قال موقع "ميدل إيست آي": إن "مصر أبلغت الولاياتالمتحدة أن هدف دولة الاحتلال المعلن بإخراج حماس من حكم قطاع غزة هو هدف حرب غير واقعي، وفقا لمصادر مطلعة على الأمر". ويصدر المسؤولون المصريون التحذيرات بانتظام في الوقت الذي ترفض فيه القاهرة المبادرات الأمريكية لتولي دور أمني محتمل في المستقبل في القطاع المحاصر، والدعوات الإسرائيلية لقبول التهجير القسري للفلسطينيين. وتؤكد التحذيرات رغبة مصر في إنهاء سريع للحرب المستعرة عبر حدودها، ولكن أيضا كيف اتخذت القاهرة موقفا أكثر حزما تجاه الصراع مما توقعه بعض المسؤولين الإسرائيليين والغربيين. ويقول خبراء: إن "الضغط الإسرائيلي من أجل التهجير القسري للفلسطينيين من غزة غذى التراجع، لأنه بلور المخاوف المصرية من أن حربا طويلة الأمد هناك يمكن أن تزعزع استقرار منطقة سيناء، مع امتداد محلي بين السكان الذين يدعمون القضية الفلسطينية على نطاق واسع". قال أيمن زين الدين، وهو دبلوماسي مصري كبير سابق، لموقع ميدل إيست آي: إن "الحرب وأعمال إسرائيل وتصريحاتها الأكثر عدوانية ، جعلت مصر ومعظم الدول العربية تعيد التفكير في سياساتها تجاه إسرائيل". وأضاف "لقد أظهر الضغط لطرد الفلسطينيين من غزة، أن إسرائيل يمكن أن تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري". وهدد عبد الفتاح السيسي، الذي يسيطر بإحكام على مصر، بإطلاق العنان لمواطنيه الذين قال: إنهم "سيخرجون ويحتجون بالملايين، إذا طلب منه ذلك ضد التهجير القسري". وقال السيسي هذا الشهر: إن "بلاده أكدت وجددت رفضها التام للتهجير القسري للفلسطينيين وهجرتهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، لأن هذا ما هو إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية". ويقول خبراء: إن "قبول تدفق اللاجئين سيكون مربحا لحكومة السيسي التي تعاني من ضائقة مالية، حيث ورد أن دولة الاحتلال طرحت خطة لشطب ديون مصر الدولية من خلال البنك الدولي والاتحاد الأوروبي الذي يعقدان صفقة محتملة لمساعدة اللاجئين". وقالت ميريت مبروك، مديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط، لموقع ميدل إيست آي: "يمكنك المراهنة على أنه إذا وافقت مصر على ما تريده إسرائيل، فلن تكون في الضائقة الاقتصادية الرهيبة التي هي عليها اليوم، لكن مصر قاومت بشدة، لا أعتقد أن الحوافز المالية ستؤثر عليهم". كما رفضت مصر خطة نشرها موقع ميدل إيست آي في وقت سابق ناقش فيها مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إدارة مصر لأمن قطاع غزة، حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي زمام الأمور، إذا هزمت حماس. وأضاف زين الدين، ليس لدي شك في أن مصر لن تسمح لإسرائيل بالاستعانة بمصادر خارجية لأمن قطاع غزة، هذا من شأنه أن يجعل مصر متواطئة في الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وأكد مجددا أن الخطة ستشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري. سيناء خط أحمر وقال خالد فهمي، الخبير في شؤون مصر بجامعة تافتس: إن "رفض مصر لمزيد من التشابكات في قطاع غزة يكشف عن سوء فهم في دولة