أكد خبراء سياسيون أن مطالبة قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسى من الشعب والجيش بمنحه التفويض للترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة تأتى ضمن البدع السياسية الجديدة التى ابتدعها قائد الانقلاب لفرض سياسة القمع والاستبداد وتحقيق مآربه الشخصية. وكان السيسي قد قال خلال الندوة التثقيفية التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة السبت الماضى : "إذا ترشحت فيجب أن يكون بطلب من الشعب وبتفويض من جيشي"، وزعم أن الرئاسة ليست له مطلبًا ولكنه يريد أن يؤدي دورًا وطنيًا يبعد البلاد عن شبح التقسيم والاقتتال. وأوضح الخبراء أنه لم يحدث فى تاريخ مصر أن أحداً طلباً ما يسمى بالتفويض الشعبى للترشح إلا فى ظل الانقلاب العسكرى، فهو إن صح القول بدعة سياسية غير متعارف عليها فى العلوم السياسية وعلى مستوى العالم، إلا فى النظم الديكتاتورية والاستبدادية، مشيرين إلى أنه من المعروف أن كلمة التفويض تعنى إسناد السلطة أو المسئولية لشخص آخر لتنفيذ أنشطة معينة، وهو أحد المفاهيم الأساسية في عمليات القيادة الإدارية، ويظل الشخص المفوِّض للعمل مسؤولًا عن نتائج العمل المفوَّض به. وأشاروا إلى أن المرة الأولى التى ترددت فيها كلمة "تفويض" عندما طلب فيها السيسى فى الأيام الأولى للانقلاب العسكرى وتحديداً فى 24 من يوليو الماضى من الشعب النزول إلى الميادين لمنحه التفويض لمحاربة الارهاب والعنف قائلا:" أنا أطلب من المصريين طلبا يوم الجمعة لا بد من نزول كل المصريين الشرفاء الأمناء ليعطونني تفويضا وأمرا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل". واتخذ السيسى من هذا التفويض ستارا لقمع مناهضى الانقلاب ومؤيدى الشرعية والتخلص منهم تحت دعوى "محاربة العنف والإرهاب"، وفى يوم 26 يوليو نزل عدد من مؤيدى السيسى إلى ميدان التحرير وأدعت وسائل الإعلام الانقلابية وقتها عن نزول عدد كبير من الشعب المصري لتفويض السيسى وهذا كان مخالفا وعلى عكس ما هو موجود على أرض الواقع. وبالفعل ارتكبت ميليشات السيسى مجزرة "المنصة" أو ما يُعرف بالنصب التذكارى ضد المتظاهرين فى ميدان رابعة العدوية والتى راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، وها هى المرة الثانية التى يطل علينا فيها قائد الانقلاب ويطلب تفويضا لاختياره رئيساً بدلا من إجراء الانتخابات ضاربا بكل قيم الديمقراطية عرض الحائط. وأشددوا على أن مطالبة السيسى هذه تدل على الارتباك الشديد الذى يعانى منه الانقلاب، خاصة أنه لم ينتظر بما ستستفر عنه نتائج الاستفتاء على وثيقة دستور الدم، موضحين أنه بطلبه التفويض يقضى على فرصة التنافس فى الانتخابات ويعد نوعا من تجاوز المسار الديمقراطى، لافتين أن ذلك الطلب يعبر عن خشيته من الترشح دون ضمان، إلى جانب خوفه من الدخول فى منافسة سياسية غير مضمونة خاصة وأن ترشحه يتطلب التنازل عن منصبة كوزير للدفاع والذى يمثل له حصانة وفى ظل إمكانية وجود منافسين له من العسكر، بالإضافة إلى انعدام الثقة بين العسكر وبعضهم البعض. بدعة الانقلابيين بداية يقول الدكتور أحمد تهامى- الباحث فى الشئون السياسية- إن مطالبة السيسى للجيش والشعب لتفويضة للترشح للانتخابات الرئاسية نوعا من التجاوز للمسار الديمقراطى المتعارف عليه عبر صناديق الاقتراع وبالانتخابات ووفقا لإرادة الشعب، موضحا أن تصرف السيسى هذا ما هو إلا محاولة لفرض نفسه إلى جانب أنه يقضى على الفرصة التنافسية من خلال الانتخابات. ويضيف تهامي:"طلب التفويض هذا يعبر عن خشية السيسى الترشح بدون ضمان؛ إذ أنه إذا ترشح بصفته المدنية هذا يعنى أنه سيخسر منصبه كوزير للدفاع والذى يمثل له حصانة، بالإضافة إلى أنه فى هذه الحالة سيدخل فى إطار منافسة سياسية غير مضمونة، وربما يكون هناك منافسين آخرين من المؤسسة العسكرية مثل أحمد