النتيجة النهائية للاستفتاء على الدستور أن مصر انقسمت إلى فريقين مهما قيل من مبررات تبدو فى ظاهرها ديمقراطية، من حتمية وجود أغلبية وأقلية، مثلما هو الحال فى كل المجتمعات المتقدمة. المسألة مختلفة فى المجتمع المصرى، لأن المجتمع يعانى من مرض الانقسام منذ سقوط نظام مبارك إلى الآن، مما يجعل من الصعب بناء أية تجربة ديمقراطية. فى كل خطوة يقوم بها المصريون لبناء نظامهم الديمقراطى يتجذر الانقسام، كما حدث فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011م، ثم الانتخابات البرلمانية ومؤخراً الانتخابات الرئاسية التى ظهر فيها بوضوح انقسام مصر إلى شطرين، ومهما حاولنا أن نبحث عن مبررات للانقسام فإن الواضح أن هناك خلافاً جذرياً بين نموذجين؛ أحدهما يقدمه الإسلام السياسى باختلاف فصائله وتشكيلاته، والثانى تلتفُّ حوله القوى السياسية المسماة المدنية. يمثل هذا المشهد الانقسام الحقيقى الذى يعرفه المجتمع المصرى منذ أكثر من قرن، إلى أن بلغنا المرحلة الأخيرة من الحسم. الإشكالية الحقيقية أن حسم الانقسام يأتى فى وقت تعانى فيه النخبة السياسية والثقافية -باختلاف أطيافها- من تراجع شديد، نتأملها فى المواقف والتصريحات، والحركة على أرض الواقع، مما يجعل من الصعب بروز قيادات سياسية أو فكرية على الجانبين الإسلامى والمدنى تستطيع تقريب الفجوات، والخروج بنظام سياسى يحقق الحد الأدنى من مطالب الطرفين، وهى الصيغة التى خرجت بها ثورة 1919م فى دستور 1923م الذى جعل الدِّين مرجعية، دون أن يكون ذلك على حساب الطبيعة الديمقراطية المدنية للنظام. يعزز الانقسام الضارب فى المجتمع زيادة معدلات غياب الثقة بين مختلف الأطراف، والتجاذب الشديد، والخفة فى التعامل مع قضايا مفصلية إلى الحد الذى جعل المواطن العادى - من غير أهل السياسة- مضطرباً مشوشاً، لا يعرف الصواب من الخطأ. يكفى أن تُقلب قنوات فضائية فى المساء حتى تشاهد أحاديث متناقضة يصدرها الجانبان. مصر منقسمة، ولا يبدو فى الأفق أنها يمكن أن تتوحد سياسياً مرة أخرى فى القريب، وكان من مهام مؤسسة الرئاسة أن تتجاوز الاستقطاب السياسى، وتعمل على توحيد المصريين من خلال الالتقاء على أرضية مشتركة، لكن ذلك لم يحدث، ودخلت هذه المؤسسة نفسها طرفاً فى الاستقطاب، والأكثر أصبحت فى عداء مع مؤسسات أخرى فى الدولة، ويتضح ذلك فى البيان الذى أصدره بالإنجليزية مساعد رئيس الجمهورية للشئون الخارجية، متهماً فيه المحكمة الدستورية، وكاشفاً ودالاً على أزمة الدولة المصرية، فى بنيتها وتكوينها، بما لم يحدث فى أى مرحلة سابقة. للأسف بدلاً من أن يشكل الدستور الجديد مجالاً لبناء توافق بين المصريين يعبر بهم إلى مرحلة بناء المؤسسات الديمقراطية، إذ به يدفع بهم فى اتجاه الانقسام، ويجذره، ويجعل المسألة تتجاوز الخلاف السياسى بين فرقاء إلى امتحان شرعية النظام القائم، مما يفتح الباب أمام المجهول، والعنف، وكل الممارسات والخطابات التى تفتقر إلى أى معنى.