الاحتلال والعواصم الغربية لكيفية نظر القاهرة إلى أولوياتها في غزة". ولمصر شبكة من المصالح في القطاع الذي احتلته على مرحلتين بين عامي 1948 و1967 في الماضي، سبقت التوترات في غزة اندلاع العنف بين مصر والاحتلال، بما في ذلك أزمة السويس عام 1956. واليوم، تخشى مصر من أن يؤدي تدفق الفلسطينيين إلى زعزعة استقرار سيناء، حيث أمضت الحكومة سنوات في محاربة تمرد متفاقم بما في ذلك ضد الجماعات المحلية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. كما أن القاهرة تكره السماح بتدفق اللاجئين الذين قد يرون المقاتلين الفلسطينيين يقيمون قواعد لمهاجمة الاحتلال كما فعلوا في لبنان، الأمر الذي قد يؤدي إلى عمل عسكري إسرائيلي مباشر في شبه الجزيرة الصحراوية. وأضاف فهمي لموقع ميدل إيست آي" إن التراجع الذي يواجهه السيسي للتهجير القسري يأتي أولا وقبل كل شيء من داخل الجيش، بالنسبة للجيش المصري، سيناء خط أحمر. انتزعت القاهرة تعهدا علنيا من الرئيس جو بايدن بأن الفلسطينيين في غزة لن يتم تهجيرهم، لكن الإشارة الرئاسية إلى مخاوف مصر كانت أيضا اعترافا بدور القاهرة في الحرب التي دخلت الآن أسبوعها الخامس، كما يقول الخبراء. وتسيطر مصر على معبر رفح، وهو المدخل الوحيد إلى غزة الذي لا تسيطر عليه دولة الاحتلال مباشرة، إنه الممر الرئيس لإدخال المساعدات الدولية إلى غزة وإخراج الرعايا الأجانب المحاصرين، وربطت مصر تعاونها في استخراج الأجانب بتسليم المساعدات. وقال كريم حجاج ، أستاذ في كلية الشؤون الدولية والسياسة العامة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، ل"ميدل إيست آي": إن "الأولوية القصوى لمصر في الوقت الحالي هي تحقيق وقف لإطلاق النار وتعزيز المساعدات الإنسانية في غزة لدرء احتمال النزوح القسري" . ملف غزة وتدير المخابرات العسكرية المصرية ملف غزة وتحتفظ بعلاقات مع حماس، وترتبط مصر بعلاقة حساسة مع الجماعة التي تعود جذورها إلى جماعة الإخوان المسلمين. وأضاف حجاج "لقد تمكنت مصر من تجزئة علاقتها مع حماس، هناك قبول فعلي لحماس ككيان حاكم في غزة". ويقول خبراء: إن "السيسي، الذي أدار ملف غزة كرئيس سابق للمخابرات الحربية، ربما يكون على دراية جيدة بالحركة مثل أي من قادة مصر السابقين، وصل إلى السلطة في انقلاب مدعوم من الجيش في عام 2013 على أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر محمد مرسي". كان أحد أول أعمال السيسي هو تضييق الخناق على فتح الحدود المحاصرة التي كان مسموحا بها في عهد الرئيس مرسي. وأجلت حكومته عشرات الآلاف من الأشخاص على جانبها من مدينة رفح المقسمة لتوسيع منطقتها العازلة مع غزة، ومنذ عام 2015، دمرت مصر أكثر من 3000 نفق يؤدي إلى القطاع، وقامت ببناء جدار خرساني مسلح بطول 20 قدما لمنع بناء المزيد. لكن فهمي قال: إن "اندلاع الحرب جاء في وقت مالت فيه حكومة السيسي نحو إدارة العلاقات مع حماس". وقال: "الآن بعد أن اختفت جماعة الإخوان المسلمين بشكل أساسي، أصبح الخطاب الذي تستخدمه حكومة السيسي ضد حماس أكثر دقة، الجيش المصري يعرف أن حماس لها وجود في غزة يتجاوز المقاتلين". ومع تحول