فى الحلقة العاشرة من كتابه المهم والخطير «لغز المشير» يتعرض الكاتب الصحفى مصطفى بكرى إلى موقف المشير حسين طنطاوى والمجلس العسكرى من الانتخابات الرئاسية، ورد الفعل بعد نتائج الجولة الأولى منها. أدلى الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل بحديث مهم إلى صحيفة الأهرام كشف فيه النقاب عن استمرار المؤامرة ضد مصر وتأثيرها على الانتخابات الرئاسية. لقد علق هيكل على الأحداث التى شهدها مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود ووزارة الدفاع فى ذلك الوقت فقال: «إن وجود الأيدى الخفية واقع، فالمؤامرة حاضرة دائماً فى التاريخ، ويوم تظهر الحقائق فسوف يتكشف على سبيل المثال حجم الأموال التى دخلت مصر للتأثير على مجرى الأحداث من 25 يناير إلى هذه اللحظة، وهى مليارات الدولارات، فالمشاركة فى تحديد وتوصيف وصياغة مستقبل مصر السياسى والاستراتيجى مسألة تساوى أن يُدفع فيها أى ثمن». كانت تلك كلمات الأستاذ هيكل قبيل إجراء الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية فى 23 و24 مايو 2012. فى هذا الوقت، وفى التاسعة من صباح اليوم ذاته، التقيت الفريق سامى عنان، نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رئيس الأركان، بمكتبه بوزارة الدفاع، ثم انضم إلينا د. حسن راتب، رئيس مجلس إدارة قناة المحور الفضائية، ودار الحوار بيننا حول الدعاوى القضائية التى انطلقت للمطالبة بإصدار إعلان دستورى مكمل، وكان من رأيه أن يبقى الوضع على ما هو عليه، خاصة ما يتعلق بالمادة 56 التى تتضمن سلطات المجلس العسكرى، والمحددة فى عشرة بنود، خاصة أن المجلس يقوم بمهام رئيس الجمهورية لحين انتخابه. وأكد سامى عنان فى هذا اليوم أن الجيش المصرى سيحمى الرئيس المنتخب أياً كان توجهه، وسيدافع عن الشرعية وخيار الشعب أياً ما كان الأمر، وأنه مصمم على أن يبقى على مسافة واحدة من جميع المرشحين. وعندما سأله د. حسن راتب: بماذا تنصحنا؟ ولمن نعطى أصواتنا؟ عاد الفريق عنان ليكرر مقولته: «نحن على مسافة واحدة من الجميع، ولك الخيار»، كان سامى عنان يحدثنا فى هذا الوقت ويطلب رأينا فى شكل الاحتفال الكبير الذى يقترح إقامته فى منطقة غرب القناة لتسليم السلطة للرئيس المنتخب، وكان من رأيه دعوة العديد من قادة العالم لحضور هذا الاحتفال الذى يعقبه تكريم أعضاء المجلس العسكرى التسعة عشر من الرئيس الجديد. وفى هذا اليوم أبلغنا الفريق عنان أنه تم ضم كل من اللواء محمود نصر واللواء ممدوح شاهين إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة رسمياً، حيث كانا يحضران اجتماعات المجلس دون عضوية رسمية، وأن المشير أصدر قراراً بضمهما ليصبح أعضاء المجلس 21 عضواً فى ذلك الوقت. وفى حوالى الثانية والنصف من بعد ظهر ذات اليوم كان لدىّ موعد مع الدكتور كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء، الذى قال إنه مقبل لتوه من اجتماع مع الفريق سامى عنان انتهى فى نحو الثانية ظهراً، وتحدث معه فى ضرورة صدور إعلان دستورى جديد، وقال لى: «لقد قلت له: يجب ألا تُترك السلطة للمجهول، وأبلغته بأننى لن أترك موقعى كرئيس للوزراء لأن دورى لن ينتهى إلا باستقرار الأوضاع»، وقال: «لقد قلت له إن الرئيس المقبل لا يجب أن يتولى الحكم إلا بعد الانتهاء من وضع الدستور»، وقال: «اقترحت مدة شهرين تقريباً للانتهاء من الدستور، بعدها يتولى الرئيس المنتخب مهام السلطة، حتى تكون الأمور قد استقرت فى البلاد». قلت للجنزورى فى ذلك الوقت: «إن البلاد مقبلة على كارثة كبرى إذا فاز محمد مرسى، وإن الأوضاع قد تتداعى، والبلاد قد تتعرض لمشكلات كبيرة». وفى مساء اليوم ذاته اتصل بى الدكتور الجنزورى وقال: «أنا