أصوات سيارات الإسعاف لم تكن تكف عن العويل، المصابون يتدفقون، يحملهم رفقاؤهم، خرجوا معهم لنفس السبب، سواء معارضة الرئيس أو تأييد الرئيس، الدماء تغرق أصحابها، عشرات المصابين ينتظرون دورهم فى العلاج، الأولوية للحالات الخطرة، الأهالى يتوافدون محملين بالأدوية والمعدات الطبية البسيطة، استجابة لنداء طاقم طبى مختلف التخصصات، يساعدهم عشرات المسعفين والمساعدين، هكذا تسير الأمور داخل ثلاثة مستشفيات ميدانية، أُنشئت فى الساعات الأولى للاشتباكات الدامية التى وقعت أمام قصر الاتحادية، بينما فشلت محاولات الأطباء فى إقامة مستشفى رابع بسبب شدة الاشتباكات، التى لم تمكن الأطباء من القيام بعملهم فيها، كما يؤكد الدكتور رامى جابر، إخصائى جراحة، موضحاً أن الهدم كان مصيرها واستهداف طاقمها الطبى وهو ما دفعنا إلى الاكتفاء بالثلاث عيادات. المستشفى الميدانى الأول، الذى كان أكثر جاهزية لاستقبال المصابين، بسبب بعده عن أماكن الاشتباك، تم إنشاؤه بالكنيسة الإنجيلية بشارع كليوباترا بمصر الجديدة، يتكون من 15 طبيبا تتنوع تخصصاتهم ما بين جراحة وعيون وباطنة، يساعدهم 20 مسعفا و10 مساعدين، افترش فناء الكنيسة 11 سريرا خُصصت لاستقبال المصابين، كل سرير يشرف عليه طاقم طبى يتكون من طبيب ومسعف ومساعد. الدكتورة ماجدة الجمل، استشارى الباطنة والمسئول عن العيادة، تؤكد استقبال أكثر من 80 حالة حتى منتصف الليل، تتنوع الإصابات، كما تحددها، بين الرصاص الحى والخرطوش والبلى فى الرأس والصدر والقدم، وجروح قطعية فى فروة الرأس، واختناقات وضيق فى التنفس. أمير أحمد، شاب ثلاثينى مصاب بطلق خرطوش فى البطن وجرح فى الرأس، الدماء تكسو ملامح وجهه، وتغرق ملابسه بقعة دماء تعلن عن مكان الإصابة، يتحدث بصعوبة بالغة للإجابة عن طبيعة إصابته، قائلا: «كنت وسط المتظاهرين وأثناء الهتافات وقعت الاشتباكات، التى كان نصيبى منها الإصابة برصاصة فى بطنى، وقبل أن أتحرك لأترك مكانى بمساعدة من حولى، كانت الحجارة تتساقط فوق رؤوسنا، حتى فقدت الوعى ولم أشعر بنفسى إلا وأنا هنا». وتحدد الدكتورة ماجدة الجمل، المسئولة عن العيادة الميدانية، الإصابات بطلقات الرصاص كالتالى: إصابة واحدة بالرصاص الحى فى الفخد، وتمكنا من إسعافها، ونقلها إلى مستشفى كليوباترا، 10 حالات إصابة بالخرطوش فى أماكن متفرقة فى الجسم، بينما الحالات المصابه بالبلى كانت كثيرة ولم نتمكن من إحصائها، وحالة واحدة مصابة بقطع كبير فى الفخد بآلة حادة «سنجة»، وانحصرت باقى الحالات، كما تقول الدكتورة ماجدة، فى الجروح القطعية والاختناقات، موضحة أنهم قاموا بعلاج خمس حالات من الإخوان المسلمين الذى اعترفوا بأنهم يؤيدون مرسى. وبمنديل تغير لونه من الأبيض إلى الأحمر، يسعى سامح موافى، ذو ال25 عاما، إلى إزالة آثار الدماء التى ترسم تضاريس وجهه قمحى اللون، أثناء انتظار دوره لإسعافه، سبب الإصابة، كما يحدد «المنتظر» لمن يداوى جرحه، قذفه بأحد الحجارة فى الرأس، أثناء الاشتباكات التى تستنزف دماء المصريين وسيدفع ثمنها من يدعى أنه رئيس لكل المصريين، على حد قول سامح، دقائق من الانتظار تنتهى بتخييط جرحه ثلاث غرز يخفيها الطبيب بالقطن والشاش المحكم باللصق الطبى. على بُعد أمتار قليلة من الاشتباكات يقبع المستشفى الميدانى الثانى بشارع الخليفة المأمون، وتحديدا داخل بنزينة موبيل، حيث الاشتباكات المتواصلة من السادسة مساء وحتى الساعات الأولى من صباح الخميس، واستقبل المستشفى الميدانى 134 حالة، تتنوع الإصابات ما بين الإصابة بالرصاص «الحى والخرطوش» والجروح والاختناقات، كما يؤكد الدكتور سامى النجار، موضحاً أن المشكلة التى تعانى منها العيادة هى النقص الشديد فى الأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة خيط الجروح، والمطهرات، موضحاً أن الفترة التى اشتدت فيها الاشتباكات بعد العشاء قامت جميع الصيدليات فى المنطقة بغلق أبوابها خشية التعرض للاعتداءات. بينما العيادة الثالثة والأخيرة التى كانت فى مدخل إحدى العمارات بالقرب من كلية البنات، يعمل بها طاقم طبى يتكون من 5 أطباء و6 مسعفين و4 مساعدين، بخلاف اللجنة الشعبية التى تنظم عمليات الدخول ولا تسمح لغير المصابين بالدخول، وقامت بإسعاف أكثر من 100 حالة، كما يؤكد سامر جمال، أحد الأطباء بالعيادة، مضيفا أن العيادة استقبلت 6 حالات إصاباتها خطيرة وتم تحويلها إلى مستشفى منشية البكرى. من جهة أخرى، استقبل مستشفى كليوباترا 26 حالة بينهم 3 فى حالة خطيرة، كما يؤكد أحد الأطباء بالمستشفى، بينما استقبل مستشفى هليوبوليس 167 حالة، 90 حالة تم تحويها إلى مستشفى منشية البكرى، كما يقول مدير المستشفى الدكتور ميلاد إسماعيل، وتوفى منها حالتان هما محمد السنوسى على «22 سنة»، من الوايلى، وهانى سند الإمام «32 سنة»، من محافظة الدقهلية، الاثنان بطلق نارى. كما قام العشرات من سيارات الإسعاف التابعة لوزارة الصحة والهلال الأحمر المنتشرة فى محيط الاتحادية وخلف طرفى الاشتباكات بعلاج المئات من حالات الاختقان والجروح والكدمات.