محفوظ عبد الرحمن: البحث عن الإعلانات يسبق القيمة الفنية.. و"كتالوج" جاهز للمؤلفين د. أحمد سخسوخ: "أم كلثوم" و"أسمهان" الأفضل.. وجوهر الشخصية أهم من سرد اليوميات حالة من العمل الكثيف تجرى حاليا فى العديد من مسلسلات السير الذاتية التى أصبحت قاسما مشتركا على مائدة الدراما الرمضانية كل عام منذ النجاح الكبير الذى حققه مسلسل "أم كلثوم" عام 1999 من إخراج إنعام محمد على، فمن المتوقع أن يذاع رمضان القادم عدة أعمال دفعة واحدة أهمها ما سيقدمه أحمد آدم عن حياة "مصطفى محمود" وصلاح عبد الله عن حياة "نجيب الريحانى" ومسلسل "مداح القمر" عن حياة بليغ حمدى وعن حياة "طلعت حرب" من إخراج إنعام محمد على ومسلسل "أهل الهوى" من إخراج عمر عبد العزيز. "الحرية والعدالة" رصدت أهم ما يجب أن تراعيه هذه النوعية من المسلسلات فى السطور التالية. يقول الكاتب محفوظ عبد الرحمن: ظاهرة كتابة مسلسلات السير الذاتية حصل بها انفلات شديد وأصبحت المسألة تجارة؛ فالكاتب يختار الشخصية التى يتوقع أنها ستدر إعلانات بغض النظر عن القيمة التى تمثلها الشخصية ولا يتساءل المؤلف ما الذى يدفعنى لاختيار شخصية فالمهم هى الرسالة والقيمة وليس الإعلانات فهى مسألة مبتذلة، وقد وصل الأمر لامتلاك كتاب السير الذاتية (كتالوج) فالأصل مثلا أن تكون بداية كل مسلسل مختلفة عن الآخر قبل نشاط الشخصية أو بعدها أو مع بداية نشاطها ولكن من يقوم بتقديم الشخصية قبل أن يتزوج أبوه أمه ويحدث تطويل رهيب. ويضيف محفوظ: من المفروض أن يدقق المؤلف جدا فى تاريخ الشخصية ومحاولة فهمها فالكاتب قد يضيف مشاهد درامية عن ماذا ستفعل هذه الشخصية فى هذا الموقف؟ فلكل شخصية رد فعل مختلف عن الأخرى كما يجب مراعاة دقة المعلومات فليس الهدف إذاعة شخصية مع وضع مواقف غير حقيقية وذلك يعد تزييف. وحدد عبد الرحمن أهم المعايير من وجهة نظره يجب مراعتها عند كتابة مسلسلات السير الذاتية قائلا: لابد أن يكون هناك تدقيق شديد جدا بالإضافة إلى الرسالة التى يريدها من خلال هذا العمل وفهم الشخصيات؛ لأنه لا توجد شخصية وحيدة، أما بالنسبة للمواقف الخلافية فعلى المؤلف أن يدقق فى كل تفاصيل عمله ويكون واثقا مما فعل فعندما قدمت شخصية الخديوى إسماعيل فى مسلسل "بوابة الحلوانى" بصورة مختلفة عما فى ذهن الناس هوجمت هجوما شديدا وكنت على استعداد لمناقشة أى أحد فى أى مكان عن ما كتبت وإن لم يكن هناك قول فصل فى تلك المواقف الخلافية لا بد أن يتم تجنبها أو لا يقدم المؤلف على تقديم العمل. ويذكر عبد الرحمن أن موقف ورؤية المؤلف للشخصية التى يتم تقديمها يجب أن تكون موجودة فالسلوك الإنسانى العادى به ما قد يراه إنسان صحيحا وما يراه خطأ وليس هناك كاتب لا يحمل وجهة نظر فمن يكتب بحيادية لا توجد بينه وبين الكتابة أى صلة. ويقول المخرج عمر عبد العزيز مخرج مسلسل (أهل الهوى): المعيار الأساسى لتقديم مسلسلات السير الذاتية هو قيمة الإنسان الذى نتعرض له وتأثيره على المجتمع كله سواء فكريا أو أدبيا أو فنيا ولا