احتفت النخب السياسية والإعلامية الصهيونية بالمبادرة التي طرحتها سلطة الانقلاب في القاهرة، كمقترح لوقف إطلاق النار بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. فقد أشاد وزير المالية الصهيوني يئير لبيد ببنود المبادرة المصرية معتبراً أنها تحرم حركة حماس من أية إنجازات حقيقية على الأرض، في حين ضمنت ألا تقدم تل أبيب أية تنازلات. وخلال مقابلته مع قناة التلفزة الصهيونية العاشرة الليلة الماضية، ألمح لبيد إلى أن الجانب المصري قد عرض المبادرة بعد التشاور مع الجانب الصهيوني، منوهاً إلى أن المصريين يعملون بشكل وثيق مع الأمريكيين، الذين يحرصون على "عدم مفاجأة حلفائهم الإسرائيليين". من ناحيته, قال أمنون أبراموفيتش، كبير المعلقين في قناة التلفزة الصهيونية الثانية: "إن نظام الجنرالات في القاهرة أكثر تطرفاً في التعاطي مع حماس من إسرائيل"، مشيراً إلى أن الأمر تعلق بالمصريين لما انتهت الحرب حتى تم القضاء بشكل مبرم على وجود حماس في القطاع. وخلال تحليل قدمه الليلة الماضية، أشار أبراموفيتش إلى أن إسرائيل تستفيد من التحولات الكبيرة في العالم العربي والتي تصب في صالح تل أبيب، لا سيما الحرب التي أعلنتها مصر ودول الخليج على جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر حماس جزءاً منها. ويتضح من خلال الجدل الصهيوني الداخلي أن المبادرة العربية جاءت في ظل تأكيد الكثير من النخب أن إسرائيل منيت بهزيمة خلال هذه الحرب. ففي مقال نشره في "هآرتس" الثلاثاء، اعتبر المفكر الإسرائيلي أوري مسغاف أن الحرب على غزة قصة فشل. وأضاف مسغاف: "حرب بلا هدف لا يمكن أن تحقق انتصاراً، كل ما تعرضه هذه الحرب مجرد بنك أهداف غريبة ومستهجنة، فحتى رئيس الوزراء والناطق بلسان الجيش وقادة الألوية فيه غير قادرين على تحديد طبيعة هذه الأهداف". واعتبر مسغاف أن القيادة الإسرائيلية جزء من "الإجرام المنظم"، قائلاً: "هذه الحرب جريمة عسكرية وإنسانية وسياسية ضد السكان في كل من غزة وإسرائيل. في سياق متصل، دعت نخب سياسية صهيونية إلى توظيف كل من مصر والسلطة الفلسطينية في مراكمة دعم دولي لفكرة تجريد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من سلاحها، سيما الصواريخ. وكشف موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي أمس الاثنين النقاب عن أن وزيرة الخارجية الإسرائيلي تسيفي ليفني، المسؤولة عن إدارة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، تقترح تحركاً دولياً وإقليماً شاملاً يفضي إلى تجريد حماس ليس فقط من مخزونها من الصواريخ، بل أيضاً ضمان عدم تمكينها من إعادة بناء مخزونها من الوسائل القتالية في المستقبل. وتستند مبادرة ليفني على مشاركة كل من مصر والسلطة الفلسطينية في تنفيذها، حيث أنها تقترح مقابل تجريد حماس من مخزوها من الصواريخ، أن تقوم مصر بإعادة فتح معبر رفح، حيث تطالب بأن تديره الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. وحسب "واللا"، فإن ليفني أطلعت قيادات في السلطة الفلسطينية على مبادرتها، حيث أكدت أن مقترحها سيفضي إلى تعزيز مكانة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وقد حظيت مبادرة ليفني بدعم من النخبة السياسية في تل أبيب. فقد اعتبر داني أيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أن التحولات الجيوسياسية في المنطقة وصعود الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم في مصر تساعد على إقناع العالم بحيوية تجريد حماس من سلاحها. وفي مقال نشره اليوم في موقع "واللا"، أوضح أيالون أن إسرائيل تستفيد كثيراً من