حذر خبراء اقتصاد من تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار في السوق الموازية إلى أكثر من 50 جنيها في ظل الأوضاع الاقتصادية المنهارة وضغوط صندوق النقد الدولي على نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي. وتوقع الخبراء أن يضطر السيسي إلى القبول بتعويم جديد للجنيه، خضوعا لإملاءات صندوق النقد في ظل تصاعد الديون الأجنبية وتعثر السيسي في سداد أقساط وفوائد الديون، ما أدى إلى توقف مفاوضات الانقلاب مع الصندوق . وأكدوا أن السياسات الاقتصادية التي بتبناها نظام الانقلاب تسبب ضررا بالغا للمواطنين، بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار وتراجع القيمة الشرائية للجنيه . سعر صرف مرن من جانبه قال معهد التمويل الدولي إن "تبني نظام الانقلاب سعر صرف مرن بشكل كامل هو الحل للأزمة الراهنة وتقليل الضغوط الخارجية على الاقتصاد وإعادة بناء الاحتياطي النقدي الأجنبي". وأكد معهد التمويل أن تبني سعر صرف مرن دائم والقضاء على السوق الموازية ستكون ضمن الإجراءات التي يتعين على صانعي السياسات اتخاذها لإعادة بناء الاحتياطي الأجنبي، وقد يؤدي خفض إضافي لقيمة العملة إلى تراجع العجز التجاري وتقييد الواردات مع تعزيز الصادرات غير البترولية، والسماح أيضا لتحويلات العاملين بالخارج بالتعافي إلى مستويات العام المالي 2022/2021 بينما تتقلص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازية إلى خفض الاحتياجات التمويلية . وتوقع زيادة كبيرة في الاستثمار الأجنبي المباشر في العام المالي 2024/2023 إذا ما تم تبني سعر صرف مرن، والذي سيلعب دورا أساسيا في تمويل العجز في ظل غياب استثمارات الأموال الساخنة، موضحا أن توقعات تباطؤ النمو العالمي هذا العام، ستؤدي إلى تقويض عائدات الصادرات والسياحة وقناة السويس، في حين أن انتعاش الواردات من شأنه أن يتسبب في تدهور سريع في الميزان التجاري. وحذر معهد التمويل من أن هذه العوامل ستؤدي إلى اتساع عجز الحساب الجاري لنحو 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
فجوة دولارية وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالعزيز أن هناك فجوة دولارية بين إيرادات دولة العسكر وإنفاقها من الدولار تخطت حاجز ال 50 مليار دولار خلال عام، مشيرا إلى أن تلك الفجوة صنعتها سياسات السيسي الاقتصادية، التي تهدر الثروة الدولارية على أوجه إنفاق غير مجدية، وأغلبها غير معلن، كالإنفاق على السلاح والتسليح الاستراتيجي . وكشف عبدالعزيز في تصريحات صحفية أن ما يزيد الأزمة أن هناك فسادا كبيرا بأركان دولة العسكر، حيث امتلاك عدد محدود من قادة الجيش وأجهزة أمن الانقلاب ثروات مهولة يحولونها بالدولار للخارج، إما لأبوظبي أو إلى الملاذات الآمنة . وقال: فوق ذلك، يأتي الإنفاق على العاصمة الإدارية الجديدة بعشرات المليارات من الدولارات، وأيضا محطة الضبعة النووية، ومشروعات (المونوريل)، و(القطار الكهربائي)، و(القصور الرئاسية)، وغير ذلك مما لا نعلم عنه شيئا . وأضاف عبدالعزيز، إن كل ما سبق جعل هناك فجوة دولارية بين إيرادات دولة العسكر وإنفاقاتها من الدولار، فعانت الشركات والمصانع من صعوبة شراء الدولار من البنوك لاستيراد احتياجاتها وارتفع سعر الصرف بالسوق السوداء متجاوزا ال 40 جنيها . وأشار إلى أن كل هذه الأوضاع جعلت الضغط على الجنيه كبيرا، وحكومة الانقلاب أمام ضغوط صندوق النقد ودول الخليج لتحرير سعر الصرف، وبيع أصول دولة العسكر، بدعوى عدم تأثر رصيد احتياطي النقد الأجنبي، وحتى تلبي الشركات والمصانع احتياجاتها، ويعود المال الساخن بسعر صرف مجدي وسعر فائدة مرضي. وكشف عبدالعزيز، عن إهدار حكومات السيسي لثروة الشعب الدولارية، والتي تمثل غطاء أساسيا للجنيه، في ظل واردات تجاوزت ال 90 مليار دولار، ولا يوجد إنتاج محلي يغني عنها أو حتى عن 5 