فى الحلقة السابعة من كتابه المهم والخطير «لغز المشير»، الذى سيصدر قريباً عن «الدار المصرية اللبنانية للنشر»، يكشف الكاتب الصحفى مصطفى بكرى عن تفاصيل المباحثات التى جرت بين المجلس العسكرى وقادة الأحزاب الممثلة فى البرلمان وعدد من النواب المستقلين، للتوصل إلى اتفاق مقبول بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. فجأة وجد محمد مرسى «الاستبن» نفسه أمام اللجنة الرئاسية للانتخابات تقدم بأوراقه، لم يكن هناك ما يمنع ترشحه، صحيح أنه متهم بالتخابر، وصحيح أنه هرب من سجن وادى النطرون فى إطار مؤامرة شاركت فيها حركة حماس، ولكن حتى هذا الوقت لم يكن محمد مرسى قد قدم للمحاكمة. كان المشير طنطاوى يتحاشى الصدام مع جماعة الإخوان، كان يعرف قوتها جيداً، وكان يدرك أنها قادرة على زعزعة استقرار البلاد، ولذلك كان يضع الأولوية لحماية تماسك الدولة المصرية. صحيح أن ذلك تسبب فى أزمات كثيرة، ولكن فى المقابل كان التبكير بالصراع مع جماعة الإخوان فى وقت كانت فيه الدولة رخوة وجهازها الأمنى قد سقط، بينما كانت لدى الشارع ثقة كبيرة فى جماعة الإخوان، ولديه أيضاً حالة من التربص تجاه المؤسسة العسكرية، كل ذلك كان سبباً رئيسياً فى عدم قدرة المجلس العسكرى على فتح معارك مع جماعة الإخوان والقوى التى كانت تقف معها فى ذات الخندق وتحديداً السلفيين ومجموعات ما سمى بائتلافات شباب الثورة ومجموعة 6 أبريل فى هذا الوقت. عندما عرضت أوراق ترشح محمد مرسى على لجنة الانتخابات الرئاسية، تم تدارس الأمر والاطلاع على الفيش والتشبيه، فتقرر قبول الأوراق من حيث المبدأ ودراستها تفصيلياً بعد ذلك. ومع تصاعد المنافسة الانتخابية، خاصة بين عبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى، جاءت المناظرة التليفزيونية بينهما لتحدث نتائج سلبية لكلا الطرفين، وكان المستفيد من ذلك مرشحون آخرون. لم يكن أحد حتى هذا الوقت يتنبأ بصعود محمد مرسى، فقد كانت كافة استطلاعات الرأى تضعه فى المؤخرة وتتعامل معه كمرشح احتياطى وليس أكثر. كان الإخوان فى هذا الوقت مشغولين بالمشروع المقدم من النائب عصام سلطان، الذى يقضى بالعزل السياسى لرموز النظام السابق بعد أن طلبوا منه ذلك. ففى يوم الاثنين 10 أبريل 2012 تم طرح مشروع القانون فجأة على الجلسة المسائية للمجلس دون إنذار، وكان يترأس الجلسة النائب محمد عبدالعليم داود، وكيل المجلس، الذى أحال المشروع المقدم إلى اللجنة التشريعية لمناقشته فى صباح اليوم التالى. كانت جماعة الإخوان قد أصيبت بحالة من السعار الشديد والذعر الرهيب بسبب ترشح عمر سليمان لمنصب الرئيس، فراحت تعد مشروع العزل السياسى وتدفع بعصام سلطان تارة وعمرو حمزاوى تارة أخرى للتقدم بمشروع القانون أمام البرلمان. كان عمر سليمان قد حسم أمره وقرر الترشح لرئاسة الجمهورية وأصدر بياناً مساء الجمعة 6 أبريل أكد فيه ذلك وقال إنه سينزع العمامة من فوق رأس مصر ويعيد للدولة هيبتها من جديد. وفى جلسة الخميس 16 أبريل 2012 كان الإخوان قد نجحوا فى دفع مجلس الشعب إلى الموافقة على قانون العزل السياسى المقدم، وفى هذا الوقت دعت الجماعة إلى تظاهرات حاشدة فى ميدان التحرير والميادين الأخرى للتصدى لترشح عمر سليمان وأحمد شفيق، وكانت هذه المظاهرات ترفع شعار «حماية الثورة» وتتهم المجلس العسكرى بأنه يقف وراء ترشيح عمر سليمان تحديداً. وقد أثار الاستطلاع الذى أجرته صحيفة «المصرى اليوم» فى هذا الوقت قلق الجماعة حيث تفوق عمر سليمان على كافة المرشحين بفارق كبير يليه د. عبدالمنعم أبوالفتوح. كان الجدل مستمراً فى مجلس الشعب، والمجتمع المصرى حول هذا القانون الذى حذرت من عدم دستوريته، ولم يكن يقف معى فى هذا الموقف سوى عدد محدود من النواب. فى هذا الوقت كانت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قد أنهت مراجعة ملفات كافة المرشحين للانتخابات وقررت استبعاد عشرة من بين المرشحين أبرزهم عمر سليمان وخيرت الشاطر وحازم أبوإسماعيل. وكان استبعاد عمر سليمان قد لقى ارتياحاً واسعاً فى صفوف الإخوان وحلفائهم، ويومها قيل إن استبعاد عمر سليمان جاء مبرراً لقرار اللجنة باستبعاد حازم أبوإسماعيل وخيرت الشاطر، إلا أن الأسباب كانت مختلفة.. صحيح أنه تردد فى هذا الوقت أن المشير لم يكن راغباً فى ترشح عمر سليمان أو أحمد شفيق، إلا أنه أكد أكثر من مرة أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع. فى هذا الوقت بدأ الإخوان يركزون جل غضبهم على الفريق أحمد شفيق، لقد أرادوا أيضاً إبعاده عن الترشح للانتخابات الرئاسية، حتى تتهيأ لهم الأجواء للفوز الساحق من الجولة الأولى. عندما قدم البرلمان مشروع العزل السياسى إلى المجلس العسكرى فى 16 أبريل وهو المشروع الذى طال القيادات الرئيسية للحزب الوطنى «المنحل» والسلطة التنفيذية لنظام مبارك، لم يكن أمام المشير من خيار سوى تقديم المشروع إلى المحكمة الدستورية العليا لتبيان مدى دستوريته. كان حكم المحكمة الدستورية يقضى بعدم الاختصاص استناداً إلى أن الأصل فى الرقابة الدستورية أنها لاحقة وليست سابقة، بما يعنى عودة المشروع مرة أخرى إلى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفى هذا الوقت عاد مجلس الشعب مرة أخرى للتباحث حول رد المحكمة الدستورية، خاصة أن هذا القانون يتعارض مع نص المادة 19 من الإعلان الدستورى والتى تنص على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون». وعندما عرض القانون على المجلس العسكرى انحاز المجلس للرأى القائل بالموافقة على القانون ونشره فى الجريدة الرسمية، فصدر القانون فى 23 أبريل ووجب العمل به اعتباراً من اليوم التالى.