وسط دعوات ومطالب بتخفيض وترشيد الدعم تدرس الحكومة حاليا تخفيض دعم الطاقة فى الموازنة الجديدة عن العام المالى 2012/2013، وذلك من خلال تخفيض دعم البنزين بحوالى 10 مليارات جنيه، إضافة لخفض دعم البوتاجاز، من خلال تطبيق نظام الكوبونات، لتوفير حوالى 4 مليارات جنيه، ليصل إجمالى الوفر فى دعم الطاقة إلى حوالى 14 مليار جنيه من إجمالى 100 مليار جنيه، يمثل إجمالى دعم الطاقة فى مصر. وطالب اقتصاديون وخبراء فى قطاع البترول بضرورة رفع الدعم عن قطاع الطاقة والبترول، الذى يلتهم جزءا كبيرا من موازنة الدولة دون فائدة، مشيرين إلى أنها لا تأتى فى صالح المواطن العادى، كما أنها تعرقل الاستثمارات فى الدولة، ولم يستفد منها سوى 65% من مصانع الطاقة فى مصر، وهم عادة من كانوا فى كنف النظام القديم مثل أحمد عز، أو شركات أجنبية لها مصالح خاصة مع النظام السابق. وأكدوا أن سياسة دعم الطاقة التى تتبعها مصر تتعارض مع مطالب العدالة الاجتماعية، حيث إن 37% من إجمالى دعم الطاقة يذهب إلى 20% من الأسر الأعلى دخلا، بينما يذهب 11% فقط إلى 20% من الأسر الأقل دخلا، وذلك بناء على دراسة تم إعدادها بالتعاون بين البنك الدولى والحكومة المصرية فى الأشهر الماضية. من جانبه، أعد حزب "الحرية والعدالة" ملفا كاملا يضع خطة لهيكلة دعم الطاقة تستغرق فترة من 3-5 سنوات، حيث يتم الاستعاضة عن الدعم العينى بدعم نقدى يصل لمستحقيه، حيث ترى أنه يمكن استغلال أموال هذا الدعم فى الصحة والتعليم والاستثمار، حيث إن أكثر من ثلثى الدعم يوجه للمنتجات البترولية، بينما يصل أقل من الربع لدعم الغذاء. وتعتمد خطة الحزب على الغاز الطبيعى كحل أساسى لكل مشاكل الوقود، وذلك من خلال الإنتاج المحلى والاستيراد، واستخدامه كبديل فى محطات الكهرباء - العربات - قمائن الطوب - مزارع الدواجن، يوفر فى حدود 10 مليارات جنيه، وزيادة عدد الشركات الحالية، مع تقديم الدعم المادى للإسراع فى توصيل الغاز الطبيعى إلى المنازل، وتفعيل منظومة نقل الغاز الطبيعى المضغوط بسيارات النقل المُخصصة لذلك إلى المناطق النائية المُستهلكة للمُنتجات البترولية مثل (جنوب وشمال سيناء، والبحر الأحمر، وجنوبالغردقة، والساحل الشمالى، والوادى الجديد، والمصانع متوسطة الحجم بجوار المُدُن). وتعتمد الخطة أيضا على تطبيق نظام الكوبونات فى البوتاجاز، وحيث تحصل كل أسرة مكونة من 4 أفراد على 18 أسطوانة سنويا بسعر 5 جنيهات للأسطوانة المنزلية، وباقى الاحتياجات بسعر 25 جنيها أسطوانة منزلية، أما بالنسبة للاستخدام التجارى يتم زيادة سعر الأسطوانة إلى 50 جنيها. إضافة إلى دراسة رفع الدعم عن السيارات الغنية، التى تعتمد مثلا على بنزين 95، واقتراح عمل كارت ذكى بالنسبة للبنزين والسولار، حيث يحصل كل صاحب سيارة على كارت ذكى بعدد اللترات سنويا، يصرف عند تجديد ترخيص السيارة، وهو ما يكفى الاستهلاك النمطى، وما يزيد عن ذلك يتم مراجعة أسعاره لتتوافق مع التكلفة الفعلية