بأن يتقوا الله ويمتنعوا عن بيع السلع التى يحتاجها المواطنون بأغلى من سعرها الرسمى، مؤكدة أن احتكار السلع ورفع أسعارها على المشترين هو "خيانة للأمانة". وقالت الفتوى: "من جانبهم طالب رجال الاقتصاد والقانون بضرورة تفعيل قانون المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وضرورة العمل على وضع ضوابط لمراقبة الأسعار داخل السوق؛ لمواجهة جشع التجار وارتفاع الأسعار بشكل جنونى، وأوضحوا أن محاربة الاحتكار تسهم بشكل كبير فى دفع عجلة النمو الاقتصادى، كما أنه إحدى أهم الطرق الرئيسية لمحاربة التضخم، الذى يشهد موجة ارتفاعات متتالية". وقال د. محمد المنسى -أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة-: إن صدور فتوى بتحريم الاحتكار ومغالاة التجار فى أسعار السلع التى يحتاجها المواطنون، هو إحدى أهم الطرق العملية لمواجهة مثل هذه المشكلات المزمنة. وأضاف أن الإسلام نظّم المعاملات التجارية بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع من خلال استفادة التجار بالأرباح وكذلك عدم استغلالهم لاحتياج المستهلكين لهذه السلع الإستراتيجية. ولفت إلى أن عدم تأثر المؤسسات المالية التى تتعامل بنظام المعاملات الإسلامية بتداعيات الأزمة المالية العالمية التى اجتاحت العالم 2008م، جاء بسبب أنها الأفضل؛ حيث تقوم تعاملاتها المالية على تحقيق العدالة الاجتماعية لجميع الأطراف. أما د. محمد حسن -أستاذ القانون العام بجامعة حلوان- فطالب بضرورة تفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية؛ حيث يسهم بشكل كبير فى التصدى لأى محاولة للعب بقُوت الشعب واحتياجاته الرئيسية. وأشار حسن إلى أن جهاز المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية يُجرِى حاليًّا الانتهاء من التعديلات المقترحة على قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية؛ لتكون جاهزة أمام مجلس الشعب المقبل، وأن تلك التعديلات تشمل استقلالية الجهاز، وإلغاء تبعيته لرئاسة مجلس الوزراء، والتمتع بحق إحالة قضايا المخالفات للنيابة العامة، وإعادة النظر فى الغرامات وتحقيق العدالة فى فرض الغرامات على المؤسسات المخالفة، التى تتراوح قيمتها فى القانون الحالى من 100 إلى 300 مليون جنيه، بغض النظر عن حجم المؤسسة، وإعادة تشكيل مجلس إدارة الجهاز ودعمه بعدد أكبر من المتخصصين لزيادة وتفعيل دوره. وأضاف أن التعديلات الجديدة التى يبحث الجهاز إدخالها على القانون، الهدف منها مساعدة صغار التجار ودعم الاستثمار، وجودة السلع، بما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد. ويرى الدكتور حاتم القرنشاوى -أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر الشريف- أن محاصرة الممارسات الاحتكارية عبر الفتاوى الشرعية بتحريمها تحتاج إلى تفعيل لقانون المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وهو ما يسهم فى ضبط السوق والحد من عمليات استغلال احتياجات المواطن البسيط للسلع الغذائية والأساسية التى يحتاجها فى حياته اليومية. وأوضح أن الفتوى تعمل بشكل كبير على تحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين، من خلال حق المواطن فى الحصول على السلع والمنتجات بأسعار منخفضة وليس هناك أى مبالغات فى سعر تداولها، وكذلك حق التاجر فى الحصول على هامش ربح مرض. وطالب "القرنشاوى" بضرورة وضع معايير ثابتة لتحديد هامش ربح لجميع المنتجات والسلع المطروحة فى السوق المحلية للحد من عمليات ارتفاع الأسعار بشكل جنونى ودون أسباب واضحة، مشيرا إلى أن هناك بعض المصانع والشركات تحقق أرباحا تفوق 300% سنويًّا؛ نتيجة المبالغة فى أسعار المنتجات وفى مقدمتها مصانع الحديد والأسمنت. وأشار إلى أن القانون يعد إحدى الركائز الأساسية التى يستند إليها اقتصاد السوق الحرة، وهو ما يجعل من الضرورى العمل على تفعيل قانون المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، قائلا: للأسف.. لا يسرى القانون على المرافق العامة التى تديرها الدولة، ولا على الاتفاقيات التى تبرمها الحكومة بقصد تحديد سعر بيع منتج أساسى. أما عبد الرحمن طه -الخبير الاقتصادى- فيوضح أن العمل على محاربة الممارسات الاحتكارية يسهم بشكل كبير فى تحقيق كفاءة الإنتاج؛ حيث إن تنوع المنتجين بالسوق سيزيد من تنافس الشركات والمصانع وتقديمها منتجات أفضل وبأقل الأسعار لكسب عملاء أكبر، وهو ما يصب فى مصلحة المواطن البسيط. وقال: إن تفعيل القانون والقيام بتسعير المنتجات هما أفضل الطرق لمواجهة الرأسمالية المتوحشة التى يتبعها المستثمرون فى تحقيق أرباح خيالية دون النظر إلى قدرة المشترى وارتفاع الأسعار بشكل كبير، مشيرا إلى أن السبب الرئيسى فى وجود ظاهرة المغالاة فى أسعار السلع الاستهلاكية والغذائية بوجه عام هو غياب الرقابة على أسعار السلع المستوردة تحديدا، وهو الأمر الذى تسبب فى دخول عدد كبير من السلع ذات الأسعار المرتفعة من الخارج؛ مما أدى إلى زيادة أسعار باقى السلع وأثّر على المتوسط العام للأسعار. وأضاف أنه لا بد من الأخذ فى الاعتبار الأسس العلمية فى الإحصاء الاقتصادى عند وضع ضوابط الأسعار؛ بحيث تعكس الأسعار واقع الأسواق العالمية دون خطأ، مؤكدا أن وجود مثل هذه المؤشرات الضابطة للأسعار لها إيجابيات عدة؛ حيث تسهم فى المقام الأول فى رقابة الأسواق بشكل فاعل، إضافة إلى أنها عامل مساعد فى معالجة الأوضاع الاقتصادية المحلية.