عندما تتزايد ضغوط الحياة، يلجأ المرء إلى قسط من الاسترخاء، حتى يعاود نشاطه من جديد، فيبحث عن الوسائل التى تساعده على ذلك علّه يتخفف نفسيا من ثقل المسئوليات التى قد تصل بالبعض إلى القلق والتوتر والمرض النفسى أحيانا. وهنا ينصح الأطباء النفسيون بالاستماع إلى الموسيقى، أو قراءة الروايات والأشعار، أو تغيير الجو المحيط بالسفر والتمتع بالهدوء والصفاء الذهنى. ولكن يأتى شهر رمضان الكريم ليكون بمثابة الطبيب النفسى الذى ننتظره كل عام حتى نزين نهارنا بصيامه وليلنا بقيامه وأوقاتنا بالذكر والقرآن، ونجدد علاقتنا الأسرية، ونحلى أخلاقنا بالصبر والتراحم، وعندما نحرص على تناول هذه الجرعة من الأدوية الربانية بانتظام طيلة الشهر وبعده فسوف ننعم بالشفاء من كافة الأمراض النفسية. الصوم وقاية وكما أن للصوم فوائد لجسم الإنسان فإنه يمتعه أيضا بالصحة النفسية كما يؤكد د. زكريا عبد الحكم، أستاذ الأمراض النفسية والعصبية، وهذا ما أخبرنا به الحديث الشريف عن أبى هريرة -رضى الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصوم جُنّة، فإن كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إنى صائم إنى صائم، والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى، الصيام لى وأنا أجزى به، والحسنة بعشر أمثالها). وهنا تأتى التعليمات النبوية للصائمين كما يضيف عبد الحكم، بضبط النفس والتحلى بمكارم الأخلاق، فالجو الإيمانى فى رمضان يمنح للمرء الإرادة على أن يتحكم فى رغبته للطعام والشراب والشهوات طوال ساعات الصيام، وأن يملك جماح نفسه ويتكيف مع ظروف الحياة من الجوع والعطش والتعب، ويمتلك قدرة أكبر على تحمل التكاليف والصبر على سلوكيات الناس. علاج سلوكى ويضيف عبد الحكم أن الاجتماع على الطاعات والعبادات فى شهر رمضان يقوى العزائم ويزيد التنافس الطيب بين الناس ويطهر الجميع من التشاحن والحقد والحسد، وإلى جانب شحن الرصيد الإيمانى تتحقق الطمأنينة والأمان ((أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))، وترتقى النفس بعدما تخفف صاحبها من شهواته الحسية التى تجذبه إلى الدنيا وتلهيه عن الآخرة، وهذا هو خير علاج لكل ما يلم بالإنسان من أمراض بدنية ونفسية. ويشير إلى أن الغاية من الصوم كما وضحها الله عز وجل هى التقوى وهى: (الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل)، وهذا يعد بمثابة علاج سلوكى معرفى للمرء بعد انقضاء الشهر، فاستمرارية الإنسان فى اللجوء إلى الله عز وجل فى السراء والضراء، والشعور بمعيته، والدعاء والتضرع له، كل هذا يفتح باب الأمل أمام النفوس حتى تعرف لماذا وجدت فى الحياة وما هو مصيرها، فتعيش بالتفاؤل ونشر الخير، ولتشعر فى النهاية بالرضا والراحة النفسية.