بالمئة منها، لافتا إلى أن ما قاله السيسي، مؤخرا من أن سعر الصرف أمن قومي، لا يمكن الاقتراب منه إذا كان سيؤثر على حياة المصريين هو فقط للاستهلاك المحلي، ولتخفيف ضغط السوق على الدولار، ويشبه ما قاله عام 2016، بأن الأسعار لن ترتفع مهما حدث للدولار، ولن يحدث شيء للدولار وبعدها بشهور قليلة، ارتفع سعر الصرف من 7.8 جنيه إلى 20 جنيها للدولار، وتجاوز التضخم وقتها 35 بالمئة . وخلص إلى القول: إن "أصل المشكلة؛ هي في النظام نفسه وسياساته وطمعه الشديد وفساده، مؤكدا أنه لا حل لهذه الأزمات ولكل ما تعانيه مصر إلا برحيل السيسي وعصابة الانقلاب". البنك الدولي وتوقع الدكتور علاء السيد استشاري تمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية وصول الدولار إلى 50 و60 و 100 جنيه فى ظل الأوضاع الاقتصادية المنهارة التي تعيشها مصر في زمن الانقلاب، مؤكدا أن الإجراءات الاقتصادية كافة؛ كتحرير سعر صرف الجنيه وإلغاء الدعم ورفع أسعار الخدمات والسلع والمشتقات البترولية والكهرباء والمواصلات وغيرها، التي أشرفت عليها مجموعة البنك الدولي طوال نحو 10 سنوات مضت، أضرت ضررا بالغا بالمواطنين . وحول رفض السيسي لتعويم الجنيه مجددا إذا كان سيضر بالمواطن، أكد السيد في تصريحات صحفية أن تصريحات السيسي غير قابلة للتنفيذ، في ظل سيطرة صندوق النقد الدولي والشركاء الدوليين والإقليميين على القرارات الاقتصادية والمالية والنقدية في مصر . وأوضح أن سعر الدولار في السوق الموازي البالغ 40 جنيها ليس حقيقيا، بل هو أقل من السعر العادل، والقيمة الشرائية الحقيقية للجنيه المصري أقل من ذلك، لكن الركود يمنع تفاقم زيادة سعر الدولار؛ فالقوة الشرائية للجنيه مرتبطة بحجم الدخل القومي وحجم التدفقات بالعملة الأجنبية ورصيد الذهب واحتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي المصري، متوقعا ألا يتم التعويم وفق آليات العرض والطلب . وحذر السيد من أن حكومة الانقلاب إذا أصرت على تعويق التعويم، فإن السعر في السوق الموازية ربما يصعد نحو 43 و 44 جنبها وعندها ربما ستضطر حكومة الانقلاب والبنك المركزي لتحريك السعر الرسمي نحو 33 و 34 و 35 جنبها تدريجيا على مراحل، ومن ثم وعلى التوازي أتوقع أن يرتفع السعر في السوق الموازي نحو 45 جنيها للدولار أو أكثر . مأزق حقيقي وأكد الدكتور أحمد ذكر الله أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر ؛ أن حجم الفجوة التمويلية الكبيرة تحتم التعويم في نهاية المطاف. مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الاقتصاد المصري هي التي دفعت نظام الانقلاب إلى تعويم الجنيه أكثر من مرة، ولكن هذه المرة، فإن الوضع اختلف . وقال ذكرالله في تصريحات صحفية: "بعد أن توقفت الدول المانحة الإمارات والسعودية والكويت، عن ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري، الذي تعود الحصول عليها طوال السنوات الماضية، أصبح سعر صرف الجنيه في مأزق حقيقي". وأوضح أن تحول دول الخليج من مانح إلى مشتر زاد الضغوط على الجنيه؛ لأن المشتري يريد أن يرى الجنيه عند أقل مستوى حتى يدخل لشراء الأصول المملوكة لدولة العسكر، مشيرا إلى أنه تم تسريب أن حكومة الانقلاب تعرض تخفيضات على أسعار الأصول لجذب المشترين المحتملين بأقل من سعر السوق بديلا عن خفض الجنيه . وحذر ذكر الله من أن تخفيض الجنيه سيؤدي إلى حدوث أزمة داخلية؛ لأن مصر مستورد لكل السلع الأساسية وسوف ينتقل الغلاء إلى كل السلع، مؤكدا أن المواطن لم يعد باستطاعته التحمل أكثر من ذلك. ولفت إلى أن دولة العسكر عليها دفع 5 مليارات دولار قبل نهاية هذا الشهر، ورغم أنها حصلت على عدة قروض من مصادر مختلفة (قطر، ليبيا) ربما تقترب من 3 مليارات دولار، الا أنها بحاجة إلى تدبير نحو ملياري دولار، لذلك سوف تضطر إلى تحريك الجنيه أو بيع المزيد من الأصول .