قلق، وأصحابك، يقصد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تحاصرهم الأزمات من كل اتجاه، ولكن نحن فى حاجة إلى قرارات حاسمة»، وتواعدنا على اللقاء مرة أخرى. وقبيل إعلان نتائج المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية كنت أجلس مع المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، فى مكتبه بدار القضاء العالى، وسألته عن النتيجة المتوقعة، فقال لى: إن أحمد شفيق يتقدم الجميع بنحو 160 ألف صوت، يليه محمد مرسى. ذهبت إلى مجلس الشعب فى هذا الوقت لمتابعة الموقف، كانت لدينا جلسة لمناقشة بعض الموضوعات العادية، لكن كانت هناك حالة ترقب لنتائج الانتخابات الرئاسية. وخلال الجلسة أرسلت للدكتور سعد الكتاتنى رسالة وهو يجلس على المنصة قلت له فيها: هناك مؤشرات تؤكد أن أحمد شفيق هو الحاصل على أعلى الأصوات فى الجولة الأولى وبفارق 160 ألف صوت، وفجأة وجدت وجه الكتاتنى قد تغير، واعترته حالة من التجهم، ثم أرسل إلىّ ورقة والجلسة منعقدة، سألنى فيها: من أين أتيت بهذه المعلومات؟ فقلت له: لقد عرفتها من مصدر قضائى، فازداد تجهمه بعد أن قرأ الورقة، وبدا مرتبكاً أثناء إدارة الجلسة. كنت قد تقدمت فى هذا الوقت بطلب إحاطة إلى د. سعد الكتاتنى حول موقف الحكومة من قانون الطوارئ الذى سينتهى العمل به يوم 31 مايو، فقال لى: «كيف تطلب منى أن أناقش أمراً لم يردنى بشأنه شىء لا من الحكومة ولا من المجلس العسكرى؟». فى اليوم التالى، 28 مايو 2012، اتصل بى د. كمال الجنزورى مبكراً وطلب منى أن نلتقى فى مكتبه بمبنى مجلس الوزراء المواجه لمبنى البرلمان فى الثانية عشرة ظهراً، وذهبت إليه فى الموعد المحدد، وتدارسنا لنحو الساعة نتائج الانتخابات الرئاسية التى اتضحت مؤشراتها قبيل إعلانها فى اليوم نفسه، وطلب منى أن أُبلغ الفريق أحمد شفيق الذى سيدخل جولة الإعادة بأن عليه أن يقدم برنامجاً قوياً لجماهير الناخبين فى الجولة الثانية يقوم على اختصار مدة الرئاسة لعامين بدلاً من أربعة أعوام، وأن يعد بنسبة محددة فى المواقع التنفيذية «محافظين ووزراء» لشباب الثورة، وأن يقدم للناس ما يؤكد عدم وجود نية لديه لإعادة إنتاج النظام القديم. كانت مخاطرة من الجنزورى، لكنه كان منذ البداية على يقين من أن مرشح الإخوان إذا ما حقق الفوز فمعنى ذلك أننا سنمضى إلى المجهول. بعد هذا اللقاء اتصلت بالفريق أحمد شفيق هاتفياً وقلت له: «إن صديقنا المشترك الذى فى الحكومة يبلغك برسالة محددة»، وقلت له مضمون الرسالة، فسألنى أحمد شفيق مندهشاً وقال: «ولماذا تختصر مدة الرئاسة إلى عامين؟»، وبدا أنه غير مقتنع بهذا الأمر، فى هذا الوقت عدت للحديث مع سعد الكتاتنى عن حالة الطوارئ، خاصة أنه لم يكن يتبقى على الموعد المحدد لإلغائها أو تجديدها سوى ثلاثة أيام، فقال لى: «أنا لن أرسل طلباً بالمد لمدة شهر فيرفضه المجلس العسكرى، ولذا ليس أمامنا سوى الانتظار»، وفى مساء اليوم ذاته اتصلت بالفريق سامى عنان أسأله عن حالة الطوارئ والموقف منها، فقال لى: ما رأيك؟، قلت له: لا بد أن يرسل المجلس العسكرى إلى مجلس الشعب بما يفيد رفض استمرار حالة الطوارئ بشرط أن تتحملوا مسئولية الأمن كاملة. قال لى الفريق سامى عنان: نحن نبحث الأمر وسنرى، وبعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية مساء اليوم ذاته وانحصار المنافسة بين محمد مرسى وأحمد شفيق، اشتعلت ثورة الغضب فى نفوس عناصر الإخوان وتابعيهم، فقام علاء عبدالفتاح وآخرون من مجموعة 6 أبريل وبعض السلفيين والإخوان بإحراق مقر اللجنة الانتخابية الرئيسى للفريق أحمد شفيق فى منطقة الدقى، كما خرجت مظاهرات فى القاهرة والإسكندرية ودمياط وبورسعيد وغيرها تعترض على نتائج الانتخابات.