للبنزين والسولار، وهو ما يمكن أن يوفر مبلغا كبيرا من دعم المنتجات البترولية. ومن المحاور التى يعتمد عليها الحزب فى خطته الطاقة البديلة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وذلك من خلال إحياء البرنامج المصرى لاستخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء، وتحلية مياه البحر، وكافة الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتحفيز المستثمرين لعمل مشاريع فى إنتاج الطاقة البديلة. ولم تخل خطة الحزب من التشريعات القانونية من خلال إصدار قانون بتحويل جميع السيارات الحكومية للعمل بالغاز الطبيعى، وعدم شراء أى سيارات أو أتوبيسات جديدة تعمل بالسولار، وتحويل التاكسى بالقاهرة الكبرى والإسكندرية للعمل بالغاز الطبيعى خلال 3 سنوات، وإصدار قانون بتشغيل جميع الميكروباصات بالغاز الطبيعى بوجه بحرى خلال 5 سنوات، والصعيد خلال 7 سنوات، إضافة إلى محور مهم جدا؛ وهو ضرورة إعادة هيكلة قطاع البترول من خلال تكليف هيئة البترول بإعداد خطة واضحة لزيادة الإيرادات وخفض مصاريف التشغيل، ومراجعة استثمارات الهيئة فى الشركات المُشتركة التى تمتلكها، وعمل إعادة هيكلة مالية لتعظيم العائد من هذه الاستثمارات. ويعزز الحزب خطته بدراسة قامت بها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يناير الماضى حول دعم الطاقة والموازنة العامة فى مصر، أكدت فيها أن سياسيات الدعم معادية للفقراء، ودليل (فج) على استمرار انحياز الدولة ضد الفقراء، وأن سياسات دعم الطاقة ما هى إلا سياسات فاشلة تبناها فريق عمل أحمد نظيف للاعتماد على توفير أسعار طاقة رخيصة بالمقارنة بالسعر العالمى من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات. وتضيف أن دعم الطاقة الذى خرج فى موازنة المجلس العسكرى ليلتهم 19٪ من إجمالى الإنفاق العام لا يمس غالبية المصريين ممن يستحقون الدعم. فعلاوة على كونه لا يتمتع بأى قدر من الرشادة الاقتصادية كونه يزيد من معدلات الاستهلاك غير الفعالة فى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وفى قطاعات كالنقل. ويشير حنفى عوض -مسئول ملف الطاقة فى اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة- إلى أنه يمكننا الاستغناء عن دعم الصناعة والطاقة بشكل كامل، وفى نفس الوقت لا يتأثر المواطن المصرى البسيط وتوفير ما يقرب من 70 مليارا من تكلفة الدعم المحددة وتوفيرها لأغراض أخرى فى الدولة. ويضيف أن الحزب وضع خريطة لتدعيم الطاقة الأولى فى جانب الطلب، التى تعمل على عدم تأثر المواطن المصرى برفع هذا الدعم، ولن تمس عن طريق رفع الأسعار، والأمر الثانى هو جانب العرض، وهو الذى يمكن التحكم فيه وتوفير الدعم وهو التحول لغاز طبيعى، وهو الحل لكل مشاكلنا فى نقص الطاقة والوقود. ويتابع عوض قائلا: إنه لدينا 51 محطة كهربائية نظريا، و6 محطات تعمل بالمازوت والسولار، و45 تعمل بالغاز، ولكن عمليا وما يحدث أن قطاع البترول لا يمد هذه