وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الأحد 23 يوليو 2017م إلى مدينة جدة السعودية في مستهل جولة له بالمنطقة إلى كل من السعودية والكويتوقطر، تستغرق يومين، في مساع لحل أزمة حصار قطر. ولم تقف تركيا بمنأى عن النزاع بين الدول الخليجية، فلم تقتصر ردود فعل أنقرة على دعم دولة قطر المحاصرة بل على حمايتها أيضا. لكن هذا لا يعني أن تركيا مستعدة للمخاطرة بمواجهة دول الخليج الأخرى. وتأتي الجولة وسط تكهنات بضعف فرصة الحل بناء على معطيات كثيرة ومؤشرات واضحة حسب مراقبين، ورغم يقين الحكومة التركية بذلك إلا أن لها مآرب أخرى تستهدف ضمان عدم تأثر العلاقات الاقتصادية بالخلافات القائمة حول أزمة الخليج. وأجرى الرئيس التركي مباحثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأفادت وكالة الأنباء السعودية (واس) بأن المباحثات شملت "العلاقات بين البلدين الشقيقين، وبحث تطورات الأوضاع في المنطقة، والجهود المبذولة في سبيل مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله"، دون ذكر مزيد من التفاصيل. وفي وقت سابق من اليوم، أقام العاهل السعودي مأدبة غداء تكريما للرئيس التركي.. كما عقد الرئيس التركي اجتماعا مغلقا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حضره مسئولون أتراك، حسب "الأناضول". فرصة ضئيلة للحل وحسب مراقبين فإن فرصة نجاح أردوغان في حلحلة الأزمة تبدو ضعيفة، على غرار ما حدث مع جولة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، والوساطات الألمانية والفرنسية والبريطانية التي لم تسفر عن شيء، ولكنها ربما أسهمت في معرفة حقيقة الأزمة عن قرب حيث صرح وزير الخارجية الأمريكي عن ذلك بقوله إن بعض أسباب الأزمة عاطفية! في إشارة إلى غيرة بعض دول المنطقة من نجاحات قطر الإقليمية والعالمية. كما أن انحياز تركيا لموقف الدوحة أغضب بلا شك دول الحصار وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وبدا ذلك واضحا في مشهد استقبال الرئيس التركي اليوم، الذي جاء فاترا من جانب مسئولي المملكة، في رسالة لا تخفى دلالتها، حيث لم يكن في استقباله لا الملك سلمان ولا حتى نجله ولي العهد محمد بن سلمان الأمير الشاب والمتهور. أردوغان يثني على الدوحة وجاءت تصريحات الرئيس التركي صباح اليوم في مؤتمر صحافي في أسطنبول لتجدد الثناء على الموقف "العاقل" من جانب الدوحة، حيث أكد أردوغان أن "قطر التزمت سياسة عاقلة تسعى إلى حل الأزمة الخليجية، "مشددًا على أن "العالم الإسلامي ليس بحاجة إلى مزيد من الانقسام"، وأن "الأزمة الخليجية لا تفيد أحدًا". وأعلن أردوغان عن دعمه وتقديره للوساطة الكويتية لحل الأزمة الخليجية، ودعا إلى تنفيذ إجراءات جدية لحل الأزمة. وأكد أن تركيا تشعر بالأسف إزاء التطورات الأخيرة، وأن "المسلمين اليوم بحاجة أكثر من أي وقت آخر للتكاتف ورص الصفوف، وللأسف فإن المآسي الحاصلة في سوريا والعراق وليبيا وفلسطين تزداد يوما بعد يوم، وما يحصل في المسجد الأقصى دليل على ذلك". وتأتي الجولة بعد يومين من خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأول من نوعه منذ بداية الأزمة المفتعلة ضد الدوحة، والذي حمل مجموعة من الرسائل الواضحة أهمها التأكيد على انفتاح قطر لحل الأزمة بالحوار، استنادا على شرطين، هما احترام سيادة كل دولة وإرادتها، وأن يتم الحوار بلا إملاءات من طرف على طرف آخر، بل يوضع كتعهدات متبادلة ملزمة للجميع. ومآرب أخرى وحسب مراقبين فإن جولة أردوغان تستهدف -إلى مساعي الحل إن حدثت- ضمان عدم تأثر العلاقات الاقتصادية بين أنقرة ودول الحصار بموقفها الداعم للدوحة. ويرى المحلل التركي «جهاد آغير مان» أن الاقتصاد حتى الآن بعيد عن المواقف السياسية، على الرغم من التغيرات البسيطة التي بدأت تظهر، سواء في قدوم السعوديين إلى تركيا خلال عيد الفطر أو تجميد بعض الأعمال التجارية. واحتلت قطر المرتبة السابعة في أكثر الدول الأجنبية استثمارات في تركيا خلال عام 2016 بإجمالي استثمارات بلغت 375 مليون دولار، حسب تقرير جمعية المستثمرين الدولية. وتصدرت هولندا القائمة بإجمالي استثمارات بلغ 956 مليون دولار. لكن العلاقات الاقتصادية بين تركياوقطر لا تتوقف عند هذا الحد، فشركات المقاولات التركية تفوز بمناقصات ضخمة في قطر. واعتبارا من العام الماضي فاز قطاع الإنشاء التركي بمناقصات في قطر بلغت قيمتها 14 مليار دولار، وكانت شركات الإنشاء التركية تخطط للحصول على نصيب من مبلغ 170 مليار دولار الذي تخطط قطر لإنفاقه على كأس العام 2020. وكان تقرير لموقع "المونيتور" قد تحدث في يناير الماضي 2017 عن أهمية المال الخليجي للاقتصاد التركي، بالنظر إلى النقص المتكرر في الاستثمارات العربية الكبيرة. واستنتج التقرير أن رأس المال الخليجي "يمثل أقل من 10٪ من الأموال الخارجية التي تستفيد منها تركيا إما من الاستثمار المباشر أو القروض والمحفظة الاستثمارية". وقال التقرير أيضا إنه "منذ عام 2003 بلغ معدل استخدام تركيا السنوي للأموال الخارجية ما متوسطه 40 بليون دولار، وإن أوروبا شريكها الأول بلا خلاف حول ذلك. وفي حين تأتي الولاياتالمتحدة في المرتبة الثانية، فإن حصة المستثمرين الخليجيين تجعلهم شريكا صغيرا في القائمة، حيث إن حصة الخليج لا تتجاوز 10٪. من الناحية الاقتصادية، لا يقل خصوم قطر أهمية بالنسبة إلى تركيا عن أهمية قطر، فعلى سبيل المثال تصل قيمة الاستثمارات القطرية المباشرة في تركيا -بما في ذلك شركات مثل بنك قطر الوطني ( QNB)، و(ABANK)، و(DIGITURK) و(Banvit)، و(BMC)- إلى 1.5 مليار دولار. ومن ناحية أخرى، تبلغ قيمة الاستثمارات السعودية المباشرة نحو 2 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة استثمارات الإمارات العربية المتحدة 4.1 مليار دولار، وهي الأكبر في مجموعة الخليج، وتشكل قرابة 5٪ من الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الخارج التي تبلغ قيمتها 93 مليار دولار. وتتساوى الكويتوقطر في حجم الاستثمار المباشر في تركيا ب1.5 مليار دولار.