شهد لقاء الأهلي مع الترجي التونسي أحداثا مختلفة سواء داخل أرض الملعب أو في المدرجات وهو ما يمكن تحليله عن طريق خمس أفكار. الفكرة الأولى: من الناحية الفنية جاءت النتيجة معبرة تماما عن مستوى الأهلي حاليا أمام الترجي الذي يعيش واحدة من أفضل فتراته خلال العقد الجاري، فالأهلي حاليا لا يملك المهاجم القناص القادر على تحويل الفرص التي سنحت في الشوط الثاني تحديدا إلى أهداف تدمي قلب الترجي فنيا ولا يملك حارس المرمى القادر على عدم ارتكاب خطأ فادح لمدة 90 دقيقة! وعموما فحالة الأهلي اليوم ليست أسوأ من حالته عام 2001 عندما مر إلى النهائي عن طريق محطة الترجي في تونس لكن لا ننسى وقتها التوفيق الكبير في سيناريو المباراة سواء من توقيت تسجيل هدف الترجي وهدف الأهلي ثم تألق الحضري، ولذلك فالأمل موجود إما بدفاع لا يتقبل هدفا واحدا طوال 90 دقيقة أو بهجوم يسجل مرة واحدة فيحمي دفاعه ويصعب مهمة أصحاب الأرض. الفكرة الثانية : هناك حالة غضب واسعة بين المصريين بسبب الأفعال التي ارتكبها مشجعو الترجي في المدرج الخاص بهم وتحديدا اعتدائهم على أحد رجال الأمن مما أدى لحالة غضب تابعتها بنفسي في ردود أفعال المصريين بمختلف انتماءاتهم الكروية. وبهذه المناسبة أود التقدم باقتراح في منتهى الجدية إلى اتحادات كرة القدم في دول مصر وليبيا والجزائروتونس والمغرب – وهي الدول التي تكون اتحاد البلاد التي لا تطيق بعضها كما ذكرنا سابقا - بمنع سفر المشجعين وراء فرقهم في أي من الدول الخمس وذلك تجنبا للمشاكل. فمجموعة المشجعين التي ترافق الفريق الضيف لا تتجاوز ثلاثة آلاف شخص على الأكثر، وبالمقارنة بجمهور صاحب الأرض صوت تشجيعها غير مسموع وغير مؤثر ودائما ما يتسبب الانفلات العصبي في ارتكابها أفعالا مشينة تؤدي لتعريضها للاعتداء بواسطة رجال الأمن أو تتسبب في إحراج دولتها بمظاهر متخلفة كالتي شهدنا في ملعب القاهرة، فالأهلي يسافر دون جمهوره والترجي أو الرجاء أو الاتحاد الليبي بسافر دون جمهوره أيضا و"يا مدرج مدخلك شر". وسيكون من المفيد لو تم إلغاء كافة الأنشطة المتعلقة بكرة القدم أو اللعبات الجماعية كالسلة واليد والطائرة اللهم إلا في المواجهات الرسمية والاكتفاء بالتنافس في الباليه المائي والجمباز و"شيكا على العالي" و"شيكا على الواطي" و"عنكب" و"تيرو" وما إلى ذلك من ألعاب تهدف للرقي بالنفس والسمو على الذات الداخلية للإنسان العربي والمصري. الفكرة الثالثة : قد نتفق على وصف تحطيم جمهور الترجي لمدرجه في ملعب القاهرة بالهمجية لكننا لا نتفق أبدا في الانجراف في هجوم غير مبرر على الشعب التونسي أو على الدولة الشقيقة وهذه الفكرة كنت أرغب في كتابتها في مناسبات سابقة لكن لم تسنح لي الفرصة، فمن خلال خبرة في التعامل مع مواطنين وأصدقاء من الجزائروتونس والمغرب وبالطبع مصر بلدي توصلت إلى أن هناك أجيال كاملة من هذه الدول لم يسبق لها التعارف أو حتى تبادل الحديث إلا من خلال مدرجات ملاعب كرة القدم والتي تضم دوما جماهير عصبية وشباب يتراوح عمره بين ال15 وال25، يسيطر عليه الحماس والغضب مع فرصة ضائعة أو قرار تحكيمي غير موفق. وبالتالي فمن الظلم أن أحكم على الشعب المغربي بالكامل بسبب عينة شاهدتها تلفزيونيا في ملعب "مركب محمد الخامس" أو الشعب التونسي بسبب عينة في مدرج في "رادس" أو حتى الشعب المصري بسبب عينة "نزلت شوارع المهندسين والجزيرة للتقاتل وتبادل الضرب".
