في زمن الانقلاب هناك أعاجيب وألغاز باتت لا تحدث إلا فى مصر فقط، مثلاً، هى أول دولة فى التاريخ علّمت البشرية الزراعة المتقدمة فى عصر الفراعنة، وكانت «الحنطة» ترسم على جدران الفراعنة، ومنذ أكثر من نصف قرن أصبحت بلادنا هى أكبر مستورد فى العالم للقمح. - مصر، مثلاً، كانت مخازنها، وقت الفراعنة، الأكثر ازدحاماً بالخضراوات والفاكهة والبقول، واليوم تعانى أسواقها من عدم توافر هذه المواد لشعب مصر الصبور.
- مصر، مثلاً، كما قال سيد درويش متغنياً بالنيل العظيم: «عطشان يا صبايا، عطشان يا مصريين، عطشان والنيل فى بلادنا جارى على الصفّين».
مصر، مثلاً، فيها سواحل ممتدة على البحر الأحمر والبحر الأبيض، والنيل العظيم، وبحيرات فرعية، ورغم ذلك تعانى من نقص حاد فى الثروة السمكية.
- فى بلادنا النيل العظيم، وخزان المياه الجوفية الأعظم، ورغم ذلك هناك أكثر من 3500 قرية مصرية بلا مياه نظيفة، والمصيبة الكبرى أنه منذ مطلع شهر مايو الجاري، انتشرت أخبار جفاف الأراضي الزراعية في الدلتا وصعيد مصر، بسبب قلة المياه، ما أدى لبوارها، الأمر الذي أثار تساؤلات حول أسباب هذا الجفاف المُفاجئ، وعما إذا كان له علاقة بسد النهضة الإثيوبي؟
في 20 مايو الجاري، أفادت تقارير صحافية، تعرُّض أكثر من 10 آلاف فدان من الأراضي الزراعية في محافظة الدقهلية شمالي مصر للبوار، بسبب عدم وصول مياه الري لها منذ أكثر من 20 يومًا، ما تسبب في تلف شتلات الأرز.
وشكا أهالي ما لا يقل عن 17 قرية في محافظة الدقهلية من نقص المياه، مُشيرين إلى أنّ مديرية الري وفرت لهم مياهًا مالحة غير صالحة للري، ما تسبب في بوار الأرض، وقتل المزروعات الموجودة بها.
«الحكومة خربت بيوتنا، بعد ما زرعنا شتلات الأرز، وصرفنا على التقاوي، فوجئنا بعدم وصول المياه للأرض، وموت الشتلات»، يتحدث مصطفى عبدالغني، أحد مزارعي قرية 55 بالدقهلية، وهو حديث لم يختلف كثيرًا عما رواه غيره من المزارعين.
وفي محافظة كفر الشيخ، لا يبدو الوضع مُختلفًا كثيرًا، ففي 21 مايو الجاري، نظم عدد من مزارعي قرية «صندلا»، وقفة احتجاجية أمام ديوان عام المحافظة، اعتراضًا على نقص مياه الري، ما أدى إلى بوار أربعة آلاف فدان في القرية.
في الشرقية تكرر الأمر، حين نظم عشرات من مزارعي قرية قصاصين الأزهار، في 14 من الشهر الجاري، وقفة احتجاجية عطلوا فيها حركة المرور عند مدخل قريتهم، مُطالبين مسؤولي الانقلاب بالتدخل لحل الأزمة التي تطال مصدر دخلهم الوحيد تقريبًا.
جفاف مصر!
في السياق نفسه، أفادت تقارير صحافية بجفاف ترعة الموالية، التي تروي نحو 100 قرية في محافظة الشرقية، بالإضافة إلى جفاف «بحر الإحصان»، ما يهدد ببوار 30 ألف فدانٍ زراعي.