موقف السيسي من جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعتبر حماس جزءاً منها، حيث يعتبر السيسي الجماعة "تنظيماً إرهابياً يهدد استقرار مصر وأمنها"، على حد تعبيره. وأوضح أيالون أنه بإمكان إسرائيل إقناع العالم بأنه لا يجوز لمنظمة "إرهابية" امتلاك ترسانة متطورة من السلاح، لا سيما بعدما تبين للعالم أن ما لدى الحركة من صواريخ يغطي مداها جميع مناطق إسرائيل تقريباً. واعتبر أيالون أن ما تقوم به حماس يتناقض مع القانون الدولي. واعتبر أيالون أن التحولات التي يشهدها العالم العربي تمثل فرصة ذهبية بالنسبة لإسرائيل لتحقيق أهدافها في غزة. وأوضح أن مستوى اهتمام المجتمع الدولي بما تقوم به إسرائيل في غزة تقلص بسبب حالة الانقسام الذي يسود العالم العربي وبسبب الصراع المذهبي الدامي بين السنة والشيعة. وفى المقابل, أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أنها ترفض وقف إطلاق النار، مع إسرائيل، قبل التوصل لاتفاق تهدئة، مؤكدة أنها لم تتسلم "حتى الآن"، أي مبادرات رسمية بشأن "التهدئة"، من أية جهة. وقال المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، في تصريح صحفي أصدره في ساعة مبكرة من فجر الثلاثاء: إن ما يتم ترويجه بشأن نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، مرفوض وغير خاضع للنقاش، ونحن شعب تحت الاحتلال والمقاومة بكافة الوسائل حقٌ مشروع للشعوب المحتلة. وأكد الناطق باسم "حماس"، أن وقف إطلاق النار قبل التوصل لاتفاق التهدئة "مرفوض"، مضيفا أنه لم يحدث في حالات الحرب، أن يتم وقف إطلاق النار ثم التفاوض. وجاء بيان حركة حماس، بعد نحو أربع ساعات من إعلان مصر الاثنين، مبادرة لوقف إطلاق النار تصب في صالح الكيان الإسرائيلي، كما يراها مراقبون وتحفظ ماء وجه الاحتلال على حساب المقاومة. وتنص المبادرة، بحسب بيان الخارجية المصرية، على أن "تقوم إسرائيل بوقف جميع الأعمال العدائية على قطاع غزة برأ وبحراً وجواً، مع التأكيد على عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة أو استهداف المدنيين". وكذلك أن "تقوم كافة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بإيقاف جميع الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل جواً، وبحراً، وبراً، وتحت الأرض، مع التأكيد على إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين". وزعمت مصر، في المبادرة أنه سيتم "فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض". وتنص المبادرة على أن "باقي القضايا بما في ذلك موضوع الأمن سيتم بحثها مع الطرفين"، مع تفصيلات أخرى عليها بصمات أمريكية وإسرائيلية ولا تصب في مصلحة المقاومة، بحسب محللين. كما أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح المسلّح لحركة حماس، رفضها للمبادرة المقدمة لوقف إطلاق النار، مشدّدة على أن المعركة مع العدو مستمرة وستزداد ضراوة وشدّة. وأوضحت الكتائب في بيان صحفي فجر اليوم الثلاثاء أنه "لم تتوجه إلينا في كتائب القسام أي جهة رسمية أو غير رسمية بما ورد في هذه المبادرة المزعومة" لوقف إطلاق النار. وأضافت أنه "إن صح محتوى هذه المبادرة فإنها مبادرة ركوعٍ وخنوع، نرفضها نحن في كتائب القسام جملةً وتفصيلاً، وهي بالنسبة لنا لا تساوي الحبر الذي كتبت به". وأضاف البيان: "سنكون الأوفياء لدماء شهداء معركة "العصف المأكول" الأبرياء وكافة شهداء شعبنا، وإننا نعد شعبنا أن هذه الدماء والتضحيات لن تضيع سدىً، ولن يجهضها أحدٌ كائناً من كان في هذا العالم". واختتم القسام بيانه بالتأكيد على استمرار المعركة مع العدو.