القتال في غزة إلى حملة حرب مدن مطولة، ستحتاج دولة الاحتلال إلى تعاون مصري لخنق حماس. وعلى الرغم من حملة القمع التي تشنها مصر ضد الأنفاق، واصلت حماس استخدام الطريق المصري لتهريب الصواريخ بعيدة المدى، وفقا لقادتها، وفي الماضي، اعتمدت الجماعة على صواريخ يعتقد أنها مهربة من اليمن والسودان ومصر. وفي حين أن هذه الشحنات قد جفت، يقول جيش الاحتلال الإسرائيلي: إن "الأنفاق كانت نشطة في الفترة التي سبقت هجوم 7 أكتوبر، وأن حماس قد تحاول شن هجمات جديدة على الاحتلال عن طريق التسلل إلى البلاد من الجانب المصري من الحدود". لم يحظ دور مصر الأمني بالعباءة والخنجر بنفس الاهتمام الذي حظيت به قوافل المساعدات، لكن الخبراء يقولون إنه سبب رئيسي وراء توقف إدارة بايدن عن الضغط الإسرائيلي من أجل التهجير القسري. وقال مبروك ، من معهد الشرق الأوسط ، لموقع "ميدل إيست آي"، "أعتقد أن الناس بدأوا يدركون أنه من الحماقة تجاهل مصر، كل ما على مصر فعله هو ألا تكون صديقة لإسرائيل بشأن التعاون الأمني وستصبح الحياة صعبة للغاية بالنسبة للإسرائيليين". 'مستعدون للتضحية بالملايين' وفي الوقت الراهن، تمكنت مصر من الاستفادة من العلاقات مع كل من حماس والاحتلال لكسب استحسان كلا الجانبين. وفي الشهر الماضي، شكرت دولة الاحتلال مصر على لعب دور رئيسي في إطلاق سراح رهينتين إسرائيليتين تحتجزهما حماس، ويعتقد أن الجماعة تحتجز 242 رهينة، لكنها تقول إن أكثر من 60 منهم مفقودون بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، أثنى الزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، على مصر لرفضها التهجير القسري للفلسطينيين. ومن جانبها، لا تزال مصر بحاجة إلى حماس للمساعدة في الحفاظ على الأمن على الحدود. في عام 2008، فجرت حماس ثغرات في سياجها مع مصر وسمحت لآلاف الفلسطينيين بالتدفق إلى سيناء في تحد للحصار الإسرائيلي للقطاع. وقال الرئيس المصري حسني مبارك المدعوم من الجيش آنذاك إنه أعطى الأمر بالسماح لهم بالدخول لتناول الطعام وشراء الطعام، ثم يعودون، طالما أنهم لا يحملون أسلحة. وفي الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء بحكومة السيسي مصطفى مدبولي لزعماء القبائل والعسكريين في سيناء: إن "الحكومة مستعدة للتضحية بملايين الأرواح لضمان عدم تعدي أحد على أراضينا". ويقول خبراء: إن "تركيز القاهرة على إدخال المساعدات إلى غزة مدفوع بشكل مباشر بمخاوف لتجنب تكرار ما حدث في عام 2008 وهو ما قد يضع جيش السيسي في موقف غير مريح لمواجهة الفلسطينيين الذين يتضورون جوعا من الحصار الإسرائيلي". وحتى الآن لم تسمح إلا لبعض الفلسطينيين الجرحى بعبور الحدود، وأغلق المعبر يوم السبت بعد أن أصيبت سيارة إسعاف في قطاع غزة بغارة إسرائيلية. "ليال بلا نوم في القاهرة" ومثل غيره من القادة العرب، حاول السيسي الانحياز إلى موقف شعبه من الاحتلال، واتخذ قرارا نادرا بالسماح بالاحتجاجات، وفي علامة على المخاطر شق بعض المتظاهرين طريقهم إلى ميدان التحرير في القاهرة وهم يهتفون بشعار احتجاجات الربيع العربي عام 2011: "عيش وحرية وعدالة اجتماعية". وقال