الأحكام المسيسة عنوان المرحلة ولا عزاء للعدالة أحكام إعدام بالجملة وغرامات بلغت 13 مليون جنيه القضاة الشرفاء ما بين محبوس ومفصول ومطارد من أبرز ما اتسمت به المرحلة الانتقالية التي أدارها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي استخدام أحكام القضاء كوسيلة للانتقام من كل معارضي الانقلاب ومن كل أيقونات ثورة الخامس والعشرين من يناير شبابًا وشيوخًا. حيث تعددت على مدار عشرة أشهر الأحكام القضائية المسيسة، التي مثلت في ذاتها دليلا بارزًا على فساد هذا الانقلاب وكشفت عن مخططه الذي تواطأت فيه كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة القضاء. كان أول هذه الأحكام المسيسة الحكم الصادر في نوفمبر الماضي ضد فتيات حركة 7 الصبح وعددهن 14 فتاة حيث صدر الحكم ب11 عامًا سجنًا لكل فتاة، وكانت التهم الموجهة لهن هي: التجمهر البلطجة، إتلاف ممتلكات عامة، وحيازة أدوات للاعتداء على مواطنين، وهو الحكم الذي اعتبرته منظمة العفو الدولية أنه تصميم من السلطات المصرية على معاقبة المعارضين. وتجدر الإشارة إلى أن القاضي الناطق بالحكم هو أحد أعضاء حركة تمرد التي وظفتها المخابرات واستخدمتها كوسيلة للانقلاب على الرئيس الشرعي. كما تلى هذا الحكم الجائر على طلاب الأزهر على خلفية أحداث مشيخة الأزهر حيث أصدرت المحكمة حكمها في نوفمبر الماضي أيضًا ضد 12 طالبًا بعقوبة الحبس 17 عامًا وغرامة 64 ألف جنيه، وهو الحكم الذي وصفه الحقوقيون والقانونيون بأنه سياسي انتقامي بامتياز وليس له أي سند قانوني، مؤكدين أن المحكمة التي أصدرت هذا الحكم قد جانبها الصواب في تطبيق صحيح القانون والانتصار لحريات الأفراد، معتبرين أن هذا الحكم انتهاك صارخ لنصوص قانون العقوبات المصري. كما توالت بمرور الوقت الأحكام الجائرة ضد الطلاب والتي كان منها الحكم على 17 طالبًا من جامعة الأزهر ب14 عامًا حيث قضت محكمة جنح الجمالية بمعاقبة 17 طالبًا وأشخاص آخرين بالحبس 14 عامًا، وتزامن مع هذا الحكم حكم آخر قضت به محكمة جنح مدينة نصر بأكاديمية الشرطة بمعاقبة 16 طالبًا لمدة 3 أعوام. أحكام الإعدام أما أحكام الإعدام فكانت إحدى الأدلة الكاشفة على تواطؤ القضاة مع الانقلابيين حيث أصدر قضاء الانقلاب حكمه الجائر غير المسبوق بالإعدام على 683 فردًا من بينهم المرشد لجماعة الإخوان المسلمين في غبريل الماضي، كما سبقه حكم آخر بالإعدام على 529 معارضًا سياسيًا. وتتميز الأحكام القضائية الموجهة ضد معارضي الانقلاب بأنها سريعة وناجزة بعكس الأحكام التي صدرت ضد قتلة ثوار يناير والتي نال فيها القتلة براءات متتالية ومتعاقبة، ولم تكن أحكام الحبس هي فقط التي يبالغ فيها قضاة الانقلاب بل أيضًا أحكام الكفالات والغرامات؛ حيث بلغ إجمالي الكفالات التي حكمت المحاكم بها ضد المعتقلين 649 ألفا وخمسمائة جنيه مصري، كما بلغ إجمالي الغرامات التي حكمت المحاكم بها ضد المعتقلين 13 مليونًا و115 ألف جنيه مصري. الانتقام من القضاة الشرفاء ولم يكن لسلطة الانقلاب أن تمارس ما تمارسه من سيطرة على القضاء إلا بعد ما مهدت لذلك بالانتقام وإقصاء كل القضاة الشرفاء الذين وقفوا في وجه الظلم معلنين كلمة الحق؛ فقامت بحبس بعضهم وفصل البعض الآخر، ففي شهر الانقلاب وبتاريخ 25 يوليو الماضي قام نادي القضاة بفصل 75 قاضيًا من عضوية الجمعية العمومية للنادي، وذلك بعد أن تقدّم النادي ببلاغ لمجلس القضاء الأعلى يتهمهم بالانحياز لفصيل سياسي معين والمشاركة في اعتصام ميدان رابعة العدوية, كما طالبوا بوقف المفصولين عن العمل, تحت دعوى أن استمرارهم في العمل سيؤدي إلى هز الثقة بالأحكام التي ستصدر عنهم. وبعد أيام قليلة من صدور هذا القرار وفي منتصف شهر أغسطس الماضي تم منع المستشار وليد شرابي -رئيس حركة قضاة من أجل مصر- من السفر بقرار من النائب العام الذي عينته