على أثر ذلك، لجأ مزارعون إلى ري أراضيهم بمياه الصرف الصحي، فيما توقع البعض أن يُؤدي ذلك إلى تقليص الإنتاج العام السنوي للأرز، علمًا بأنّ أسعار الأرز ارتفعت إلى نحو 50% منذ أسابيع قليلة.
«الزرع مات من قلة المياه في سوهاج»، هكذا يؤكد محمود عبد العزيز، المهندس الزراعي، متحدثًا عن قلة المياه في جزيرة شندويل بمحافظة سوهاج في صعيد مصر. أدت قلة المياه عمومًا إلى تقليص مرات الري، من مرتين شهريًا إلى مرة واحدة كل شهر.
لم تتوقف شكاوى المزارعين عند تقلص مياه الري على محافظاتالدقهليةوالشرقيةوكفر الشيخوسوهاج، لكنها امتدت لتشمل أيضًا عددًا آخر من المناطق والمحافظات من أبرزها دمياط، والبحيرة، والإسماعيلية، حيث شكا مزارعون من تقلص مياه الري، مما تسبب في بوار مساحات من الأراضي الزراعية.
يأتي الحديث عن تقلص مياه الري في مصر التي تعتمد بشكل أساسي على مياه نهر النيل، بحصة مائية تبلغ 55 مليار لتر مكعب، ويخيم تكتم إعلام الانقلاب على آخر مآلات ملف سد النهضة، وإمكانية تأثيره على الحصة المائية لمصر، وقدرتها على إنتاج الطاقة الكهربائية عن طريق السد العالي.
ويؤكد مراقبون، إن خروج السد العالي عن الخدمة، باعتباره أحد أهم مصادر توليد الطاقة الكهربائية في مصر، له علاقة بملء سد النهضة الإثيوبي، الذي أدى إلى انخفاض منسوب بحيرة ناصر عن مستوى توربينات السد العالي، ما أدى لتوقفه عن إنتاج الكهرباء بشكل كبير.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير الكهرباء في حكومة الانقلاب محمد شاكر، وأثناء افتتاح عددٍ من مشروعات الكهرباء في أسيوط، أقرّ بخروج السد العالي عن خدمة إنتاج الطاقة الكهربائية، قبل أن يُقاطعه قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، قائلًا: «بلاش نتكلم في التفاصيل دي لو سمحت»!
يذكر أن العلاقة بين ملء السد وتقلص مياه الري في مصر أصبحت واضحة، وهو ما ينفيه في المقابل هاني رسلان، خبير شؤون حوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذي زعم أنه :"ليس للأمر علاقة بسد النهضة في الوقت الحالي؛ إذ لم تقم إثيوبيا بتخزين المياه وراءه إلا في مستويات تجريبية محدودة جدًا، في حدود مليارين أو ثلاثة مليارات متر مكعب، أما النقص الحالي في مياه الري فبسبب زيادة كميات زراعة الأرز إلى حد أكبر بكثير من المسموح به، وبالتالي استخدام كميات أكبر من المياه على حساب مساحات أخرى"!
اما عن التعتيم الإعلامي على جفاف مصر، فيمضي رسلان في الدفاع عن الإنقلاب الذي يؤيده، ويقول:"التعتيم يرجع لسببين، أولهما يتمثل في أن هذه القضية أصبحت تُثير قلقًا كبيرًا لدى الرأي العام، بخاصة في ظل وجود آراء غير دقيقة وغير متخصصة، تميل للتعبئة والتوظيف السياسي".
والسبب الثاني في زعم "رسلان" :"يتمثل في أن ما ينشر في مصر تستخدمه إثيوبيا والسودان ضد المفاوض المصري داخل قاعات التفاوض، لتبرير المواقف المتعددة ضد مطالب مصر المعقولة، وذلك بإيجاد تبرير وتغطية وذريعة لتصريحاتهم ومواقفهم السلبية"، تلك كانت رؤية الانقلاب للجفاف ولك الله يا مصر!