تيرو وعنكب بالتأكيد ستسمو بنفوس شبابنا وإذا حكمت على تصرفات شعب كامل بسبب سلوكيات مشجعيه فسيكون من الضروري أن أحكم على تصرفات جميع المواطنين المقيمين في الإسماعيلية بسبب سلوكيات جمهور الإسماعيلي أو المواطنين القاهريين بسبب تصرفات ألتراس الأهلي والزمالك. بل ربما أكشف عن سر حينما أفصح لأصدقائي من القراء عن متابعتي لمبارتي مصر والجزائر في القاهرة وأم درمان نوفمبر 2009 خلال وجودي في دولة المغرب ضمن أحد المؤتمرات العربية وكان رفاقي في الغرفة جزائريين، وجمعت المشاركين المصريين والجزائريين صداقة شديدة، وأذكر كيف تبادلنا تهنئة الفائز والتعبير عن التضامن مع الخاسر في المباراتين بمنتهى التحضر بل وبالأحضان دونما ضغينة، ليعود كل طرف إلى بلده ويحدث ما حدث إلى درجة أدت لقطيعة بين الدولتين فيما لم تنقطع صلات الود بين الأفراد حتى اليوم. ولذلك من الضروري أن نلقي الضوء في الإعلام على التصرفات التي ارتكبها جمهور الترجي بل ونطالب فريقهم بتعويض ملعب القاهرة ماديا ومحاسبة المعتدين جنائيا إن ثبت تورطهم في التخريب، لكن دونما أن يمتد هذا إلى باقي أفراد الشعب التونسي والذي يشترك مع نظيره المصري في أشياء عديدة ليس من بينها حب الأهلي أو حب الترجي، وربما إذا سمح لي القراء بشرح العلاقة المتشابكة (لماذا يحبوننا ولماذا يكرهوننا) بين مصر والشعوب العربية في مقال آخر من واقع تجارب عشتها في الولاياتالمتحدة وأوروبا والعالم العربي فسأفعل دون تردد. الفكرة الرابعة: أشعر بالحيرة في الحكم على قدرة الأمن المصري على السيطرة على أمور كثيرة، ففي بعض الأحداث التي تقع في الشارع المصري أشعر أن الأمن قبضته من الحديد وما أن تكون هناك محاولة لإحداث فوضى أو ما يوصف من جانب المعارضة بال"تعبير عن الرأي بصورة سلمية" حتى تجد جحافل من الضباط والجنود وسيارات أمن مركزي تكفي لشن حرب، وفي أحداث أخرى أشعر بسوء تقدير، فبعض أفراد جمهور الترجي ظلوا ينهالون بالضرب على فرد من رجال المطافئ دون أن نشعر أن هناك تدخلا حازما أو أن هناك خطة لإخلاء المدرج أو توقع أن يقوم الضيوف بإثارة الشغب وأعمال التخريب رغم أنها ليست المرة الأولى ومعروف أن لقاءات أندية مصر ودول شمال إفريقيا تحفل بالتوتر والانفلات العصبي. فأين هم زملاء "الراجل الغلبان" الذي تعرض للضرب أم أن التدخل هنا تحكمه حساسية أن المعتدي "أجنبي وضيف عربي" .. أرجو ألا يكون التفسير الأخير هو الصحيح حتى لا يطلب المشجعون والمتظاهرون المصريون الحصول على الجنسية التونسية. الفكرة الأخيرة : لا أدري لماذا شعرت بتناقض شديد بعد تسجيل محمد فضل هدف الأهلي الأول بطريقة غير شرعية ثم سجوده لله شكرا؟ .. هل يعبر هذا الهدف عن شيء ما يحدث في مصر؟ تابعوني على تويترhttp://twitter.com/nasry أو على فيس بوك http://www.facebook.com/people/Nasry-Esmat/529965924