يبدو أن البعض فى الساحة السياسية بات يؤمن إيماناً راسخاً بأن السياسة لا أخلاق لها، وأنه يجوز له استخدام كل الوسائل للوصول لأهدافه بغض النظر عن مشروعيتها الأخلاقية فضلاً عن القانونية، وإلا فكيف يمكن فهم الأحداث المخزية التى جرت عصر الأربعاء الماضى على أبواب قصر الاتحادية؟ وكيف يمكن تفسير المشاهد البشعة التى رأيناها من اعتداءات وضرب وسحل للمعتصمين أمام القصر والتى قام بها المدافعون عن «الشرعية»؟ المشهد بالنسبة لى يمثل سقوطاً أخلاقياً مدوياً ومروعاً، صدر عمن يعتبرون أنفسهم أصحاب دين وأهل فضيلة، وهو مشهد فوضوى بامتياز يهدم أركان الدولة من أساسها ممن يرون فى أنفسهم مدافعين عن الشرعية، والأخطر فى هذا السياق هو إصرار قادة جماعة الإخوان المسلمين على الإنكار وعدم الاعتذار وتكذيب ما عشناه بأنفسنا ورأيناه بأعيننا، بل وتوريط رئيس الجمهورية فى المشهد المخزى حين خرج علينا بعد طول انتظار ليسقط من روايته المشهد الافتتاحى الأساس فى الأحداث ويحدثنا عن مؤامرة وطرف ثالث ومجرمين اعترفوا، لم تمض سويعات قليلة حتى أفرجت النيابة عن جميعهم عدا أربعة. ومشاهد الأربعاء الماضى فى رأيى لا تنفصل عن مجمل سلوك ما اعتدنا تسميته بالتيار الإسلامى، وهى تثير قلقاً مشروعاً تسرب لدى الجميع منذ استفتاء مارس 2011، وقد نبهت له فى غير مكان فى شهر أبريل من العام نفسه، وتساءلت عما يريدون وأبديت تخوفى من تحولهم إلى حزب وطنى جديد، من حيث الرغبة فى الاستحواذ على السلطة، واستخدام كل الوسائل المتاحة لذلك بغض النظر عن أخلاقيتها. ويعلم الإخوة والأصدقاء فى التيار الإسلامى أننى عن قناعة كاملة كنت وما زلت من المدافعين عن حقهم فى المشاركة الطبيعية فى الحياة السياسية والاجتماعية، فهذا حق لهم وليس مِنة من أحد، وعندما انطلقت شرارة ثورة يناير وأثناءها تلقيت العديد من الملاحظات من كثيرين منزعجين من التحاق الإسلامين بالمشهد الثورى، وأعنى التحاق الإخوان المسلمين بالثورة فى يوم الغضب، أو دخول السلفيين على المشهد السياسى بعد تنحى الرئيس المخلوع، وكنت -وما زلت- أومن بأن أحد أهم إنجازات ثورة يناير سيكون استيعاب التيار الإسلامى بشكل طبيعى فى التجربة الديمقراطية الوليدة، وقلت وما زلت أقول إنها أهم علامات صحة الثورة. لكننى الآن قلق، ليس على الثورة وانتصارها، فهى ستنتصر فى النهاية، ولكن على التيار الإسلامى وقدرته على الاندماج فى المشهد السياسى المصرى وقلقى مصدره أن التيار الإسلامى يقدم أوراق اعتماده للشعب المصرى وحركته السياسية بأنه منحاز لصحيح الدين وقويم الأخلاق، بينما ممارسات بعض ممثليه تنال من كليهما، ومسار العملية السياسية منذ استفتاء مارس وحتى الآن يدل على ذلك، فالمراوغة فى تشكيل الجمعية التأسيسية والتدليس فى كتابة الدستور واعتماد العنف اللفظى والبدنى وسائل أساسية فى مواجهة الخصوم يؤشر على ذلك. والسؤال الآن بعد كل هذه الأحداث التى نالت من ثقة الجميع فى نوايا التيار الإسلامى وأدائه، كيف يمكن لنا أن نوافق على استفتاء على دستور فى ظل الإدارة الحالية للبلاد وفى غياب كامل لضمانات نزاهة عملية الاستفتاء؟