مبروك: "بغض النظر عن مستوى المصريين الذين تتحدث معهم – بما في ذلك السيسي – هناك تعاطف حقيقي مع الفلسطينيين". لكن الاحتجاجات سلعة غير معروفة، ما يبدأ كشيء لدعم فلسطين يمكن أن يتغير كثيرا، أنا متأكد من أن شخصا ما يقضي الكثير من الليالي بلا نوم في إدارة هذا . وقال حجاج، من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة: إن "القاهرة تتعرض لضغوط متضاربة من دولة الاحتلال والولاياتالمتحدة وحماس والجمهور، إنها رقصة حساسة بالنسبة لمصر، لكن الحكومة تمكنت حتى الآن من تحقيق التوازن الصحيح". وتشكل الحرب مخاطر على السيسي، لكنها تشكل أيضا مكافآت محتملة مع اقتراب المنقلب من الانتخابات الشهر المقبل وسط أزمة اقتصادية حادة وإحراجات دبلوماسية في الخارج. تحقيق مكاسب مالية قبل النزاع، تورطت حكومة السيسي في تحقيق فساد زعم أن الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، روبرت مينينديز، تلقى رشاوى مقابل التأثير على المساعدات العسكرية للقاهرة. ووسط ضجة بشأن القضية وسجل مصر في مجال حقوق الإنسان، منع خليفته بن كاردان 235 مليون دولار من المساعدات الأمنية. لكن في الأسبوع الماضي، اتخذ منتقدو مصر في الكونغرس، بمن فيهم السناتور الديمقراطي كريس ميرفي، خطوات لتعزيز العلاقات بين القاهرةوواشنطن، ودفعوا بما وصفه مسؤول أمريكي سابق بأنه تأكيد سريع بشكل استثنائي لسفير واشنطن الجديد في مصر. وقال جوناثان كوهين، سفير الولاياتالمتحدة السابق في مصر، لموقع ميدل إيست آي: "شهدت العلاقات بين الولاياتالمتحدة ومصر صعودا وهبوطا، ولكن كلما اندلعت التوترات في غزة، فإن الولاياتالمتحدة تتطلع إلى مصر". وأضاف "لقد أكدت الحرب، وهدف واشنطن لاحتواء الصراع، على مركزية مصر في السياسة الأمريكية في المنطقة". وقال ريكاردو فابياني من مجموعة الأزمات الدولية: إن "مصر تبدو في وضع جيد لانتزاع صفقات اقتصادية من الغرب رغم رفضها قبول اللاجئين الفلسطينيين". ويعتقد أن الولاياتالمتحدة وأوروبا قد تضغطان على صندوق النقد الدولي لتخفيف متطلباته بشأن الإصلاح الاقتصادي في مصر حيث تتطلع القاهرة إلى زيادة قرضها من البنك من 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار. وسبق أن قلصت مصر مكاسبها الاقتصادية وسط الحروب في الشرق الأوسط، في عام 1991، تمكنت من تأمين الإعفاء من نصف ديونها المستحقة للولايات المتحدة وحلفائها البالغة 20.2 مليار دولار مقابل الانضمام إلى التحالف ضد العراق في حرب الخليج الثانية. وقال فابياني: إن "معظم ديون مصر هذه المرة مملوكة للقطاع الخاص، لذا فإن القاهرة ستبحث عن مزايا في تعزيز ائتمانها وإبرام اتفاق لمساعدة اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، ويمكن لدول الخليج أيضا ترحيل ودائعها في البنك المركزي المصري". وقال فابياني: "رسمت مصر خطوطها الحمراء ورأت أنها تحظى بالاحترام، والآن يشعر الجميع بالذعر من زعزعة استقرار مصر". وقال: "بطريقة ملتوية وغريبة، استفادت مصر من الحرب". https://www.middleeasteye.net/news/israel-palestine-war-riled-israel-gaza-plans-egypt-pushes-back