خارج إطار المنطق والسياسة بل والعسكرية، يأتي إعلان قائد الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي لحل سياسي للأزمة الليبية، على طريقة فرعون حينما أعلن عن إسلامه أثناء نهايته وغرقه. وأطلق السيسي، السبت، ما سماه "إعلان القاهرة" لحل الأزمة الليبية، والحفاظ على وحدة واستقرار الأراضي الليبية ومقدرات شعبها، وذلك عقب استقباله الجنرال الليبي "خليفة حفتر"، ورئيس مجلس نواب طبرق "عقيلة صالح". وادعى السيسي، خلال مؤتمر صحفي بقصر الاتحادية، أن "إعلان القاهرة" بمثابة رسالة إلى العالم، ويتضمن رغبة أكيدة في إنفاذ إرادة الشعب الليبي في الاستقرار والبناء، والحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها، ووضع مصلحة ليبيا فوق أي اعتبار. احترام الجهود الأممية! ويتضمن "إعلان القاهرة"، حسبما زعم "السيسي"، احترام كافة الجهود الأممية لحل الأزمة الليبية في إطارها السياسي، ووقف إطلاق النار خلال 48 ساعة في عموم الأراضي الليبية، وتفكيك المليشيات، وتسليم أسلحتها إلى الجيش الوطني الليبي (مليشيا حفتر)، وطرد المرتزقة الأجانب إلى خارج البلاد. كما يتضمن الإعلان، استكمال أعمال مبادرة (5+5) برعاية الأممالمتحدة، وضمان تمثيل عادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاثة لإدارة الحكم في ليبيا للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وإجراء انتخابات نزيهة، وتوزيع عادل وشفاف على كافة المواطنين، دون استحواذ أي مليشيات على أي من مقدرات الليبيين، وإطلاق إعلان دستوري ينظم العملية السياسية في البلاد. ولفت "السيسي" إلى تطلع مصر إلى تعاون كل الدول لمساندة هذه الخطوة البناءة لعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الليبي، ودعوة المنطقة الشرقية بالتوجه إلى الأممالمتحدة في جنيف بحضور ممثلي الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي ودول الجوار الليبي. ولم يصدر أي تعليق رسمي من حكومة "الوفاق الوطني"، المعترف بها دوليا، على مبادرة "السيسي"، بيد أنه قبل الإعلان دشنت عملية "دروب النصر"، لتحرير مدن وبلدات شرق ووسط البلاد، في مقدمتها سرت والجفرة من مليشيات الجنرال الانقلابي "خليفة حفتر". هل تنهي العنف؟ وزعم "السيسي" أن إعلان القاهرة عن مبادرة مهمة لإنهاء العنف في ليبيا، يأتي بداية لمرحلة جديدة لعودة الحياة الطبيعية إلى ليبيا، معربا عن سعادته بالإعلان عن المبادرة من مصر، وأنه نتيجة جهود مخلصة طوال السنوات الماضية لرأب الصدع الليبي، والتحذير من خطورة الوضع الراهن في ليبيا ستمتد تداعياته حال استمراره إلى الجوار الليبي والإقليمي والدولي أيضا. وقال "السيسي": "ما يقلقنا ممارسات بعض الأطراف (لم يسمها) على الساحة الليبية والتدخلات الخارجية"، محذرًا من إصرار بعض الأطراف على الحل العسكري للأزمة الليبية. وأضاف: "مصر ترفض التصعيد الذي ينذر بعواقب وخيمة في كامل المنطقة"، وهو موقف جديد على السيسي الذي سبق وأن أعلن أكثر من مرة أنه سيستمر في دعم حفتر لردع الانقلاب وتحرير طرابلس من المليشيات المسلحة، بحسب زعمه. وزاد: "لا يمكن أن يكون هناك استقرار في ليبيا إلا بوحدة وسلامة المؤسسات الوطنية، لتكون قادرة على الاضطلاع بمسئولياتها تجاه الشعب الليبي، والحفاظ على الثروات الليبية لأبناء الشعب الليبي، وتأكيد أن استقرار ليبيا جزء لا يتجزأ من استقرار مصر". فات الميعاد وفور إطلاق السيسي إعلانه، سادت بين الأوساط السياسية سخرية كبيرة إزاء الطرح الذي حاربه السيسي طوال سنوات انقلاب حفتر ودعمه العسكري له، وجاءت العودة للحل السياسي في وقت يواصل حفتر ومليشياته