المحطات بالغاز الطبيعى، وتعتمد على المازوت الذى يستهلك رقما كبيرا من الدعم، حيث إن المليون وحدة حرارية من المازوت ب24 دولارا، بينما المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعى ب7 دولارات، ومن ثم يمكننا توفير 3 أضعاف التكلفة، بما يوازى من 8-10 مليارات جنيه ولا يؤثر على المستهلك. وعن طريقة تنفيذ الخطة، يؤكد حنفى أن الحكومة ستشارك مع الحزب من خلال شراء السيارات التى تعمل بالغاز فقط، وتحويل باقى السيارات التى تعمل بالسولار والبنزين إلى غاز، حيث لا نحتاج إلى البنزين أو السولار، مشيرا إلى أنه يوجد لدينا حاليا 500 أتوبيس فقط من 5000 أتوبيس للنقل العام تعمل بالغاز الطبيعى، و1,5 سيارة ملاكى نقل وتاكسى فقط من 5,5 ملايين سيارة تعمل بالغاز الطبيعى، إنه خلال 3 سنوات لن تجد سيارة واحدة تعمل بالبنزين أو الجاز، ومن هنا يتم توفير ما يقرب من 10-15 مليار جنيه. ويشير عوض إلى أنه يمكن رفع الدعم عن السيارات الغنية من خلال رفع الدعم عن بنزين 95، التى تكلف الموازنة ما يقرب من 200 مليون جنيه. للمواطنين دور مهم جدا فى تنفيذ خطة الحزب من خلال إيجابيتهم والتصدى لأية مخالفات أو تهريب، وهذا ما طالب به م. عوض حنفى فى حديثه بضرورة حث المواطنين على ألا يتعاملوا بضعف شديد وسلبية مع من يقوم بالتهريب، ويجب أن يكون هناك قانون رادع لتجريم التهريب ومحاسبة كل من يفعل ذلك، والمسارعة فى الشكوى للمسئولين حيال أى مخالفة تحدث، والقيام بحملات توعية من خلال وسائل الإعلام لترشيد الطاقة، ويُمكن البدء فى التطبيق فى الأبنية الحكومية والشوارع الرئيسية والمحال التجارية. ويشير إلى أنه خلال 3 سنوات من تنفيذ الخطة سنكون وفرنا من 60-70% من تكلفة الدعم، أى ما يقرب ال70 مليار جنيه، يمكن استغلالها فى أمور أخرى مثل التعليم والاستثمار، وفى الوقت نفسه لن يتأثر المواطن المصرى برفع الدعم أو خفضه. ويقول د. محمد جودة -عضو اللجنة الاقتصادية بحزب "الحرية والعدالة"-: إن الدعم بشكل عام يمثل أهم المشكلات التى تواجه المالية فى الوقت الحالى، وتحديدا قضية الموازنة العامة، حيث يصل إجمالى الدعم سواء الطاقة أو السلع الاستهلاكية أو الرعاية الاجتماعية ل165 مليار جنيه، وبهذا بلغت معدلات الدعم لرقم لا يمكن الاستمرار فيه. ويمكن ترشيد أموال الدعم لقطاعات أخرى، مثل الصحة والتعليم والاستثمار، كما يضيف جودة: إنه للأسف دائما ما كان يستفيد من هذا الدعم السماسرة والوسطاء وكبار رجال الدولة من رجال الأعمال، ولذلك لا بد من إعادة هيكلة للدعم فى مصر، وترشيد الاقتصاد؛ بغرض وصول الدعم لمستحقيه وتخفيض الموازنة، حيث يتم الاستعاضة عن الدعم العينى بدعم نقدى يصل إلى مستحقيه، وهذا ما وضعه الحزب فى خطته. ويتابع جودة قائلا: إن خطة الحزب المعدة لهيلكة العدم تعمل على الوقوف جنبا إلى جنب وتعديل نمط الاستهلاك، والتحول من استهلاك السولار والبنزين والمازوت والبوتوجاز إلى الغاز الطبيعى كبديل، مشيرا