يهمنى حياته الشخصية بقدر ما يهمنى ما قدمه من قيم. وأكد أنه حينما تصدى لإخراج مسلسل أهل الهوى قام بالاتفاق مع المؤلف على كافة التفاصيل قائلا: نحن نقدم شخصية نحبها ونعلم جيدا مدى تأثيرها وما نريد أن نقوله من عملنا هذا أن مصر منذ 100 سنة كان بها عصر تنوير فمصر كانت تعج بالحياة الثقافية والفكرية فى كل المجالات وعندما أقدم الشخصية على الشاشة لابد أن أكون قاضيا عادلا فأنا لا أقوم بعمل دعائى لأحد أقاربى. وأشار عبد العزيز إلى رغبته الشخصية فى عدم عرض مسلسله فى الموسم الرمضانى القادم ويتمنى عرضه قبل رمضان موضحا: مسلسل "أهل الهوى" عمل جدى على الرغم من الضحك الموجود به إلا أنه يحتاج لتفكير ولا يوجد به خلطة المسلسلات الرمضانية والتى يصعب معها التفكير. دور الخيال ويفرق د. أحمد سخسوخ العميد الأسبق للمعهد العالى للفنون المسرحية وأستاذ الدراما بأكاديمية الفنون بين الحدث الذى يحدث فى الواقع وبين عمل فنى فالفارق بين هذا وذاك الخيال الذى يلعب دور جمالى وفنى وتقنى وهو ما يفرقه عن العمل الحياتى والفن لا بد أن تحكمه قيم جمالية ولا يمكن أن تنقل الوقائع كاملة على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة أو حتى خشبة المسرح فلا بد أن يكون هناك ما يميز العمل الفنى فحتى أرسطو منذ أكثر من 2500 سنة قال: "نحن نختصر التاريخ" فشكسبير عندما قدم 30 سنة من حياة "ماكبث" قدمها فى 5 ساعات لذا يخضع العمل الفنى لاختيارات الفنان والأحداث التى تقع عليها عين الفنان باختياراته فلا يتساوى العمل الفنى مع السيرة الذاتية مع الحياة بكاملها. ويشير الدكتور أحمد سخسوخ إلى مسلسلى "أسمهان" للمخرج شوقى الماجرى و"أم كلثوم" للمخرجة إنعام محمد على هما أفضل ما قدم من مسلسلات السير الذاتية قائلا: المخرج شوقى الماجرى كانت أمامه ثلاث روايات عن مقتل أسمهان الأولى أن أم كلثوم هى من قتلها بدافع الغيرة، والثانية أن الألمان هم من قتلوها بسبب الخيانة أو أن الإنجليز هم من قتلوها لأنها كانت عميلا مزدوجا فقام المخرج باختيار نهاية فنية بأن يقوم السائق بإيقاع السيارة عمدا فى إحدى الترع وهى فى طريقها لرأس البر فالمخرج آثر أن يترك نهاية مفتوحة ليشتبك المتفرج مع المشهد ليتساءل عمن قتل أسمهان. ويضيف الدكتور أحمد سخسوخ أن عبقرية الفنان فى أن يتجاوز المناطق الخلافية ولا يقف عند التفاصيل الصغيرة بل عند الجوهر. ويوضح الدكتور أحمد سخسوخ أن الفنان الذى يتصدى لمسلسل من مسلسلات السير الذاتية لا بد ألا يقع فى التفاصيل ويقدم الجوهر فهو ليس بصدد إعادة حياة من يقدم ولكن يقدم روحه وجوهره وتأثيره فى العصر ولا يوجد عمل فنى لا تنعكس ذاتية الفنان عليه فى اختياراته للأحداث والمشاهد والقيم الجمالية لهذه الأحداث فثقافة الفنان واختياراته وتقنياته تدخل فى العمل الفنى ولا يمكن أن يقدم عملا موضوعيا منفصلا عنه حتى فى الأفلام الوثائقية والتسجيلية فذاتيته تتدخل ومنها اختياراته وأدواته وقيمه الجمالية وأهدافه التى يريد تقديمها للجمهور.