الهزائم والانسحاب من المدن الليبية، وترحيب سكان مدن الوسط والشرق والغرب بحكومة الوفاق وقواتها، التي سعت طوال سنوات للحل السياسي إلا أن حفتر رفضه مرارا وتكرارا في روسيا وفي برلين وفي كل المناسبات والفعاليات الدولية. واعتبر مراقبون أن مبادرة السيسي هي محاولة لإنقاذ حفتر المهزوم، بل ومحاولة لفرض شروط المنهزم على المنتصر، ومطالبة المنتصر والمعترف به دوليا بتسليم أسلحته للعسكر المهزوم الذي لم يتورع سابقا في قصف المدنيين وضرب المشافي والمدارس والمدن الليبية!. بل إن الأدهى أن الأسلحة المصرية والإماراتية التي استولت عليها قوات الوفاق خير شاهد على إجرام السيسي، حيث بثت مواقع ليبية وعربية فيديوهات عدة، منها 67 دبابة مصرية من نوع رمسيس المطورة، وطائرة إماراتية عسكرية، ومدافع هاوترز وغيرها. قبل أن يشن هجوما على تركيا، ويقول إن "الأتراك يريدون احتلال ليبيا، فالتدخل التركي في ليبيا سيؤدي إلى استمرار الصراع أكثر في ليبيا". وطلب "حفتر" من "السيسي"، التدخل لإيقاف تركيا عن نقل الأسلحة والذخيرة والإرهابيين إلى الأراضي الليبية، حسب قوله. وزعم أن الخطر التركي ليس على ليبيا وحدها، لكن يمتد لدول الجوار، مضيفا: "تركيا تريد حصار ليبيا ومصر من خلال الاتفاق الذي وقعته مؤخرا مع ما تسمى حكومة الوفاق"، داعيا إلى حوار داخلي بمشاركة كل الأطراف لتشكيل مجلس رئاسي ليبي، وتشكيل حكومة وطنية وتوحيد المؤسسات المنفصلة في ليبيا. وتؤكد تركيا أنها تدعم "حكومة الوفاق"، الحكومة المعترف بها دوليا، وفق طلب من الأخيرة، واتفاقية أمنية موقعة معها. بينما أكدت تقارير أممية تدفق أسلحة من عدة دول، بينها الإمارات ومصر وفرنسا؛ لدعم عدوان مليشيا حفتر" على العاصمة طرابلس. وعلى الرغم من هروب قوات حفتر لأكثر من 600 كيلو متر شرق العاصمة طرابلس، بعد الهزائم المتلاحقة حتى سرت، زعم عقيلة صالح متوهما: "مصممون على طرد المليشيات من العاصمة الليبية، وسنبدأ بعمل دستور ليبي يمهد لإجراء انتخابات، دون إقصاء أحد". القاهرة تدعم الانقلاب! وتعتبر القاهرة من أكثر الداعمين ل"حفتر" في هجومه الذي بدأه قبل أكثر من عام على العاصمة طرابلس، وانتهى بهزيمة وانسحاب كامل من العاصمة وحدودها. والجمعة، احتضنت القاهرة اجتماعا ضم "حفتر" و"صالح"، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، في ظل خلاف مستمر بينهما، منذ إعلان مجلس نواب طبرق، في 25 مايو الماضي، رفضه إعلان "حفتر" تنصيب نفسه حاكما على ليبيا، وإسقاط الاتفاق السياسي لعام 2015. وبدعم من دول عربية وأوروبية، تشن مليشيات "حفتر"، منذ 4 أبريل 2019، هجوما فشل في السيطرة على العاصمة طرابلس. ومُنيت مليشيا "حفتر"، في الفترة الأخيرة، بهزائم عديدة على أيدي الجيش الليبي، الذي أعلن في وقت سابق الجمعة، عن تحرير مدينة ترهونة الاستراتيجية، الواقعة على بعد 90 كلم جنوب شرق طرابلس، غداة الإعلان عن استكمال تحرير العاصمة. ويرى خبراء أن طرح السيسي إعلانه للتقريب السياسي بين الليبيين، لم يشر من قريب أو بعيد لحكومة السراج المعترف بها دوليا، والتي أفرزتها الاتفاقات الأممية في الصخيرات المغربية، وهو "استهبال وعته سياسي" لا يمكن وصفه إلا بشغل "عوالم"، إذ كيف سيفرض السيسي رؤيته السياسية فيما يغيب الطرف الأكثر قوة والأكثر اعترافا وشرعية على المستوى الدولي!، والذي يطالبه السيسي بتسليم سلاحه للمنهزم حفتر، الذي كسر قواعد التواصل والاتفاق السياسي سابقا، وهرب من كل الاستحقاقات السابقة والمقررة قانونًا وعرفًا، ولم يذعن إلا بعد هزائمه وهروبه لأكثر من 600 كلم بعيدا عن العاصمة التي كان يحاصرها لمدة عام.