د.محمد البلتاجي، فارس قلما يجُود الزمان بمثله، مغوار لا يخشى فى الله لومة لائم، حتى فى أصعب المواقف تجده، حتى بات أيقونة ثورة 25 يناير 2011 الباسلة. "اثبت وخليك بلتاجي".. هكذا يتواصى الشباب فيما بينهم وقت الأزمات، في إشارة إلى ثبات البلتاجي على المبدأ ورجولته وصموده في المواقف الصعبة، فماذا تعرف عنه؟ هو الدكتور محمد البلتاجي، أحد رموز ثورة الخامس والعشرين من يناير، والقائد الميداني الأول للثورة في كل مراحلها، وعضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة.. وهو طبيب ناجح وسياسي كبير وقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، اعتقل بعد انقلاب السيسي 2013، وصدرت في حقه قرابة ستة أحكام بينها الإعدام والمؤبد، ووصلت الأحكام بالسجن في حقه لأكثر من 100 عام. وصف موقفه يوم موقعة الجمل بأنه بطولة كبيرة وعلامة فارقة في تاريخ ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويضرب به المثل في الرجولة والشجاعة والثبات على المبدأ. نشأته وتعليمه ولد الدكتور محمد البلتاجي عام 1963 في مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة. وحصل علي بكالوريوس من كلية الطب بجامعة الأزهر عام 1988، ثم نال الماجستير عام 1993 وحصل على درجة الدكتوراه عام 2001. بعد أدائه الخدمة العسكرية لمدة عام واحد، عمل عام 1988 طبيبا بمستشفى الحسين الجامعي، وعمل طبيبا مقيما بقسم الأنف والأذن والحنجرة بين 1990 و1993. كما عمل مدرسا مساعدا بالقسم نفسه من أول عام 1998، وتم تعيينه مدرسا بالقسم في كلية طب الأزهر عام 2001. نشاطه السياسي والاجتماعي لم يغره كرسي البرلمان ولا أستاذية الطب ولا أضواء السياسة والإعلام فكان مثالا للنجاح والتفاني في العمل وغدا رمزا للعزيمة والتضحية والإنسانية والبطولة.. بدأت مسيرته السياسية من المرحلة الطلابية بعدما تعرف على جماعة الإخوان في المرحلة الثانوية، فمثل اتحاد طلاب معهد الإسكندرية الديني الثانوي، وشارك في المظاهرات التي عارضت اتفاقية كامب ديفيد 1978، وترأس اتحاد كلية طب الأزهر، واتحاد طلاب جامعة الأزهر لثلاثة سنوات (1985-1987). وتعرض البلتاجي بسبب نشاطه الطلابي، لقرارات بالفصل من الدراسة والعزل عن رئاسة اتحاد الطلاب، لكن احتجاجات الطلبة كثيرا ما أسقطت قرارات إدارة الجامعة في حقه. واهتم كطبيب بالعمل الخيري والاجتماعي، بتنظيم قوافل طبية في مدينة شبرا الخيمة وفي باقي مناطق مصر من خلال الجمعية الطبية الإسلامية. وانتقل من العمل الدعوي والاجتماعي إلى العمل السياسي بترشحه باسم جماعة الإخوان المسلمين لعضوية مجلس الشعب عام 2005 وفوزه بمقعد دائرة قسم أول شبرا الخيمة. كان للبلتاجي حضور مميز في البرلمان وعرف بطرح قضايا الفئات الضعيفة في المجتمع وحقوقها، وقضايا الإصلاح السياسي والحريات وحقوق الإنسان واستقلال القضاء، ورفض حبس الصحفيين في قضايا النشر، وقضايا التعليم وغيرها. و في يناير 2007، ساهم البلتاجي في تأسيس المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين، وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذية للمؤتمر القومي الإسلامي عام 2008. ثورة 25 يناير ما أن تذكر ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى يذكر الدكتور محمد البلتاجي، الذي تبنى هذه الثورة وعمل على إنجاحها وإنقاذها في كل مراحلها، وحاول في الميدان والبرلمان الجمع بين مكوناتها وتقريب وجهات النظر بينهم، ومحاربة أعداء الثورة بكل قوة ووضوح. ولا يختلف اثنان من الثوار حاليا على أن الدكتور محمد البلتاجي واحد ممن يدفعون ثمن ثورة يناير، سواء بالتعذيب أو الاعتقال أو بتشويه صورته بالكذب والتضليل، ففي صباح 25 يناير 2011، شاهده الجميع نواب الإخوان المسلمين تحاصرهم أرتال الأمن المركزي، يهتفون ضد من دعاهم لأن "يتسلوا" ويدعون لحياة ديمقراطية سليمة. وبعدها بأسبوع، رأى ثوار يناير الحشود الهادرة القادمة زحفا من شبرا في 2 فبراير 2011، شهد بها القاضي والداني، واجه بها اللواء "عبد الفتاح" الذي سعى في الميدان إلى مكان لفلول مرتضى