لائحة 57والسياسة وعلمانيو الكنيسة والزواج الثانى والكنائس المغلقة وأقباط المهجر وقانون دور العبادة الموحد.. تنتظر الحسم يقع على كاهل البابا 118 عدد من القضايا الشائكة والملفات المهمة، التى تراكمت عبر سنوات طوال جلس خلالها البابا شنودة الثالث على كرسى البابوية لفترة طويلة امتدت أكثر من أربعين عاما، جعل خلالها الكنيسة تضطلع بأدوار كبيرة ومؤثرة فى رعاية الأقباط ومصالحهم السياسية والاجتماعية وعلاقتهم بالدولة. ولم تقتصر هذه القضايا على الجانب الكنسى فقط، بل امتدت إلى جميع النواحى السياسية والاجتماعية والثقافية أيضا، وعلى رأسها تعديل لائحة عام 57 الخاصة بانتخاب البابا، لتعطى الشباب الحق فى اختيار البطريرك، والدور السياسى للكنيسة وعلاقتها بالدولة، وقضايا الأحوال الشخصية الخاصة بالزواج الثانى والطلاق، وعلاقة الكنيسة بأقباط المهجر، إضافة إلى ملف الكنائس المغلقة، وقانون دور العبادة الموحد، فضلا عن جبهة العلمانيين داخل الكنسية التى تطالب بإصلاحات جوهرية. وما يزيد من ضرورة مواجهة البابا الجديد لهذه التحديات وفتح جميع الملفات على مصراعيها أنه جاء فى ضوء متغيرات سياسية وثقافية واجتماعية ومناخ ديمقراطى يختلف عما كان قبل 25 يناير 2011. "لائحة 57" تثير الجدل تعديل لائحة 57 لانتخاب البابا والصادرة عام 1957 هو أول الملفات المطروحة على مكتب البطريرك الجديد، وتجدد الجدل حولها بقوة بين تيار العلمانيين والكنسية بخلو مقعد بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، برحيل البابا شنودة الثالث. وكان التيار العلمانى داخل الكنيسة قد أعد لائحة جديدة لانتخاب البطريرك عام 2007، وجرى تنقيحها لعرضها على البابا الجديد حتى يتم إقرارها وتطبيقها فى المستقبل. وتشمل اللائحة الجديدة التى تم إعدادها عددا من البنود المهمة؛ منها استحداث منصب "نائب البابا" وهو منصب إدارى يضبط الحركة داخل الكنيسة فى الفترات الانتقالية التى تعقب خلو الكرسى البابوى، وفى فترات غياب البابا لمختلف الأسباب، وإلغاء منصب "قائممقام البطريرك" باعتباره أحد موروثات دولة الطوائف والملل وعدم ملاءمته للعصر، واستحداث نظام الدوائر المتخصصة فى مجالات عمل الكنيسة المختلفة كخطوة ضرورية للتحول من النظام الفردى فى قيادة الكنيسة إلى النظام الجماعى والمؤسسى. وتطالب بتوسيع القاعدة الانتخابية بضوابط لازمة، حتى تأتى أكثر تحقيقا للمبدأ الكنسى، وهو حق الشعب فى اختيار راعيه، ومتلائمة مع التوسع الجغرافى والبشرى الذى تشهده الكنيسة، سواء فى داخل الوطن أو خارجه. كما تطالب بإلغاء نظام القرعة الهيكلية لأسباب عديدة، أهمها: عدم اتساقها مع فلسفة الانتخاب بل إهدارها لها، وعدم قانونيتها، فالمفترض أن تُجرى بين متساويين، وهو ما لا يتوافر فى حالة المرشحين للكرسى لتباين الأصوات الحاصلين عليها، وأنها لم تُتَبع فى الكنيسة على مدى تاريخها إلا ثلاث مرات، وفى عصور حديثة ولأسباب مختلفة، فلا ترقى لأن تكون قاعدة يقاس عليها، ودفعت بنمط التواكل إلى الذهنية القبطية العامة، بزعم أن الإنسان ليس عليه الاختيار. الابتعاد عن السياسية يطالب عدد كبير من الأقباط بأن يقتصر دور الكنيسة على الجانب الروحى، وألا يكون لها أى دور سياسى، وأن يعود أداؤها الرعوى إلى ما كانت عليه فى عصر البابا كيرلس السادس، بعد أن دخلت الوسط السياسى