لست فى حاجة للتفتيش عن تلك القنوات كثيراً، يكفى أن يستوقفك هؤلاء الشيوخ الذين تعلو أصواتهم مستبيحين دماء مسلمين آخرين يختلفون معهم فى مذهبهم، سنى يُكّفر شيعياً وشيعى يُكّفر سنياً، وكلا الطرفين خطابهما تحريضى يؤجج الفتن ويثير الصراع بين المذهبين، عشرات القنوات التى تبث من داخل مصر وخارجها تحمل أفكاراً متطرفة وتبث سموماً تثير الخلافات والفتن. فضائيات تحرض على الاقتتال وتثير الفتن بين أصحاب المذهبين القنوات السنية ومنها «الرحمة والناس والحكمة والأثر والحافظ والمجد والفجر»، وغيرها تحرض بشكل صريح على قتل أصحاب المذهب الشيعى لأنهم يهينون الصحابة، وقناة «وصال» التى تبث من لندن وتتحدث باللغة الفارسية تحث الإيرانيين على الانقلاب على نظامهم والاقتتال من أجل إحياء المذهب السنى والقضاء على المذهب الشيعى، كذلك قناة «صفا» التى يمكن وصفها ب«الأكثر تشدداً فى الدفاع عن المذهب السنى»، والتى كُشف مؤخراً أنها ملك خالد العصيمى، أحد أثرياء الكويت. على الجانب الآخر تزخر الشاشات بقنوات شيعية ومنها «أهل البيت والأنوار والكوثر والمسيرة والمعارف والمهدى وفدك»، تستبيح دماء أهل السنة وتدعو للقصاص منهم، بعضها يبث من داخل العراق والآخر يبث من خارج البلاد العربية، وبحسب ما رصدته قناة «بى بى سى» فى أحد برامجها فإن قناة «فدك» الشيعية، التى تبث من لندن ويتزعم برامجها الشيخ ياسر الحبيب، لا تجد غضاضة فى مقاتلة السنيين من أجل الدفاع عن المذهب الشيعى، وحسب القناة البريطانية، فإنه من الصعب الوصول إلى الأصحاب الحقيقيين أو الممولين لمثل هذه القنوات. الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسى والرأى العام بجامعة القاهرة، قال إن هذه القنوات ظهرت بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، إذ تنوعت القنوات العراقية تحديداً وحرصت كل جمعية سنية أو شيعية على إنشاء قناة فضائية تتحدث باسمها وتنقل الخطب الدينية والسياسية لقادتها، وبمرور الوقت تعددت مذاهب القنوات الفضائية فى مصر واليمن وغيرها من الدول العربية، وحرصت على تدريب متخصصين للتحدث باسمها، لتحرض فى خطاباتها على العداء فى بعض الدول: «لا شك أن هذا الخطاب الدينى غير مهنى وله طابع دعائى قد يصل إلى التحريض وتعظيم الفتن بين الأطراف». وحسب «العالم» فإن بعض القرارات السياسية تساهم فى خلق حالة من التمييز بين السنة والشيعة فى الدول العربية، ومع كثرة القنوات وتنافسها أصبح لكل قناة مؤيدون ومناصرون فتعاظم دورها فى خلق حالة التفرقة، وقال «العالم» إن الخطاب التحريضى لهذه القنوات يأخذ سلوكاً جمعياً، فالمكان له هيبة ومكانة ويرتبط بقضايا دينية وتجمعات جماهيرية، ويرتبط بخلفيات غير مرصودة، بمعنى أن المضمون الشيعى أو السنى الذى يبث من قنوات عراقية مثلاً خلفياته غير موجودة عند رجل الدين المصرى، فيتم الاقتناع به دون فهم مدلولاته، وهنا يصبح السلوك الجمعى فيه حالة من الهستيريا، والتأييد المطلق.