أبدى الكاتب الصحفي فهمي هويدي سخريته من حديث المؤامرات الذي يتمطقه نظام الانقلاب في كل كارثة تحل على البلاد بسبب الفشل في إدارة الدولة، متسائلاً: "هل هناك مؤامرة وراء هجوم السيول التي أغرقت وخربت ست محافظات في مصر، في توقيت متزامن مع ختام مؤتمر الشباب فى شرم الشيخ؟ لا أستبعد أن يكون البعض قد طرح السؤال، بعدما درجنا على إرجاع العديد من النوازل التي حلت بنا إلى مؤامرات "أهل الشر" الذين يتربصون بمصر ولا يرجون لها خيرًا". وقال هويدي خلال مقاله بصحيفة "الشروق" مساء أمس الثلاثاء: "لا تستغرب، فقد حدث ذلك حين أغرقت الأمطار مدينة الإسكندرية، وقيل إنهم (أهل الشر) سدوا البلاعات، وحين شح الدولار وانفلت عياره، وحين اختفت أسطوانات البوتاجاز، وحين تكرر انقطاع التيار الكهربائى وتم تسريب أسئلة الامتحانات. وأخيرًا حين شاعت البلبلة في البلد وخيم عليها "التشاؤم".
وأضاف أن الأبواق في كل حادثة كانت تسارع إلى رفع العتب والإشارة إلى مخططات أهل الشر، وكانت خيوط المؤامرة تسرب إلى وسائل الإعلام ووراءها أجهزة التوجيه المعنوي وتحريات الأمن الجاهزة، التي لم تقصر في التعبئة والشحن لتصفية الحسابات والتساوق مع الريح السياسية.
وأوضح هويدي أن مشكلة السيول رغم توفر بعض شواهد التآمر فيها، إلا أنه ثمة صعوبة جمّة في التوظيف السياسى لها. ذلك أن إغراق ست محافظات وترويع سكانها شهادة على أن مصر "مستهدفة"، كما يثير الانتباه ويرفع من وتيرة الشك أن يتزامن انطلاق السيول في أجواء السخط العام الذي يعم البلد بسبب الغلاء الفاحش ومع ختام مؤتمر الشباب الذي نظمه السيسي، من ثم فإن حبك التهمة لن يستعصى على جهات الاختصاص، لكن المشكلة الكبرى تكمن فى الجهة أو الجهات التي يمكن أن ينسب إليها التآمر ويتم بناء على ذلك إلقاء القبض على "الخلية" التي افتعلت الأزمة.
وتابع: "لا أستبعد أن يستشهد أحد خبراء مكتب نسج المؤامرات بفكرة "مجلس إدارة العالم" التي أطلقها أحد الخبراء من زملائه فى العام الماضى، وأعلن على شاشة التليفزيون أن المجلس المذكور بمقدوره أن يطلق الأعاصير ويفجر البراكين ويحرك الزلازل. ذلك أن من يدبر كل ذلك سيكون بوسعه أن يسلط السيول الجارفة نحو أي هدف يراد إغراقه وتخريبه. وهى فكرة لا تخلو من جاذبية، رغم أنها لم تؤخذ على محمل الجد حينذاك وصارت مثيرة للتندر والسخرية. إلا أن التوظيف السياسي لها قد يحدث مفعولا عكسيا، لأن الحديث عن "أخونة" مجلس إدارة العالم يجهض الفكرة ويحولها من خرافة إلى كذبة أو نكتة كبرى".
وقال إنه إزاء انسداد أبواب الافتعال والتلفيق، لم يكن هناك مفر من الكف عن دفن الرءوس فى الرمال والاعتراف بأن الكارثة منتج محلى صرف، وأنه إذا كانت هناك مؤامرة، فإن أيدينا هى التى نسجتها من خلال الإهمال الجسيم وسوء التدبير. ذلك أن السيول لها موعد سنوى، ولها طرق تسلكها، ولم يتحسب أحد للموعد (رغم أن مصلحة الأرصاد نبهت إليه قبل شهر من الكارثة) ولا عولجت أو روعيت الطرق بما يحول دون تحول السيول إلى كارثة سنوية.
وأكد أن المشكلة الوحيدة تتمثل في أن أحدًا لا يحاسب على الإهمال والاستهتار. لأن كل الجهد منصرف إلى الأمن السياسى. أما الأمن الاجتماعي فهو في مرتبة تالية، رغم أن إغراق ست محافظات بالسيول ومقتل 25 شخصًا وإصابة 70 آخرين عمل إرهابى بامتياز. ومشكلة هؤلاء أنهم من الغلابة أبناء البطة السوداء.