ومحمد أبو العينين وفتحي سرور ورجب حميدة، في موقعة البغال والجمال، حسب الحوار الشهير للبلتاجي مع منى الشاذلي. وفي ذلك الوقت، تداول ثوار يناير هذه التغريدة "عاجل: خمسة اّلاف من شباب شبرا بصحبة النائب السابق محمد البلتاجي يتجهون الى ميدان التحرير لحماية ونجدة الشباب المصرى المعارض لحكم مبارك"، في الوقت الذي رأى آخرون أن حشود قادها محمد البلتاجي قاربت 10 آلاف مصري، كان لها دور كبير في حماية الثوار في ميدان التحرير وإنقاذ ثورة يناير قبل أن تموت في مهدها. ومع الركعة الأخيرة من صلاة مغرب يوم 11 فبراير، يسارع البلتاجي للثوار "ألا تغادروا الميدان"، وكان يرى أنه لا أمل فى التغيير إلا بعد رحيل مبارك ونظامه بشكل كامل، وقال يومها: "لا أمل ولا تغيير إلا فى وجود مؤسسات منتخبة، برلمان منتخب، صياغة دستور جديد للبلاد، رئيس منتخب، وقتها تستريح ضمائرنا بأن ثورتنا نجحت". وانتخب البلتاجي أمينا لحزب الحرية والعدالة بالقاهرة ثم بعد ذلك أصبح عضو المكتب التنفيذي للحزب أكبر الأحزاب المصرية بعد الثورة والذي أصبح منه رئيس الجمهورية المنتخب. بعد الانقلاب وكما كان سياسيا ناجحا وثائرا شجاعا في وقت الحرية، لم تفت في عضده البدلةُ الحمراء في سجن العقرب، فكان مثالا للصمود والثبات على المبدأ رغم تعمد إهانته وكثرة تعذيبه وحبسه في زنزانة انفرادية بدورة مياه ومنع دخول الطعام والدواء والزيارات إليه. فبعد الانقلاب العسكري، تعرض البلتاجي لمحنة كبيرة، حيث اعتقلته قوات الانقلاب في 29 أغسطس 2013، بعد أيام من استشهاد ابنته أسماء (17عاما) برصاصة في الصدر خلال جريمة فض اعتصام رابعة. كما اعتقل ابنه أنس الطالب في كلية التربية بجامعة عين شمس. واعتقل ابنه خالد الطالب بالصف الثالث الثانوي، لكن أفرج عنه في يناير 2015، فيما تعرض ابنه حسام الطالب بالصف الثالث الإعدادي لمضايقات وملاحقات أمنية باستمرار، واضطر ابنه عمار -الذي اعتقل بعد فض اعتصام رابعة- لمغادرة البلاد في اتجاه تركيا بعد الإفراج عنه لما وجد نفسه أمام أربعة بلاغات ضده لدى النائب العام. كما حكم على زوجته بستة أشهر سجنا غيابيا بتهمة الاعتداء على حراس سجن طرة -العام الماضي- أثناء زيارتها للبلتاجي في السجن. كما قرر مجلس جامعة الأزهر في مايو 2015 إنهاء خدمة محمد البلتاجي، كأستاذ مساعد بكلية الطب للبنين بالقاهرة. ورغم كل ذلك لم تلن له قناة ولم تنثني منه عزيمة، وما أن تتاح له فرصة الكلام خرج يزأر كالأسود و يجهر بالحق كعادته..
تعذيبه في السجن لطالما أعربت أسرة البلتاجي أعربت عن تخوفها مؤخرا عليه بعد تكرار محاولة قتله بأكثر من طريقة، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء القارص، حيث لا تسمح إدارة السجن بدخول أدوية أو ملابس شتوية في الشتاء أو أغطية بل تسحب منهم البطانية الوحيدة التي يفترش بها الأرض. وقالت أسرة البلتاجي إنه يتعرض ل"مضايقات وانتهاكات" بمحبسه في سجن العقرب، وأضافت أنه "حُبس في زنزانة انفرادية عبارة عن دورة مياه لمدة شهرين، إلى جانب حبسه في عنبر التأديب في سجن ليمان طره، وبعد ذلك تم نقله إلى سجن العقرب في 21 ديسمبر 2013 ليحبس في عنبر انفرادي في زنزانة مصمتة دون نوافذ لا يدخلها هواء وليس بها كهرباء. ورصدت أسرة البلتاجي الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية بحقه من بينها: اقتحام زنزانته ليلاً بصحبة كلاب بوليسية، من قبل قيادات أمنية بارزة، وتعطيل الكهرباء عن الزنزانة، وإصابته جسدياً بسبب نشوب حريق مقصود في زنزانته الانفرادية ليلاً، في وقت سابق. كما أشارت الأسرة إلى أن البلتاجي ممنوع عنه "دخول الأطعمة والشراب والأدوية من الخارج، حيث تغلق الزيارات لعدة أشهر". خصوم البلتاجي وأعداء الثورة ربما يعرفون قيمته أكثر من محبيه وأنصاره، فضيقوا الخناق على الرجل في سجن العقرب وقتلوا ابنته الوحيدة أسماء، وسجنوا أولاده وطاردوا زوجته، وشوهوا صورته بكل أنواع الشائعات وفنون الكذب والتضليل.. إلا أن هذه الأكاذيب لم تغير من حقيقة الرجل الذي قال بعضهم عنه أن من لم يعرف البلتاجي فقد فاته خير كثير.