بقوة فى عهد البابا شنودة، لترفع الدولة يدها عن حل مشاكل الأقباط، وهو ما لا يريدون له أن يستمر فى ظل البابا الجديد. ويؤكدون أن علاقة الكنيسة بالدولة علاقة الجزء بالكل، وأن الأقباط مواطنون كاملو المواطنة، وما حدث فى الماضى بالقول إن الكنيسة كانت تمارس العمل السياسى بشكل كبير لدرجة أن البعض كان ينظر إليها أنها دولة داخل دولة، فهذا أمر غير مرغوب فيه بعد ثورة يناير. ويرى المفكر القبطى السياسى جمال أسعد، أن فترة البابا شنودة ستظل حاضرة فى المشهد الكنسى؛ لأنها كانت فترة استثنائية فى علاقة الكنيسة بالدولة، وطوال تاريخ الكنيسة كانت الكنيسة تهتم بالشأن الروحى والدينى فقط، ولا علاقة لها بالجانب السياسى، ولكن شنودة لعب دورا سياسيا خلال تمثيله الأقباط، وساعد على ذلك النظام السابق، الذى افتقد الشرعية والمصداقية الجماهيرية. وأضاف: هذا الأسلوب، وتلك السياسة التى اتبعها شنودة، أساء للأقباط، ولم يحل مشاكلهم، بل زاد من المناخ الطائفى، حيث صور المناخ العام أن الأقباط تابعون للكنيسة، وأن البابا هو المسئول عنهم، وأنه لا علاقة لهم بالدولة، وغير مسئولين منها، مما جعل هناك أقباطا ومسلمين، ومشاكل بينهما، وكأننا شعبان وليس شعبا واحدا. الزواج الثانى اللائحة 38 هى أحد أهم الملفات الشائكة التى تنتظر البابا الجديد ليحسم الخلاف الدائر حولها، التى تقوم على مطالبات واضحة تتمثل فى تغيير قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين أو تعديله، بحيث يسمح للأقباط بالطلاق، ويتخوف الكثيرون من أن يرفض البطريرك الجديد المغامرة بسمعته لدى المجمع المقدس ويقوم بإلغاء ما أقره البابا شنودة الثالث. ويطالب جانب كبير من الأقباط بالعودة للعمل بلائحة 38 التى كانت تقر 9 أسباب للطلاق؛ أهمها استحالة العشرة والزنى وعدم الإنجاب، ولكن البابا شنودة الثالث قام بإلغائها عام 2008 وأقر الطلاق لسبب واحد فقط، وهو الزنى، وشدد على ضرورة وجود دليل مادى على وقوع فعل الزنى لإتمام الطلاق داخل الكنيسة. فيما يرى جانب آخر من الأقباط بإبعاد الكنيسة تماما عن مسألة الزواج، وأن يكون الزواج مدنيا عن طريق الشهر العقارى والعقود الموثقة، كنوع من الحل لزواج كل المسيحيين، خاصة أنه يكفل حقوق الطرفين، ولكن الكنيسة تعترض على هذا الاقتراح؛ لأنه يمنع الأقباط من حقهم فى ممارسة عباداتهم الدينية داخل الكنيسة مثل الاعتراف أو حضور القداسات، مما يسبب أزمة كبيرة. وكان عدد من شباب المحامين الأقباط قد تقدم بمشروع قانون لمجلس الشعب لمناقشته وطرحه كى يتيح للأقباط الحق فى الطلاق والزواج مرة ثانية، وبعد توقف جلسات مجلس الشعب عاد الأقباط ليعقدوا آمالهم على البطريرك الجديد لتغيير القانون الحالى من أجل إيجاد حل لعشرات الآلاف من الأسر المسيحية التى تعيش فى حالات طلاق مع إيقاف التنفيذ. أقباط المهجر تساؤلات كثيرة تطرح حول ماهية العلاقة التى ستكون بين أقباط المهجر و''البابا الجديد''، وهل ستكون كما كانت فى عهد ''شنودة الثالث'' والضغط عليهم ليبتعدوا عن انتقاد الدولة وسياساتها؟ أم سيشهد العهد الجديد علاقة روحية ودينية بين أقباط المهجر والكنيسة دون مساس بالحقوق السياسية لهم. وكان للبابا شنودة مكانة خاصة لدى أقباط المهجر، ومن ثم كان هناك إنصات، ولكن البابا الجديد لن تكون له المكانة نفسها لدى أقباط المهجر، وهو ما ظهر فى الحضور الكبير لأقباط المهجر فى الانتخابات البابوية، ويشير إلى احتمال وجود علاقة جديدة بينهم وبين الكنيسة. ولا يمكن القول إن العلاقة كانت سيئة بين الكنيسة وأقباط المهجر فى عهد البابا شنودة، وكان فقط أهم ما يميزها عن الأقباط فى الداخل هو مساحة الحرية التى يتمتعون بها فى المشاركة السياسية والتعبير عن الرأى وانتقاد الدولة، وهو ما لم يكن متاحا للأقباط فى الداخل. ومن المتوقع ألا تتغير العلاقة بين أقباط المهجر والكنيسة فى عهد البابا الجديد، وستظل علاقات روحية بعيدا عن الدور السياسى لهم، ولن تشمل ضغوطا من قِبل الكنيسة عليهم لتقليل حدة انتقاد الدولة، وستظل الكنيسة على حالها محتفظة بعلاقتها بالدولة. الكنائس المغلقة ومن الملفات التى ستكون حاضرة بقوة على مائدة البطريرك 118، ملف الكنائس المغلقة، حيث يوجد قرابة 50 كنيسة مغلقة فى مصر؛ لدواع أمنية، سيسعى البابا الجديد إلى إيجاد حل لهذه المشكلة، والحصول على قرار من السلطات المختصة بفتح هذه الكنائس من جديد ليمارس الأقباط بداخلها صلواتهم. وقد أعلنت السلطات المصرية فى مايو 2011 أنها ستعيد النظر فى ملفات 48 كنيسة أغلقت فى زمن الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وأنها ستُقرر الكنائس التى سيعاد فتحها، وجاء ذلك بعد هدم كنيسة أطفيح بحلوان، وعلى أثرها تظاهر الأقباط أمام ماسبيرو، وقدموا للدكتور عصام شرف -رئيس الوزراء آنذاك- ملفا لفتح عدد من الكنائس المغلقة، وحتى الآن لم تفتح. قانون دور العبادة الموحد قانون دور العبادة الموحد.. لا يزال الجدل مستمرا حول هذا القانون، ويخضع للنقاش الكنسى والمجتمعى فى الوقت نفسه، حيث يدور الحديث حول أفضلية صدور قانون خاص ببناء الكنائس أم قانون موحد لدور العبادة. وكان المجلس العسكرى أثناء فترة توليه قيادة البلاد عقب تنحى الرئيس المخلوع فى 11 فبراير 2011 قد أعد قانونا فى يونيو 2011 لبناء الكنائس تضمن رفع الرقابة عن تمويل بناء الكنائس، وإلغاء فرض مبالغ مالية قدرها 10 آلاف جنيه على طلب ترخيص البناء، ومبلغ ألف جنيه على طلب الترخيص بتعلية، أو توسيع أو تدعيم دور عبادة قائمة، ولكن هذا القانون لم يرَ النور؛ لأنه كان من المنتظر أن يعرض على مجلس الشعب السابق. العلمانيون.. ثائرون داخل الكنيسة ومن أهم الملفات التى تنتظر البابا الجديد التعامل مع ملف العلمانيين داخل الكنيسة، خاصة أن الحركة العلمانية القبطية دائما ما يثار حولها العديد من الإشكاليات بسبب مطالباتها المستمرة بتطوير الكنيسة من الداخل، الأمر الذى خلق حالة من عدم الثقة بين أعضاء هذه الحركة والكنيسة. وربما لم يسمع الكثيرون عن مصطلح "العلمانيين" فى الكنيسة قبل 7 سنوات؛ حيث ظهر هذا التيار ليكون أول من يتحدث صراحة عن ضرورة إدخال تعديلات فى لوائح الكنيسة خلال عهد البابا شنودة الراحل. ويضم تيار العلمانيين فى الكنيسة مجموعة من المفكرين، والكتاب الأقباط، واستهدف تكوينه إحداث حالة من الحراك داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعد أن ظلت مجتمعا مغلقا لسنوات عديدة. ورفع العلمانيون فى صراعهم مع لوائح الكنيسة الأرثوذكسية شعار "منظومة كنسية معاصرة"، وطالبوا بإدخال 4 تعديلات أساسية على لوائح الكنيسة، فى المحاكمات الكنسية، والأحوال الشخصية، والمجلس الملى، وأخيرا لائحة انتخاب البطريرك.