لم تكد نقابة "الصحفيين" تكلف اﻹدارة القانونية بمتابعة أزمة صحفي موقع "دوت مصر" المدعوم والممول من الإمارات قبل بيعه لرجال أعمال مصريين، حتى اندلعت أزمة موقع "البوابة نيوز" الذي يديره الصحفي الشهير بالمخبر "عبدالرحيم علي"، وكلا الموقعين كانا ضمن أصابع الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي. وقفة صحفيي "دوت مصر" المقرر لها اليوم الخميس بمقر نقابة الصحفيين، ربما تحرك المياه الراكدة وتطرح أسئلة خجولة يتحاشى الصحفيون المرور عليها ولو مرور الكرام، لماذا يهدم الانقلاب المؤسسات الصحفية التي ساندته ووقفت بجانبه؟ ولما يتم تسريح الصحفيين الذين لا حول لهم ولا قوة؟ وهل جريمتهم أنهم طبقوا شعار الفنان المرحوم عادل أدهم "ادبح يا زكي قدرة.. شيل يا زكي قدرة"؟! وهل سيواصل الصحفيون المفصلون الاعتراض على إجراءات تسريحهم، أم يبحثون عن "سبوبة" هنا وهناك على ما تفرج بينما تستمر اﻷزمة بلا أي أفق للحل؟ يد الظالم! في غضون ذلك أكد صحفيو "دوت مصر"، تمسكهم بحقهم القانوني بسداد جميع مستحقاتهم المالية، التي نص عليها قانون العمل؛ بعد قرار الفصل التعسفي ل85 صحفيًا، دون إبداء أسباب، عقب أسبوعين من بيعه لرجل الأعمال أبوهشيمة. وأضاف الصحفيون، أنهم لن يلتفتوا إلى أي محاولات استفزازية، أو أي محاولة لشق صفوفهم، وأهابوا بسلطات الانقلاب تطبيق القانون حيال الأزمة، مع ترحيبهم بأي حل تفاوضي، مؤكدين أنهم لن يتم استدراجهم إلى صدام يشغلهم عن هدفهم الأساسي والوحيد. وقال صحفيو "دوت مصر" المغلبون على أمرهم في بيان لهم: "يقولون إن في هذا البلد من يفتح الأبواب المغلقة، ويغلق أبوابهم أمام الخماسين.. يقولون إن القانون له ثغرات، وإن ميزان العدالة تحمله حرباء عيناها مفتوحتان ترى الظالم والمظلوم وتزن مقادير القوة قبل أن تنطق بالحكم.. يقولون إن من ينفذ القانون له أذن تسمع هاتف السيد المسئول، وعين تخاف من نظرة حمراء". وتابع الصحفيون بيانهم بالقول: "ولا نزال نقول إن أبواب هذا البلد المغلقة عصية على الفتح ولو تهالكت أقفالها، وإن الرياح بيد خالقها وتأتي بما لا تشتهي يد الظالم، وإن القانون له قضاء يحميه، وكثيرًا ما أنصف المستضعفين.. وإننا ما زلنا نرى عين العدالة عمياء، وإن اليد التي تنفذ القانون ما زالت قوية وطالما رأيناها تضرب على أيدي الظالمين.. وكم مر على مصر من ادعى أنه مطلق اليد فيها، وفي النهاية نفذت فيه كلمة الحق". وأضاف "يغرون البعض بما يسمونه ذهبا، ويرهبون البعض بما يزعمونه سيفا.. ونقول: إن كرامتنا أغلى من الذهب، وعزيمتنا "الحق" تهزم أي سيف". مؤسسة المخبر أما في المؤسسة التي يديرها ويشرف عليها "المخبر" عبدالرحيم علي، فقد تشابه الهم بينهم وبين صحفيي دوت مصر، فقد قامت "البوابة نيوز" بتسريح أكثر من 120 صحفيًّا الأربعاء 27 يوليو، بعد أن تم إبلاغهم بشكل مفاجئ، مع تحذير لهم بعدم الحضور إلى المؤسسة؛ حيث سيتم تعامل أفراد أمن المؤسسة معهم، وفقًا لما ذكره عدد منهم. وذكرت مصادر من إدارة المؤسسة، أن هناك مخططاً لفصل عددٍ آخر من الصحفيين مع نهاية الشهر المقبل، في ظل رغبة الإدارة