إلى أن العام الأول من الخطة سيقوم على استكمال الدراسات وإجراءات الحصر المطلوبة للفئات التى تستحق الدعم وتحويله إلى دعم نقدى، وليس أن يتم التخفيض خلال السنة الأولى ل50%. ويشير عضو اللجنة الاقتصادية إلى أن قضية الدعم من القضايا المهمة التى تتصدر لها الحكومات، وعدم الاهتمام بها يؤدى إلى تفاقم المشكلة، حيث بلغ حجم دعم الطاقة فى موازنة عام 2011/2012 إلى 96 مليار جنيه مصرى، بينما بلغ الحجم الحقيقى لدعم الطاقة فى عام 2012/2013 ل114 مليار جنيه، وما تم إدراجه منها 70 مليار جنيه فقط، أى أنه تم انخفاض بقيمة 44 مليار جنيه. ويؤكد أن تخفيض دعم الطاقة حاليا من 114 مليار جنيه ل70 جنيها يمثل مشكلة حقيقية فى ظل احتياجاتنا من الطاقة، معتبرا حكومة الجنزورى قامت بذلك لإرهاق الحكومات المقبلة ووضعها فى مأزق توفير الطاقة، وحدوث مشقة وعنت للمواطن المصرى، واصفا هذا الأمر بالفخ للرئيس وحكومته الجديدة فى أول أيامها وأنها جاءت لخلق صدام شعبى. ويتابع: إنه كان يتم تحديد دعم الطاقة بناء على تحديد الكميات المقدر استهلاكها مضروبا فى سعر الطاقة المتوقعة، ويتم توزيع هذا الدعم على جميع أنواع الطاقة من بنزين وسولار ومازوت، فمثلا تكلفة لتر بنزين 90 تصل ل4 جنيهات، تباع للمواطن المصرى بعد الدعم ب175 قرشا، وبذلك يتم مراعاة الفرق بين البيع والشراء، ومن ثم فإن الهيئة العامة للبترول ملزمة بتوفير المشتقات البترولية فى مصر للمواطن مدعمة، وتأخذ فرق هذا الدعم. ويضيف خالد وجيه -مهندس بترول، والرئيس السابق لشعبة البترول فى جمعية رجال الأعمال- أنه منذ 10 سنوات، ودعم الطاقة يستنزف موازنة الدولة، ولأكثر من مرة فى عهد النظام السابق كان يتم الاتفاق على تخفيض الدعم أو رفعه لكن قبل التصديق على القرار بساعات يتدخل الأمن ويرفض التصديق على القرار بدعوى التخوف من ثورة جياع، أو حدث اعتراضات على رفع الدعم عن المواطن. ويتابع قائلا: يجب أن يكون هناك ترشيد للدعم لأنه من خلال الدعم الذكى وتوجيهه حتى نضمن وصوله إلى مستحقيه، وذلك من خلال أفكار عديدة، فعلى سبيل المثال فى نطاق وقود السيارات يمكننا أن نوجه الدعم للسيارات البسيطة فقط، وذلك من خلال تحديد نوع السيارة وثمنها، وهل هى ملاكى أم تاكسى أم نقل؟ ويتم ذلك عن طريق تجديد الرخصة فى إدارة المرور، حيث يعطى كوبون أو كارت ذكى لأصحاب السيارات البسيطة وينالون الدعم، فى حين سيارة مثل المرسيدس يتم رفع الدعم عنها.. وهكذا. ويؤكد خبير البترول أن مصر تقع الآن بين مأزقين كبيرين؛ الأول هو شرط البنك الدولى لإقراض مصر برفع الدعم عن الموازنة، لأنه ليس من المعقول أن يذهب قرض بالمليارات لدعم لا يضمن أن يصل إلى المستحقين، وفى حال الموافقة على الشرط ورفع الدعم ستحدث مشاكل رهيبة، واعتراضات من المواطنين، وفى حال رفض الشرط وإبقاء الدعم ستعانى مصر بسبب عدم إقراضها، وسنجد سعر الدولار فى مصر أصبح يساوى 50 جنيها، ومن ثم فالحل الوحيد هنا هو ترشيد الدعم.