يبدو أن حالة الانهيار التي تشهدها مصر في كافة المجالات منذ الانقلاب العسكري والارتداد للحقبة العسكرية والعودة 60 عاما إلى الخلف، قد دفعت العسكر إلى اختلاق بطولات وهمية من العدم وقص شريط إنجازات لا وجود لها كما حدث في مستشفى الإسكندرية والمتحف الحضاري، أو تبني مشروعات التنمية التي أطلقها الرئيس الشرعي محمد مرسي ونسبتها إلى قائد الانقلاب مع إضافة بعض الرتوش المدمرة من أجل صبغ المشروع بصبغة انقلابية. إلا أن تلك البطولات الوهمية والإنجازات المزعومة قد جعلت من مصر أضحوكة العالم ومثار سخرية الجميع، خاصة بعدما دشن العسكر مبكرا وبعد أيام قلائل من الانقلاب على القائد الأعلى للقوات المسلحة وعلى وقع دمعات قائد الانقلاب "معجزة القرن" لصاحبه "الكفتجي" اللواء عبد العاطي بإطلاق جهاز علاج الكفتة لمرضى الإيدز وفيروس سي، ثم اكتملت ملحمة مليشيات الانقلاب عندما تمخضت الحرب الضروس على الإرهاب عن اعتقال قرابة 1000 طفل باتهامات خطيرة تتراوح بين حمل بالونة صفراء أو التلويج بمسطرة رابعة، ما أنقذ مصر من مؤامرة خطيرة لقلب نظام الحكم "المقلوب" بالفعل! غير أن التطور المتلاحق في مأساة "أضحوكة العالم" لم يتوقف عن حد إضحاك دولا ربما تسبقنا الآن بسنين ضوئية بعد التحرر بطبيعة الحال من سطوة الحكم العسكرى الفاشى وفصل الجيش عن السياسة -الشئ الوحيد الذى يجب فصله-، وإنما تخطها إلى مرحلة الإبهار والإدهاش وأكد على أن خارطة الطريق المصرية تقود البلاد بسرعة متنامية نحو "ذيل" الأمم. المبكيات- المضحكات فى مصر كثيرة، يمكن أن تلمس باليدين، لكن أن تستيقظ على وقع صدام عنيف بين طائرة تابعة ل"مصر للطيران" وميكروباص تابع للشركة ذاتها، أسفر عن تلفيات بمحرك الطائرة وإصابات جسيمة لقائد الميكروباص، فهى بحق يمكن أن تدرك تحت بند الخيال العلمى. التصادم –اللامعقول- الذى وقع على أرض مهبط الطائرات بمطار القاهرة الدولى، فجر موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى، حول فشل عصابة الانقلاب فى إدارة شئون البلاد واكتفاء قائدها بسحر النساء والتسبيل والتمثيل على الشعب، مما دفع أحد النشطاء لتبرير الحادث على محاولة سائق الميكروباص تخطى الدور و"تحميل" الركاب قبل الطائرة، فيما حمل البعض المسئولية كاملة ل"التباع" الذى طالب السائق بالعودة إلى الخلف دون أن ينتبه للطائرة. الواقع فى هذا الموقع الحساس ربما تجد ما هو أسوأ منه فى الشارع يوميا، إلا أن أنباء اعتقال اثنين من الأجانب فى مترو الأنفاق للاشتباه فى تحدثهما بالإنجليزية، يؤكد على يقظة قطاع الأمن وقدرته على ضبط إيقاع الانضباط فى الشارع وتأمين المنشأت، ولا يمكن أن نتجاهل المساهمة فى عودة السياحة وتصدير صورة ذهنية مثالية عن الأوضاع فى مصر. الموقف المخزى لمليشيات الانقلاب، برره اللواء سيد جاد الحق -مساعد وزير داخلية الانقلاب مدير الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات- بأن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على بريطاني وشقيقته في محطة المرج، للاشتباه في علاقتهما بالجماعات الإرهابية، وهو بطبيعة الحال الاتهام الأسهل والإكثر إقناعا فى ظل تخدير الشعب بوهم الحرب على الإرهاب. المبكى أن القبض على الثنائى البريطانى جاء بناءً على بلاغ من مواطن سمعها يتحدثان الإنجليزية، فسارعت القوات من أجل السيطرة على الأمور ومنع تسرب تلك اللغة الدخيلة إلى باقى الركاب، قبل أن يتم الإفراح عنهما بعد ساعتين بعد التأكد من سلامة اللغة وعدم احتواءها على مواد متفجرة. وبقدر السخرية التى رافقت خبر القبض على الإنجليزيين، نصبت مواقع التواصل الاجتماعى حفلها على نبأ غلق محافظة القاهرة ل"قهوة الملحدين" بمنطقة الفلكى، وهو الخبر الذى سربته رئاسة حى عابدين لإظهار دولة "الطيب وعلى جمعة" فى ثوب من يدافع عن الإسلام ويتصدى لموجة الإلحاد التى عصفت بالبلاد بمباركة مؤسساته الدينية قبل الرسمية. عاصفة الضحك لم تتوقف على مواقع التواصل، خاصة مع التأكيد على أن المقهى تم إغلاقه بسبب بعض المخالفات وتكرار اشغالات الطريق وتم إضافة عبارة الملحدين من أجل إقناع الشعب بأن حكومة الانقلاب تدافع عن الإسلام ضد هجمة الإلحاد، حيث علق أحد النشطاء: "استقبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى، قرار محافظة القاهرة بإغلاق مقهى الملحدين الكائن بشارع الفلكى بعابدين، بسخرية شديدة، فقالت ميس أوبيوم: "يقال إن رئيس حي عابدين صرح بأنه حطم قهوة الملحدين، حاسة إني عايشة في فيلم "وا إسلاماه""، وسخر إبراهيم قائلًا: "قهوة الملحدين بتخرب قبل قهوة المسلمين"، وأضاف آخر: "اللي يعرف قهوة الداعشيين يقولهم في كبسة"، فيما علق ثالث: "سبحان الله.. الكفار قفلوا قهوة الملحدين". وسخر أحد النشطاء من غلق المقهى، قائلا: "للأسف كده خلاص مش هنلاقي حتة نلحد فيها، هنرجع مؤمنين بقى وأمرنا لله"، بينما تهكم أخر: "تفتكروا اخدوا تمثال الإلحاد اللى تحت ناصبة الشاى، ولا العيال الملحدين هربوه؟". اللافت فى الأمر أن رئيس حى عابدين رد على استنكار الإعلامى الانقلابى الرافض لمواجهة الإلحاد فى مصر، بما هو أكثر سخرية من نشطاء "التواصل"، حيث أكد أنه عند مداهمة المقهى سمعوا أصوات شيطانية ووجدوا رسومات غريبة على الحائط، غير أن المحضر سبب الغلق بأن القهوة تعمل دون ترخيص.
ولأن أضحوكة العالم لم تكن لتدرك يوما يمر دون أن تبهر الدنيا بكل ما هو جديد، جاءت صدمة اختيار الإعلامى الانقلابى الفاشي وائل الإبراشى سفيرا للنوايا الحسنة للأمم المتحدة فى حفل استضافته إمارة الشارقة بدولة الإمارات "عراب الانقلاب"، لتخرس الألسنة وتعجز معها منصات التواصل عن السخرية، إلا من تساءل منطقى لا ينتظر إجابة: "ما هى النوايا الحسنة التى يمكن أن يكون سفيرها هذا الإبراشي؟".. وهكذا فى عهد السيسى أصبح "الأمنجى" سفيرا للنوايا الحسنة، و"الراقصة" أما مثالية.