بطرد الصحفيين من المؤسسة التي يزيد عدد العاملين فيها عن 400 شخص، وذلك ضمن خطة حكومة الانقلاب الاستغناء عن كتيبة الصحفيين التي وقفت بجانب السيسي، باعتبارهم أصبحوا ثقل مالي غير مرغوب فيه. وقام عدد من الصحفيين المفصولين بكتابة تفاصيل ما حدث على صفحاتهم الشخصية ب"فيس بوك"، ومنهم الصحفية ريهام المصري، التي أكدت أن عدد المفصولين يفوق ال 100 صحفي، وأن "المخبر" يتلاعب بنقيب الصحفيين عندما أبلغه أن من تم الاستغناء عنهم يعملون بمؤسسات صحفية أخرى، وهو غير صحيح، وأن الفصل جاء دون سابق إنذار ودون إبداء أسباب واضحة". الحرب انتهت! ويرى خبراء ومراقبون أن المؤسسات التي كانت تديرها الشئون المعنوية في القوات المسلحة أو المخابرات، أو حتى تلك التي كانت تمولها الإمارات، باتت عبئا بعد انتهاء الحرب على ثورة 25 يناير، وبعد المجازر التي طالت مؤيدي الشرعية، وباتت الشرطة والقضاء يتكفلون بالإجهاز على ما تبقى من رائحة ثورة 25 يناير. وبات الصحفيون يتجرعون مرارة الوقوف بجانب الانقلاب، وبعضهم لم يكن له في الأمر ناقة ولا جمل إلا أن حظه العاثر أنه يعمل في مؤسسة تمول بدولارات الانقلاب، وربما لا تكفي مئات التقارير لوصف مصير وجزاء مؤسسات صحفية عاونت العسكر على مر العصور، منذ زمن التهليل لانقلاب يوليو 52 وتأليه قواده، وتضليل الشعب بأن الجيش على مشارف تل أبيب في نكسة يونيو، قبل أن تسخر صفحاتها لتقديس خطوات السادات وخلفه مبارك وسليل العسكر السيسي، لتضرب تلك المؤسسات أروع الأمثلة في بيع شرف المهنة رخيصا واحتراف الكذب وصناعة الفراعين. ويرى المراقبون أن 30 يونيو 2013 فضحت التزوير وتزييف التاريخ وتشويه الواقع وتغييب العقول، ومنح مؤسسات صحفية ومواقع إخبارية بجدارة لقب "خدام الانقلاب" ولسان الفراعين وصانعة الآلهة، حتى انتهى دور البعض منها مع قائد الانقلاب، وتوقفت رغبت العسكر في خدمات التلميع والتنظيف والتمجيد والتأليه، وبات لسان حال هؤلاء وهم يقفون على سلالم النقابة في مواجهة قطعان شرطة الانقلاب «إيش تعمل الماشطة في الوش العكر»! ويرى المراقبون أن الصحفي هو أي ممارس لمهنة الصحافة وليس أعضاء النقابة فقط، ويتساءل المراقبون بعد ازمة "دوت مصر" و "البوابة نيوز" عما كانت النقابة تفعله طوال سنين عمل بها الصحفيون دون عقود عمل موثقة وبلا تأمينات ومعاشات، وهي الشروط المطلوبة كي يسمح للصحفي بالتقدم لطلب عضوية النقابة. ويرى المراقبون أن النقابة تجاهلت متابعة عمل الصحفيين في الصحف الخاصة، كما تجاهلت الدفاع عن حقوقهم طوال سنين، وهو ما يجعلها غير قادرة على الدفاع عن حقوقهم اﻵن، ويبدو أن اﻷزمة لن تتوقف عند موقع "البوابة نيوز" وأنها بداية الخيط الذي سيسحب باقي صحف القطاع الخاص، لهذا ينبغي أن يكون لصحفيي "دوت مصر" و"البوابة نيوز" رؤية موحدة في كيفية التعامل مع اﻷزمة؛ ﻷنه سيصبح نموذجًا قد تحتاجه باقي الصحف قريبًا، ولا بديل عن تغيير قانون النقابة من أجل السماح باستيعاب الصحفيين، وتغيير متطلبات عضوياتهم لتوفير حماية حقيقية لهم في مواجهة ما يبدو أنها موجة من اﻷزمات المقبلة الغرض منها تأميم الصحافة.