بات في حكم المؤكد أن كلا من ثلاثي التحالف (المصري الإماراتي السعودي) هو الذي تورط في ضرب ثوار ليبيا أملا في منع سيطرتهم على مطار طرابلس، وأنه سواء قامت طائرات مصرية بقيادة المهمة أو طائرات إماراتية بتحويل مصر الي قاعدة عسكرية تنطلق منها الطائرات لضرب ليبيا ثم ينفي السيسي تورط الجيش المصري مباشرة. ولكن الخطير أن تقارير أمريكية وأوروبية عديدة -منها تقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى وصحيفة نيويورك تايمز- ذكرت بوضوح أن طائرات إماراتية هي التي قامت بضرب الأهداف الليبية منطلقة من مطارات مصرية بعد تقديم مصر الدعم اللوجسيتي لها، ما يحول مصر إلى مستعمرة إماراتية أو قاعدة عسكرية للإمارات بأموال الإماراتيين التي قدمت للانقلاب ودعمته. وخطورة هذا التطور ليس في انهيار السيادة المصرية فقط.. ولكن في رهن سلطة الانقلاب للبلاد إلى من يدفعون أموالا لدعمهم كمقابل لهذا الدعم بعدما رهنوا إرادة مصر لهذه الدول الخليجية حتى باتت مصر في مرتبة سفلى، وتمد يدها لدول خليجية مقابل مصالح لهذه الدول في قلب أنظمة حكم عربية أخري وقيادة ثورة مضادة جديدة في ليبيا، بعدما نجحوا في قيادة الثورة المضادة في مصر بدافع الكراهية المشتركة للإسلاميين والإخوان تحديدا. وليس التدخل الإماراتي في ليبيا غريبا، إذ سبق قبل ثلاث سنوات، أن انضمت «الإمارات» إلى التحالف الأمريكي الغربي الذي أُقيم في ذلك الحين لإسقاط معمر القذافي، وتحطمت اثنان من طائراتها من طراز "إف 16 إس" في قواعد جوية إيطالية بسبب خطأ الطيارين، ولهذا لا يستبعد أن تكون نفس الطائرات الإماراتية انطلقت من إيطاليا لضرب ثوار ليبيا وتزودت بالوقود في مصر وقدمت لها تسهيلات مصرية، أو انطلقت من مصر عبر البحر المتوسط ليبدو أنها قادمة من الغرب من إيطاليا. وهذا هو ما جعل مبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا ناصر القدوة يقول أن الغارات التي تعرضت لها العاصمة الليبية مؤخرًا "قامت بها أطراف غير عربية"، بدعوي أن الطائرات "أتت من جهة البحر المتوسط" !. ومع هذا ومهما كانت حيثيات الضربات الجوية الإماراتية المصرية المشتركة في ليبيا إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها مع نجاح الإسلاميين في السيطرة على مطار طرابلس الدولي، حسب ما قاله معهد واشنطن لدراسات الشرق الاداني الأمريكي، على الرغم من أن الطيران الإماراتي مدرب أمريكيا وهو الأفضل تسليحا إلا أن هناك شكوكا بشأن كفاءته. وقد حاول وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية، نفي تورط بلاده في بيان عبر حسابه الرسمي بموقع "تويتر" بقوله : إن محاولة إقحام اسم الإمارات في الشأن الليبي "هروب من مواجهة نتائج الانتخابات والشرعية التي أفرزتها ورغبة الأغلبية في ليبيا للاستقرار والأمن". وأضاف: "سيتضح جليا وقريبا من يستهدف الإمارات هو من يرفض نتائج الانتخابات ونهج بناء المؤسسات". وأضاف أن زج اسم الإمارات ومصر والسعودية "مصدره واحد"، وهو "تيار أراد من خلال عباءة الدين تحقيق أهدافه السياسية"، في إشارة على ما يبدو للإخوان المسلمين. فلم يقتصر الأمر علي تأكيد أربعة مسئولين أمريكان لصحيفة نيويورك تايمز أن مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة قاما سراً بتنفيذ ضربات جوية مرتين خلال الأيام السبعة الماضية ضد المليشيات الإسلامية التي تقاتل من أجل السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس. وقول المسئولين الأمريكيين: إن مصر قدمت قواعد لإطلاق الضربات، وإن عبد الفتاح السيسي