دمر الانقلاب كل شيء في مصر، حتى وجبات الفقراء التي يعتمد عليها المصريون في حياتهم، والتي تعد إحدى أهم الوجبات الرئيسية لعدد كبير من الأسر الفقيرة؛ لاعتبارها وجبات مصرية وشعبية في المقام الأول، ولقلة تكلفتها المادية، ولاعتقادهم بأنها من أكثر الوجبات التي تمد الجسم بفوائد كثيرة. "الكشري" أدرينالين الفقراء الذي يسري في عروقهم وينسيهم ولو لمدة دقائق كوارث الانقلاب الاقتصادية، يحتوي على البروتينات نتيجة لكثرة المكونات التي تحتويها الوجبة ومنها “الأرز، المكرونة، العدس، البصل، الحمص، الطماطم، الثوم، وغيرها الكثير من العناصر الغذائية المفيدة، التي تعطي المصري طاقة كبيرة في مواجهة جحيم الانقلاب العسكري. وانعكست الطفرات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية على أهم سلعتين للمصريين، سواء من محدودي أو متوسطي الدخل، ألا وهما الفول والعدس، المكونان الرئيسيان لأشهر وجبات المصريين صباحا ومساء. السيسي دمر طبق الكشري ومقارنة بأسعار 2013، فقد تضاعفت أسعار الفول والعدس منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي، والذي يدخل في صناعة طبق الكشري، سواء كمواد خام أو أطباق طعام في المحال، ما جعل مثل هذه الأطباق الشعبية التي كانت معروفة بانخفاض تكلفتها؛ بعيدة عن متناول شريحة كبيرة من المصريين. تقول أسماء محمد، إحدى العاملات بأحد المحال التجارية بمنطقة السيدة زينب: الكشري وجبة مصرية قديمة، وتعد من أكثر الوجبات التي لها تأثير في المجتمع؛ نتيجة للاعتماد عليها كوجبة رئيسية لقلة ثمنها وللفوائد الموجودة في مكوناتها، والعناصر التي تحتوي عليها الأكلة. مشيرة إلى أن الإقبال على أكل الكشري يكون في أعلى مستوياته أثناء المواسم والأعياد وأوقات الامتحانات، وهناك فئة دائمًا تعتمد على الكشري كغذاء، منها الأسر الفقيرة التي لا تمتلك النقود لشراء البروتين الحيواني، ولذلك تكون تكلفته أقل بكثير من تكلفة البروتين الحيواني؛ نتيجة لارتفاع أسعار “اللحوم، الدواجن، والأسماك”، التي أصبحت أحد أحلام الشعب في ظل الانقلاب. صراخ الجوع وعلى الرغم من أن الكشري يعد من الأكلات الرخيصة التي يلجأ إليها المصريون، إلا أنه لم يسلم من موجة ارتفاع الأسعار التي ينتهجها الانقلاب، التي أصابت جميع الأكلات والمنتجات، وهذا ما أثار غضب الكثيرين؛ بسبب اعتبار وجبة الكشري من الوجبات الرخيصة والدسمة لدى غالبية المصريين. ويرى عدد من أصحاب المحال أن الارتفاع المستمر في أسعار الكشري راجع إلى ارتفاع الخامات الأساسية التي تدخل في إعداده، مضيفين أن هذا الأمر يؤثر على التجار ومن ثم يضطرون لرفع الأسعار. صاحب أشهر محال الكشري بوسط البلد قال: إن أسعار الخامات المستخدمة في تحضير وجبة الكشري من "عدس وأرز وحمص وبصل" زادت بشكل كبير في عهد السيسي، مشيرا إلى أن ارتفاع الأسعار لا يتوقف عند حد معين، ولكنه في ازدياد مستمر كل يوم. "رجاء" ضد الانقلاب «كشرى بيتى» تطهيه وتبيعه للعمال والبسطاء ممن لا يملكون وجبة غداء فى المحال والمطاعم المختلفة، كشرى «رجاء عيد»، عبارة عن مكرونة وشعرية وطماطم فقط دون أى إضافات أخرى: «العدس والرز غاليين، والناس بيحبوه كده عشان بيفكرهم بالكشرى البيتى». تبيع «رجاء» كيس الكشرى بأسعار مختلفة: «نص جنيه وجنيه وأحيانا 2 جنيه، حسب الكمية، أصلا الكشرى ده مش بيكلف كتير وأنا عاملاه مخصوص للناس الغلابة اللى زى حالاتى، وربنا بيحليه عشان خاطر الناس دى». ارتفاع الأسعار في عهد الانقلاب العسكري أثر على حياة وعمل «رجاء»، فبحسب قولها للزبائن، الطماطم سعرها زاد، والأرز كان من ضمن مكونات طبقها لكنها منعته بعد ارتفاع سعره ووصول سعر الشكارة إلى 110 جنيهات، وشكارة المكرونة كانت ب27 جنيها أصبحت ب33، وأنبوبة البوتوجاز وصلت إلى 35 جنيها: «ده يرضى ربنا؟ ومع ذلك أنا ماغلتش والله، اللى معاه نص جنيه بياخد كشرى، الناس غلابة ومحدش يعلم بظروفها إلا ربنا». تذهب «رجاء» إلى معظم الأسواق من أجل تسويق أكلها والعودة إلى زوجها وأولادها الثلاثة بما يكفيهم: «بروح أكمل شغل فى البيت، بتعب، لكن هعمل إيه، ده أنا محتاجة أعمل عملية فى عنيه، بس الظروف مش سامحة». وقت رحيلها من السوق بعد انتهاء العمل هو الأصعب، تحمل الأنبوبة والحلل وكافة أدواتها على رأسها، وتستقل «توك توك» إلى منزلها، وكل أملها أن تجد صغارها فى انتظارها قبل أن يغلبهم النوم دون عشاء في زمن القهر والجوع والانقلاب.