د. أشرف محمد دوابة مستشار وخبير التمويل والاقتصاد الإسلامى [email protected] تمثل السياسة النقدية دورا مهما فى هيكل السياسات الاقتصادية الكلية، وتنصرف السياسة النقدية إلى الرقابة والتحكم فى عرض النقود داخل الاقتصاد. ويعتمد البنك المركزى فى إدارة السياسة النقدية على مجموعة من السياسات تتمثل أساسا فى: السياسية الائتمانية، وسياسة سعر الصرف، وسياسة إدارة الدين العام. ويسهم اتباع سياسة نقدية مناسبة فى تحقيق أهداف النمو، ورفع معدلات تشغيل القوى العاملة، وتحقيق الاستقرار المنشود. وهو ما يتطلب إصلاح السياسة النقدية المصرية الحالية بصورة تحقق الرشادة فى استخدامها بأن تكون فى خدمة الاقتصاد الحقيقى، وذلك من خلال الاستقلال التام للسياسة النقدية وعن طريق استقلال البنك المركزى المصرى فى وضع سياسته النقدية بصورة كاملة عن الحكومة من خلال توجيه البنوك بشأن الأغراض التى يمنح من أجلها التمويل، وسقوفه، والأرصدة النقدية التى يتعين الاحتفاظ بها، ونسبة ونوع الضمان الذى يجب الحصول عليه وغيرها. وهذا الاستقلال لا يعنى انقطاع الصلة بالحكومة، ولكن هو استقلال فى استخدام أدوات السياسة النقدية نوعا وكيفا، مع أهمية اتسام هذه السياسة بالقدر الكافى من الوضوح والشفافية؛ تحقيقا للمصداقية. وكذلك خروج السياسة النقدية من عباءة ترسيخ المديونيات إلى رحاب خدمة الإنتاج والاستثمار، فسياسة البنك المركزى المصرى تعتمد على نظام الكوريدورCorridor كأداة رئيسية لتنفيذ السياسة النقدية التى تتبنى هدفا تشغيليا يتمثل فى سعر العائد على المعاملات بين البنوك لليلة واحدة وتقرر تلك الأسعار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى، ونظام الكوريدور Corridor Systemيشمل سعرين للعائد لليلة واحدة فى تعاملات البنك المركزى مع البنوك؛ أحدهما للإيداع والآخر للإقراض، ويمثل سعر عائد الإيداع الحد الأدنى لسعر الفائدة، بينما يمثل سعر عائد الإقراض الحد الأقصى له. وقد أدت هذه السياسة إلى تكالب البنوك لإقراض البنك المركزى؛ تجنبا لمخاطر توظيف الأموال لدى الأفراد أو المؤسسات، وهو ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى التآكل الرأسمالى فى المجتمع، فقد كان من نتيجة هذه السياسة الخاطئة أن تراكمت الأموال فى البنوك؛ حتى عجز الجهاز المصرفى المصرى عن توظيف ما يقرب من نصف ودائعه. كما تبدو أهمية مراعاة التوازن والاستقرار فى سعر الصرف وتخفيف الضغوط عليه من خلال تفعيل قيام البنك المركزى بدور صانع السوق فى سوق النقد بما يراعى الأهداف الاقتصادية للدولة وحالة الاقتصاد القومى، مع أهمية فك الارتباط بين الجنيه المصرى والدولار الأمريكى وربطه بسلة عملات تتضمن اليورو والإسترلينى والين وحقوق السحب الخاصة وغيرها.ويمكن الاستفادة من تجربة ماليزيا لتخفيف الضغط على سعر الصرف من خلال نظام ترتيبات الدفع الثنائى مع الدول العربية والإسلامية والإفريقية من أجل خفض الاعتماد على العملات الأجنبية لتمويل التجارة، وقد طبقت ماليزيا هذا النظام مع 26 دولة من البلدان النامية، فكان من نتيجة ذلك أن ازداد حجم تجارتها مع هذه البلدان بنسبة 400%. كما تبدو أهمية تفعيل وتطوير أدوات السياسة النقدية، واستخدام آليات أكثر جدوى فى تشجيع الادخار والتحكم فى عرض النقود ومعالجة التضخم بصورة تدعم الاقتصاد الحقيقى من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية للدولة. يأتى فى مقدمتها استخدام الصكوك الإسلامية، وسياسة الاحتياطى القانونى على الودائع الجارية، وسياسة السيولة النقدية، بالإضافة إلى اتباع سياسات إضافية، خاصة بالبنوك الإسلامية كرفع حصة مساهمة البنك الإسلامى أو خفضها فى المشاركات والمضاربات، ورفع حصة البنك الإسلامى أو خفضها فى الأرباح المحققة من المشاركات والمضاربات، واشتراط ضمانات على المضاربين والمشاركين للجهاز المصرفى فى عملياته الاستثمارية، وتغيير شروط عمليات البيع الآجل من حيث المدة أو القسط، والتأثير فى نسبة الأرباح الموزعة. كما تبدوأهمية أن يعمل البنك المركزى على متابعة معدل التغير فى الأسعار ومعدل النمو فى الإنتاج للتأكد من وجود مبرر حقيقى فى صورة زيادة فى الإنتاج لإصدار نقدى جديد؛ منعا للموجات التضخمية.وكذلك التخطيط لإحلال آلية معدل الربح بديلا عن سعر الفائدة، فمعدل الربح يعبر عن نتيجة فعلية للنشاط ويعكس معيار العدل فى المعاملات، بعكس سعر الفائدة الذى يقوم على الغَرر والتخمين والغَبن، ولا يوجد معيار معين يمكن الاستناد عليه فى تحديده حتى اختلف الاقتصاديون اختلافا جذريا وعميقا فى ذلك. هذا بالإضافة إلى تفعيل الرقابة على البنوك من قِبل البنك المركزى؛ لمنع الانحراف والفساد المصرفى، وضمان الالتزام بالقواعد والأعراف المصرفية وأولويات الاستثمار فى المجتمع، مع فك القيود التى تحول دون إنشاء مصارف إسلامية.