ومسئولين مصريين آخرين صاغوا تصريحاتهم العلنية بعناية، نافين أي تورط مباشر داخل ليبيا من قبل القوات المصرية. ولكن "معهد واشنطن" أكد أيضا الاثنين 25 أغسطس الجاري أن حلفاء أمريكا (مصر والإمارات والسعودية) هم من قصفوا الإسلاميين الليبيين، وقال إنهم فشلوا مع هذا في منع الإسلاميين من السيطرة على مطار طرابلس. إذ كشف التقرير الذي أعده "سايمون هندرسون" بعنوان :U.S. Allies Bombing Islamists: The UAE Airstrikes on Libya أو (حلفاء الولاياتالمتحدة يقصفون الإسلاميين: الضربات الجوية لدولة الإمارات فوق ليبيا): أنه "في كافة الأحوال، يبدو أن الغارات الجوية فوق طرابلس قد فشلت في تحقيق أهدافها، حيث أفادت التقارير أن القوى الإسلامية تسيطر على مطار المدينة، وعلى الرغم مما يقال بأن سلاح جو «الإمارات» هو أحد الأسلحة الجوية العربية الأفضل تجهيزاً وبالتأكيد الأفضل تدريباً، إلا أنه لا تزال هناك شكوك حول كفاءته". وقال المعهد إن المملكة العربية السعودية تشكل العنصر الثالث من هذا المحور الجديد ضد ثوار ليبيا؛ مشيرا إلى أن قادة جميع البلدان الثلاثة قد عقدوا في الأشهر الأخيرة سلسلة من الاجتماعات الرفيعة المستوى. ففي وقت سابق من هذا الصيف زار ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، العاهل السعودي الملك عبد الله عندما كان الأخير في إجازة في المغرب، كما التقى العاهل السعودي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الطابق الثاني من طائرته من طراز "بوينغ 747" خلال توقفها في مطار القاهرة عندما كان الملك عبد الله في طريقه إلى بلاده. وقال المعهد إنه: "تجمع الزعماء الثلاثة كراهية مشتركة للإسلاميين والإخوان المسلمين، الأمر الذي يضعهم في خلاف مع القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا وقطر، كما أن الرياضوأبوظبي قلقتان بشأن إيران ووضعها الناشئ كقوة إقليمية مهيمنة، وهناك تطور جديد وهو أن الكراهية السعودية والإماراتية تجاه قطر تبدو الآن أنها تتحول إلى حرب بالوكالة، حيث أفادت التقارير أن الدوحة تدعم الجماعات الإسلامية في ليبيا.
هناك مخاطر حقيقية بالتالي لهذا التورط لحلفاء واشنطن العرب في ضرب دول عربية منها:
1- لم يعد الأمن القومي العربي يمثل حالة من السيولة فقط، وانهار النظام الأقليمي العربي بعد تحول قسم من دوله الي حلفاء لواشنطن ينفذون أجندتها، ولكن بدأ بع هؤلاء الحلفاء يشكلون قوة مشتركة لاجهاض أي ثورات أو تغييرات تجري في دول عربية تخالف رغباتهم. 2- بعد أن كانت هذه الدول الثلاثة (مصر – الإمارات – السعودية) تتحرك عبر وكلاء لها وعملاء في هذه الدول المختلفة، بدأ تورطهم بشكل مباشر عبر القصف الجوي وتوفير الدعم المالي واللوجستي متصورين أنهم قوة إقليمية قادرة على فرض إرادتهم على الآخرين. 3- للمرة الأولى تجاهر دولة مثل الإمارات بلعب دور الشرطي الإقليمي والظهور بمظهر الدولة العسكرية القوية معتمدة على أموالها وتصنيع حربي متزايد ونشاط في تجارة السلاح العالمية، ما يؤثر على وضعها كقوة استثمارية بالأساس، وقد يضرب اقتصاد الإمارات مستقبلا. 4- خطورة تحول مصر إلى قاعدة عسكرية أو مستعمرة للقوات الجوية الإماراتية بعدما أصبحت مستعمرة للقوات الأمريكية منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد، خاصة أن الدعم السعودي والإماراتي لمصر أصبح أكثر خمس مرات من الدعم الأمريكي، ما يثير مخاوف من استغلال القوى العربية والأجنبية لتدهور الاقتصاد المصري في فرض مزاد مالي لاستغلال أراضي مصر وأجوائها في تحركات عسكرية.