مبروك على مصر البرلمان الجديد، وهناك دستور جديد، يعنى جديد فى جديد، والمفروض أن يتطلّع الشعب المصرى إلى تجربة ديمقراطية ناجحة وإلى استقرار سياسى يعم البلاد. ولكن الواقع يقول إن هناك مشاكل فى تشكيل أعضاء البرلمان وأعباء ثقيلة تنتظره، بالإضافة إلى تهديدات ليل نهار بحل البرلمان. ولقد جاء تشكيل البرلمان بما يعكس حقيقة الديمقراطية الكائنة فى الشارع المصرى، ديمقراطية ناشئة تعوقها طموحات حزبية مشروعة ولكن لا أساس كافياً لها فى الشارع المصرى. ديمقراطية شهدت تدخلات حكومية صريحة لاستقطاب بعض الوجوه التى تعتقد أنّها داعمة لها فى قائمة «حب مصر» التى فازت باكتساح غريب جميع المقاعد المخصصة للقوائم. والأحزاب الممثلة فى البرلمان لديها عدد محدود من النواب، باستثناء ثلاثة أحزاب لها نسب معقولة من الأعضاء، وأعلى النسب التى تصل إلى 11% وهى من نصيب حزب المصريين الأحرار. ومن النواب من تم اجتذابه لهذا الحزب أو ذاك بالمال السياسى، وهو فى الواقع لا يؤمن بأيديولوجية الحزب ولا يؤمن بسياساته، وهؤلاء النواب سيمثلون عبئاً على هذه الأحزاب فى العمل البرلمانى. بمعنى صريح أن معظم الأحزاب الممثلة فى البرلمان تفتقد العدد الكافى والواعى من النواب والمطلوب ليعكس أيديولوجيتهم الحزبية ويحقق نجاحاً لأدائهم النيابى. وهذا التشرذم لا يخدم النظام السياسى ولا يخدم العمل البرلمانى بل سيعوقه، ولا يخدم طموحات شعب مصر الذى انتخب هذا البرلمان. والبرلمان المصرى يفتقد ما يسمى بحزب الأغلبية أو حزب الأكثرية، ويفتقد أيضاً أحزاب معارضة حقيقية، ويمتلئ بالمستقلين بعيداً عن أى انتماءات حزبية أو أيديولوجية، وليس معروفاً هل المستقلون من المؤيدين أم المعارضين. والحقيقة أن تجربتنا الديمقراطية الناشئة لا يتوافر لها تعريف شافٍ لمن هو المؤيد ومن هو المعارض، ومع من أو ضد من، ولا يستطيع أحد بسهولة أن يفرق ما بين من هو داعم للنظام أو للحكم ومن هو مناهض أو معارض له. والكل يتساءل ويتعجّب كيف سيدار هذا البرلمان، ومن هو الشخص الذى يقدر على إدارته للخروج به إلى بر الأمان، وذلك فى تجربة ديمقراطية ناشئة بعد 4 سنوات من ثورات وعدم استقرار. إن البرلمان نتاج ديمقراطية وليدة تحتاج بلا شك إلى رعاية لتنمو، وتحتاج إلى الصبر للتعامل معها، وتحتاج إلى تفهم من القيادة السياسية لتستوعب أخطاءها المتوقعة وتعمل على تصحيح مسارها، وإلا ستكون المحصلة خسارة لنا جميعاً. وتجرى الآن داخل كواليس البرلمان تدخلات لتشكيل ائتلاف داعم للدولة، واسم الائتلاف نفسه خطأ ومسىء لأن جميع النواب يدعمون الدولة وذلك كشرط أساسى للوطنية والمواطنة. والرئيس، فى رأيى، وتبعاً للدستور الجديد، لا يحتاج دعماً من المجلس إلا فى بعض القرارات السيادية لأنه منتخب من الشعب مثله مثل كل أعضاء المجلس، لكن الدعم المطلوب من المجلس هو للحكومة وكان من المفروض تشكيلها من حزب الأغلبية أو من ائتلاف بقيادة أحد أحزاب الأكثرية. ولذلك يبرر البعض هذا الائتلاف بأن الرئيس هو الذى عين الحكومة، وأن هدف الائتلاف حماية الحكومة لدعم الرئيس، وأن دعم الرئيس هو دعم للدولة المصرية. وهناك تفسير آخر يقول إن الائتلاف نفسه يطمع فى تشكيل الحكومة من أحزاب الائتلاف فى مرحلة لاحقة. من ناحية أخرى تدل معظم المؤشرات على أن الخلافات والاختلافات بين أعضاء الائتلاف وأحزابه سوف تظهر مع أول استجواب أو مناقشة مشروع قانون أو تقارير اللجان النوعية، وسوف يتحلل هذا الائتلاف تدريجياً مع استمرار جلسات البرلمان، ولكنه مفيد فى إقرار الثقة بالحكومة فى بداية جلساته. والبرلمان سوف يناقش برنامج الحكومة وخططها وطرح الثقة بها، فهل ستستمر الحكومة بتشكيلها الحالى بدون تغيير أم تتم تعديلات عاجلة وضرورية قبل افتتاح جلسات البرلمان؟ إن تعديل التشكيل الحكومى قد يجنبها تطرق النواب إلى العديد من القضايا المجتمعية التى لم تُبلِ الحكومة فيها بلاءً حسناً، وقد يساعدها فى الحصول على ثقة البرلمان وتجنب مواجهات صعبة. والبرلمان سوف ينظر فيما تم تشريعه من عشرات القوانين فى غياب البرلمان وفيما تم توقيعه من اتفاقيات دولية عديدة. وهناك قوانين الاستثمار والخدمة المدنية والإرهاب والتظاهر وأمثالها قد تحتاج لمناقشات تفصيلية وقد تستغرق وقتاً طويلاً، وهناك اتفاقيات مهمة تحتاج إلى تدقيق وتحليل ومناقشة مثل إعلان مبادئ سد النهضة. وهناك العديد من مشاريع القوانين التى سوف تقدمها الحكومة للبرلمان للنظر فيها وإقرارها، وهناك تشريعات أخرى سوف يقترحها البرلمان نفسه لتفعيل الدستور الجديد ومواده. إن الملف التشريعى فى هذه الدورة البرلمانية قد يكون الأكثر طولاً وتعقيداً مقارنة بأى دورات برلمانية سابقة، وقد يستهلك معظم أجندة البرلمان. فهل ستكون المهمّة التشريعية الصعبة للبرلمان على حساب دوره الرقابى المهم للحكومة. ستكون هناك قرارات حكومية برفع أسعار الخدمات وأخرى لترشيد الدعم، وقد تتطلب وقتاً طويلاً من المناقشات البرلمانية لكونها تمس القطاع الأكبر من الشعب، وسوف يتبارى الأعضاء فى طرح آرائهم تحسباً للصوت الانتخابى فى المرات المقبلة. وسوف تكون هناك عدة اتفاقيات لقروض ضخمة سوف تستهلك وقتاً كبيراً من المناقشات ما بين معارض ومؤيد حول حجم القروض وشروطها وأوجه إنفاقها. وهناك الميزانية السنوية المقبلة للدولة التى من المفروض تقديمها للبرلمان قريباً، وكذلك تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات. ومن المتوقع أن تكون ساخنة فى غياب البرلمان لمدة ليست بقصيرة، وفى ظل مظاهر للفساد لا تخفى على أحد، وفى ظل حكومة لم تتعود على الحساب والمراقبة البرلمانية لعدة سنوات. والبرلمان ملىء بوجوه إعلامية عديدة ومن مدارس فكرية متباينة، وستكون هذه الوجوه محل تركيز إعلامى شديد، وستتحول معظم برامج التوك شو إلى متابعة ما يحدث فى البرلمان، وستحظى قناة «صوت الشعب» بأعلى مشاهدة وقد تمثل فرصة للنهوض بالتليفزيون الحكومى ككل، و«أبلة فاهيتا هتاكل عيش جامد» فى المرحلة المقبلة. والحقيقة ليس مستبعداً أن يشهد البرلمان استجوابات قوية مع بداية الجلسات وفى قضايا عديدة منها ما يرتبط باحتياجات المواطنين، ومنها ما يتصل بقضايا أمن البلاد. وسيكون هناك حمل ثقيل على معظم لجان البرلمان مثل الأمن القومى والعلاقات الخارجية والصحة والتعليم والزراعة والرى والإسكان والإعلام. وستكون أهم القضايا التى سيهتم بها البرلمان قضية سد النهضة بعناصرها المتعددة. وأتوقع أن يتم تشكيل لجنة تقصى حقائق لدراسة هذا الملف وتحديد الأسباب الحقيقية لما وصل إليه من أزمات. وأتوقع أنه سيكون هناك تعاون بين البرلمان والقيادة فى هذا الملف ليكون البرلمان قوة دافعة وداعمة للدولة المصرية فى الحفاظ على حقوقها المائية. وأخيراً.. تمنياتى بالتوفيق للبرلمان وأعضائه، فالمهمة صعبة ولكنّها ليست مستحيلة.