شفيق وسامى عنان ومراد موافى". وتابع:"مطالبة السيىسى بالتفويض الشعبى بدعة سياسية غير معروفة فى أى نظام ديمقراطى فى العالم ولم تعرفها تنظيرات العلوم السياسية حيث يمثل تجاوزا لكل قيم الديمقراطية، فضلا عن أنه يضرب بإرادة الشعب عرض الحائط ويعد تقليد معروف للسلطة الاستبدادية"، مؤكدا أنه يستغل بعض التحركات الشعبية فى الشارع المصرى ويوظفها لصالح خدمة وجودة كزعيم ومرشح. وأشار تهامي إلى أن الوضع فى مصر فى ظل النظام العسكرى الحاكم منذ 1952 كان يقوم على شخص واحد ورئيس مستبد يملك كل السلطات وكان هذا يتم من خلال الاستفتاء، بمعنى أنه لم تكن هناك منافسة من قبل، فالرئيس كان يورث السطلة لخليفته العسكرية فالسادات تسلمها من عبد الناصر ومبارك تسلمها من السادات"، موضحا أن السيسى يريد أن يعيد هذا الوضع الذى قامت لإنهائه ثورة 25 من يناير. الارتباك الشديد من جانبه يوضح المحلل السياسى مدحت ماهر- المدير التنفيذى لمركز الحضارة للدراسات - أن المشهد الحالى يكتمل ويتضح أكثر ليبين لكل مخدوع من قبل أو مغيب أن المسألة ببساطة انقلاب عسكرى يريد قائده أن يصل إلى سدة الحكم. ويشير إلى أن مطالبة السيسى التفويض الشعبى فى هذا التوقيت يدل على حالة الارتباك التى يعانى منها هذا المعسكر لدرجة أنه لا يستطيع أن ينتظر بما ستستفر عنه نتائج الاستفتاء على وثيقة الدم، لافتا إلى أنهم وصلوا إلى لدرجة من الاختناق تجعلهم يسعون لإنهاء مسألة خارطة الطريق. ويضيف "ماهر" :" يبدو أن هناك لعبة تُجرى لتجاوز مسألة الانتخابات الرئاسية بحيث يكون اختيار الرئيس ما بين التفويض الشعبى وتأييد الجيش وبين الاستفتاء"، مشيرا إلى أننا نتعامل مع نظام انقلب على ثورة 25 من يناير بل إنه ينقلب على القشرة القمعية التى كان يقوم عليها نظام مبارك. ويؤكد أن هذا المطلب يعد من أكبر نقاط التحول للنظام الانقلابى الذى بدأ يسفر عن وجهه، موضحا أن ذلك يعد إجهاض لكل ما هو يسمى ثورة قامت من قبل، لافتاً إلى أن التفويض غير متعارف عليه إلا فى النظم الفرعونية والديكتاتورية ويُستهجن من جميع دول العالم، مشدداً على أن ترشح السيسى للانتخابات الرئاسية لابد أن يسبقه تخليه عن منصبه كوزير الدفاع ويبقى دون منصب لمدة 4 أشهر، وفى ظل هذه المدة لا توجد سيكولوجيا تتحملها. وتابع:" طلب التفويض هذا ينُم عن عدم الثقة بين العسكر وبين بعضهم البعض"، مؤكدًا أنه يسعى إلى فرض نظام قمعى بات غير مقبول وهذا النظام سقط ولم يبق َ إلا سقوط النظام الأمنى الذى لن يستمر طويلا، مشددا على أن تفويضات السيسى هى الأولى من نوعها ولم تشهدها مصر منذ نشأت الجمهورية الجديدة. الفرض القسرى وبدوره يقول عبد الحميد بركات- نائب رئيس حزب الاستقلال- إن طلب السيسى التفويض الشعبى يجعل الجيش حزبا سياسيا؛ إذ أن الذى يترشح لابد أن ينتمى لحزب سياسى ومن المفترض أن تكون القوات المسلحة بعيدة كل البعد عن السياسة ومهمتها الأولى الدفاع عن البلد والحدود. ويضيف:"السيسى أقحم الجيش فى السياسة وجعله فى مواجهة الشعب، بمعنى أنه لو ترشح أى فرد سيكون فى مواجهة الجيش وهذا لا يمكن أن يعقله عاقل ولا يقبل به منطق أو ديمقراطية"، موضحاً أن السيسى منذ انقلابه على الشرعية ويتبع سياسة فرض الأمر الواقع على الشعب المصرى مستخدما القوة والقمع، مؤكدا أنه طالما أراد أن يترشح سيترشح، منوها إلى أنه فى هذه الحالة ستُجرى انتخابات شكليه ليكون شكله جميل أمام العالم بمعنى أنه سواء تم انتخابه أم لا سيكون الغلبة له، وهذا سيعيد مصر لما كانت عليه فى عهد المخلوع مبارك. ويستطرد قائلا" هذه هى المرة الأولى فى تاريخ مصر التي يحدث أن يطلب وزير الدفاع تفويض الشعب والجيش لدخوله الحياة السياسية"، مشيرا إلى أن مَنْ سيفوض السيسى هم مجموعة 30 يونيو وليس كلها، وستقوم وسائل الإعلام بتقديمها بأسلوب تزويرى وتقول أن الشعب فوضه.