مفارقة لن تراها إلا في الدول الديكتاتورية والعسكرية والفاشية، أو ربما ضمنها الكاتب الإنجليزي العبقري "جورج أوريل" في روايته ذائعة الصيت 1984، تلك المفارقة وقعت حقيقة في مصر أم التعذيب والتشويه والانتهاكات، عندما عثر ناشطون بالصدفة أثناء اقتحامهم مقر أمن الدولة في مدينة نصر، بعد ثورة 25 يناير على صور خاصة وأوراق من سيناريو مسلسل "الجماعة" الذي عُرض الجزء الأول منه في آخر رمضان شهده المخلوع مبارك، وتعرض لقصة حياة الإمام الشهيد "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وتم تكليف المؤلف والسيناريست "وحيد حامد" بكتابته وتشويه الجماعة بأمر العسكر. بعد نجاح ثورة 25 يناير طالب غالبية النشطاء السياسيين بحل من جهاز أمن الدولة، ومحاكمة كل من تورط في تعذيب وقتل رجال وشباب مصر، واعتبر ناشطون على موقع “فيس بوك”، العثور على أوراق المسلسل ضمن مستندات أمن الدولة دليلاً على ما سمَّوه التشويه المتعمد لجماعة الإخوان المسلمين في الإعلام الحكومي أثناء فترة حكم حسني مبارك، وهي التهمة التي واجهها مؤلف المسلسل وحيد حامد طوال شهر رمضان الماضي عند عرضه. دليل بالصدفة! العثور على أوراق مسلسل "الجماعة" جاء مع اقتحام الآلاف من المتظاهرين مبنى جهاز أمن الدولة بمدينة نصر في محاولة منهم للحصول على ملفات ومستندات تدين الجهاز حتى لا يتم حرقها بواسطة ضباط أمن الدولة يتقدمهم شباب حركة 6 إبريل، وشباب جماعة الإخوان المسلمين. في مارس 2011 بدأ حصار مقر جهاز مباحث أمن الدولة بمدينة نصر في الساعة الرابعة عصرا بدعوة نظمها جروب على "فيس بوك"، ومع دقات السابعة مساء بدأت عملية الاجتياح، لواحد من أكبر مقار جهاز أمن الدولة على مستوى الجمهورية. وقام الشباب في البداية، بإجراء عمليات البحث عن محتجزين داخل المقر، إلا أنهم لم يجدوا أيا من المحتجزين بداخل المقر، وخرج بعد فترة اللواء أركان حرب حسن الروينى قائد المنطقة المركزية الذى أكد للمتظاهرين أن المبنى تم إخلاؤه تماما من جميع المتواجدين فيه، مشيراً إلى أنه لا يوجد حالياً بداخل المبنى سوى عدد من رجال الجيش، وطالبهم بفض المظاهرة، وقد تعدى المقتحمون على ضابط شرطة تصادف وجودة أمام مبنى أمن الدولة. بدأت الوقفة أمام المبنى بقرابة 300 متظاهر حتى وصلوا إلى أكثر من 5 آلاف شخص حتى استطاعوا اقتحام المبنى، مطالبين بحل جهاز أمن الدولة. وقال أعضاء من ائتلاف شباب الثورة إن الائتلاف ليس صاحب الدعوة إنما يؤيدها ويساندها بقوة. وطالب المتظاهرون رجال الجيش بضرورة الدخول بأنفسهم إلى مقر المبنى للتأكد من إخلائه بالفعل، وهو ما رفضه الجيش بالطبع، وعمل على تهدئة المتظاهرين، كما طالبوا بضرورة منع المسئولين بالجهاز من حرق أى أوراق رسمية لتضليل الجهات المعنية. وفرضت قوات الجيش سيطرتها بالكامل على المبنى، وحاصرته بأعداد كبيرة من أفراد القوات المسلحة، والمدرعات والدبابات، في حين نجح المتظاهرون في اقتحامه حاملين لافتات تندد بالتعذيب وأخرى تطالب بإجلاء أمن الدولة. وقاموا بالبحث عن أوراق رسمية ومستندات هامة، تابعة للجهاز قبل أن يتصرف المسئولون فيها سواء بالحرق أو بإلقائها في القمامة على حسب زعمهم. واستولى المتظاهرون أيضا على سيارة نظافة تابعة للمحافظة ووجدوا بداخلها أوراق ومستندات رسمية ممزقة تماما ومبعثرة متهمين المسئولين بتقطيعها لإخفاء معالمها وإبعادها عن أعين الجميع، وهتف المتظاهرون عقب خروجهم من مقر أمن الدولة حاملين كرتونات عصائر يقومون بتوزيعها على المتظاهرين "اشرب عصير أمن الدولة مجانا ولأول مرة". العثور على المسلسل انتابت الدهشة المراقبين بعد العثور على اوراق المسلسل في مقر امن الدولة، وانهالت الاعتراضات والانتقادات على المؤلف وحيد حامد "الأمنجي"، حيث جاء المسلسل إرضاء للعسكر وتم شحنه بمغالطات تاريخية ومحاولات لتشويه الجماعة. العرض الأول لمسلسل الجماعة كان قبيل انتخابات 2010، فكأنما توقيت المسلسل محاربة الإخوان المسلمين سياسيا، ومن خلال المشاهدة يتبين الكثير من الأخطاء التاريخية التي تعمدها وحيد حامد وتطعن في مصداقية الأحداث. وتكلف إنتاج الجزء الأول 35 مليون جنيه مصري أيام المخلوع مبارك، وتم عرضه يوميا في التلفزيون الرسمي خلال شهر رمضان، وفي توقيت ترتفع فيه نسب المشاهدة التلفزيونية عقب الإفطار مباشرة، وعلق الناقد السينمائي طارق الشناوي بالقول أن "الحكومة لا يمكن أن تنشر مسلسلا بهذا الشكل إلا إذا كانت سعيدة وحريصة عليه" وأضاف أن "الحكومة تكون حذرة للغاية عندما يتعلق الأمر بالإخوان". تمجيد انقلاب السيسي وفى السياق ذاته علق الناشط أحمد رامي، المتحدث السابق باسم حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين على مسلسل "الجماعة 2" قائلا: "ليتذكر الجميع أن الجزء الأول حدث فيه اختلاف فى حلقاته الأخيرة عن سيناريو الحلقات الأخيرة، وأن المسلسل على ما كان فيه من نيل من الإخوان إلا أنه أفادهم في حينه". يشار إلى أن الجزء الثاني من مسلسل الجماعة، يرصد تاريخ جماعة الإخوان في فترات ما بعد انقلاب 1952، ويرى نقاد وسياسيون أنه سيتضمن تمجيد انقلاب السفيه عبدالفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي في 30 يونيو 2013. جدير بالذكر أنه في عام 1913 تم إنشاء جهاز للأمن السياسي وظيفته الأساسية تتبع الوطنين والقضاء على مقاومتهم للاحتلال الإنجليزي، وسمي وقتها ب"قسم المخصوص"، واستعان الانجليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولى ادارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان مقرباً من المحتل. وعلى الرغم من التغيرات بعد انقلاب 23 يوليو 1952، إلا أنه، وهو الأمر المذهل، ظل كثيراً من آليات عمل القلم المخصوص مستمرة، واعتنقها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الانقلاب في أغسطس 1952 تحت اسم "المباحث العامة"، ثم أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته "بمباحث أمن الدولة"، ثم تغيرت لافتته إلى "قطاع مباحث أمن الدولة"، وأخيراً سمى "جهاز الأمن الوطني".