سلطة الانقلاب -في سابقة لم تحدث من قبل- وتم احتجازه في المطار والتحفظ عليه بزعم مراجعة السلطات بشأنه. ولم يمض شهر واحد على هذه الواقعة إلا وأصدرت إدارة التفتيش القضائي بوزارة العدل في حكومة الانقلاب الدموي في شهر أكتوبر الماضي قرارًا بإحالة 7 مستشارين من "حركة قضاة من أجل مصر" إلى لجنة الصلاحية، على خلفية اتهامهم بالعمل في السياسة وبانتماءاتهم الدينية بما يخالف الأعراف القضائية، وهو ما اعتبره القضاة مذبحة جديدة للقضاة ومحاولة من الانقلابيين لتصفية الحساب مع هؤلاء القضاة لمساندتهم للشرعية الدستورية التي انقلب عليها الانقلابيون في 3 يوليو. وكان القضاة المحالون للصلاحية هم: المستشار حازم صالح والمستشار عماد البنداري والمستشار أيمن يوسف والمستشار عماد أبو هاشم والمستشار محمد عطا الله والمستشار مصطفى دويدار والمستشار أحمد رضوان، أما عن القاضي وليد شرابي -المتحدث الرسمي باسم الحركة- فقد تم إحالته منفردًا إلى المحاكمة التأديبية. واستمرارًا لنفس السياسة الانتقامية التي يمارسها الانقلابيون على الشرفاء من القضاة قامت سلطات الانقلاب بإحالة المستشار هشام جنينة -رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات- إلى محكمة الجنايات بتهمة السب والقذف العلني بطريق النشر بحق نادي القضاة ورئيسه المستشار أحمد الزند وأعضاء مجلس إدارة النادي, ولم يصدر هذا القرار الانتقامي إلا بعدما كشف المستشار جنينة بالمستندات فساد مسئولين في حكومة الانقلاب بينهم وزير العدل الانقلابي عادل عبد الحميد والذي أكد تورطه في قضايا فساد مالي وأنه حصل على أكثر من مليون جنيه من مؤسسات حكومية بالمخالفة للقانون، منها أربعمائة ألف جنيه من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في أثناء توليه وزارة العدل في حكم المجلس العسكري الأول، كما كشف أيضًا تورط 73 مستشارًا بجهاز تنظيم الاتصالات وآخرين متهمين بالفساد وسرقة المال العام، كما كشف أيضًا قضايا فساد في العديد من مؤسسات الدولة وخاصة في عدة وزارات منها: وزارة الكهرباء والبترول والداخلية، بالإضافة إلى كشفه فساد رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند والمتورط في قضايا فساد تتعلق بالتعدي على المال العام والاستيلاء على أراضي الدولة. ضبط وإحضار كما قامت سلطات الانقلاب العسكري الدموي في شهر أكتوبر الماضي باستدعاء المستشار محمود مكي -نائب رئيس الجمهورية السابق، والمستشار أحمد سليمان -وزير العدل السابق، وذلك بسبب بتهمة كتابة بيان ضد الانقلاب العسكري. كما صدر أمر بضبط وإحضار كل من المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق، والمستشارة نهى الزيني نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، لسماع شهادتهما في قضية «تزوير انتخابات 2005»، ولكنهما لم يحضرا. كما تم اعتقال المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق وأحد رموز تيار استقلال القضاء وأحد أبرز أيقونات ثورة يناير والذي يبلغ من العمر (73) عامًا بتهمة تعذيب أحد المواطنين في ميدان التحرير في أثناء ثورة يناير. وبجانب هذه الملاحقات لهذه الرموز القضائية الوطنية، نجد أنه على الجانب لم يتم أي تحرك في البلاغات التي قدمت ضد قضاة شاركوا في فعاليات حزبية وسياسية لدعم الانقلاب على الشرعية القانونية والدستورية والرئيس المنتخب والدستور المستفتى عليه من الشعب, وكان على رأسهم المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة, هذا فضلاً عن غضّ الطرف عن قضايا مفتوحة في تهم تتعلق بفساد مالي منذ أكثر من نصف عام ضد المستشارين أحمد الزند وعبد المجيد محمود وغيرهما من المتهمين بالفساد، تم تجميد جميع التحقيقات المتعلقة بها بعد انقلاب 3 يوليو. هذا ولا يزال يمارس الانقلابيون كل أشكال التنكيل بالقضاة الشرفاء.