اليوم، وعلى غير عادتى، أتحلل من رسميتى التى حافظت عليها طوال ثلاثين عاماً قضيتها فى مهنة المحاماة، كنت أشعر فيها بالغربة كلما تخلصت من الكرافت والبدلة الرسمية، فطبيعة عملى كانت وما زالت تحتم علىّ وعلى أقرانى ضرورة الحفاظ على المظاهر الرسمية فى الملبس وفى الحديث، مما انعكس بشكل كبير على كتاباتى الأسبوعية فى هذه الصحيفة الغراء، الأمر الذى جعلها دوماً مصبوغة بالشكل القانونى وما يرتبط به من آراء فقهية وتشريعية. لكنى اليوم قررت أن أخرج عن تلك الرسمية وألا أكتب فيما تعودت على تناوله من موضوعات. لقد قررت أن أفرح، وأشارك أسرتى الصغيرة وعائلتى الكبيرة بافتتاح قناة السويس الجديدة، ودعنى عزيزى القارئ أعبّر عن مظاهر وأسباب فرحتى التى حاولت جاهداً أن أخفيها كنوع من مظاهر الهيبة والوقار، لكنى لم أستطع إخفاءها لفقدانى السيطرة على المشاعر الفياضة التى انتابت جموع المصريين وأنا منهم، فأنا فرحان أولاً بنفسى لأننى تأكدت اليوم من صواب قرارى ورجاحة تفكيرى عندما انحزت وشاركت وساهمت مع أبناء وطنى فيما جرى يومى 30/6، 3/7/2013، فرِحتُ لمشاركتى فى الخروج العظيم يوم 26/7 فيما عُرف بيوم التفويض، فرحت بنفسى لمشاركتى ومساهمتى فى التصويت على الدستور، فرحت أكثر وأكثر فى اختيارى الموفق لأن يكون عبدالفتاح السيسى رئيساً لبلدى ولكل المصريين، تأكدت اليوم أننى كنت موفقاً فى الاختيار وصائباً فى القرار، تيقنت أن صوتى الانتخابى وصوت أهل قريتى ومركزى ومحافظتى كان جزءاً مكملاً ومتمماً لملحمة سطّرها المصريون يوم 14/5/2014، وها هم اليوم يتأكدون من أنهم قد أصابوا كبد الحقيقة وانحازوا لمن تعلق به الأمل والطموح، ها هم اليوم يحصدون أولى ثمرات اختياراتهم الصحيحة. أنا فرحان برئيس وعد بإقامة مشروعات استراتيجية واقتصادية عملاقة تمثل نقطة انطلاق لاقتصاد يعانى من أمراض متوطنة بجسده، وأوفى بما وعد، وانتهى من المشروع الأول فى زمن قياسى مما سيكون له أبلغ الأثر على العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى. أنا فرحان بشعب ورجال استجابوا للنداء وتسابقوا فى الاكتتاب المالى لتوفير الأموال اللازمة لحفر القناة، وإذا بهم فى ثمانية أيام قدموا 64 مليار جنيه كانت ستتضاعف لو استمرت البنوك فى تلقى تلك المساهمات ولو أسبوعاً آخر، أسقطوا كل دعاوى الحقد والغل، وأثبتوا للعالم أجمع ولكافة بيوت المال العالمية أن ذلك الشعب يملك قدرات خاصة لا تتوافر لغيره، وعندما يثق فإنه لا يتورع عن تقديم الغالى والنفيس لمن يثق فيه. ولك عزيزى القارئ أن تتصور ما قيل فى حق هذا الشعب من أعداء هذا الوطن. ويحضرنى هنا ما كتبه البروفسير الأمريكى هالفورد هوسكينز عندما وصف قناة السويس إذ قال: «لم يؤثر عمل إنسانى مادى على علاقات الأمم بالقدر الذى فعله شق قناة السويس، إذ من الصعب أن نتصور إنجازاً آخر فى حدود القدرة البشرية يمكن أن يغير أوضاع الطبيعة أكثر منها، فبعملية جراحية جغرافية بسيطة تم اختزال قارة بأكملها، القناة أعادت وضع مصر والشرق العربى فى قلب الدنيا وجعلتها بؤرة الخريطة العالمية». هكذا قال الأمريكان ويردد العالم عن حلم مصر والمصريين. من حقى أن أفرح وأنا أرى ذلك المشروع القومى العملاق حقيقة على أرض الواقع، وأفرح أكثر وأنا أتلمس سعادة المصريين وتوحدهم وراء ذلك الهدف، من حقى أن أفرح وأنا أرى بزوغ فجر جديد يولد فى منطقة غالية على عقل وقلب كل مصرى، نرى محور قناة السويس وهو يستعد لأن يكون مركزاً عالمياً متكاملاً تشكل منه مساحة 461 كيلومتراً تمثل حجم المشروع ولتصبح أكبر منطقة صناعية ولوجستية فى الشرق الأوسط. من حقى أن أفرح وأنا أرى تلك المنطقة من أرض الوطن قد استعدت وتزينت لأن تكون أكبر مركز أعمال عالمى يعتمد على خدمات النقل البحرى من إصلاح وتموين سفن وخدمات التموين والشحن والتفريغ والإنقاذ ومجمعات صناعية جديدة للتعبئة والتغليف وموانئ محورية على مدخلى القناة ومراكز لوجستية منتشرة على طول المنطقة. من حقى أن أفرح وأنا أرى بلدى يقفز للأمام ويقف العالم مبهوراً بما حققه فى هذا المشروع. من حقى أن أفرح بنعمة المولى عز وجل على بلدى بأن هداه سُبل الرشاد. لا عيب أن نفرح فالفرح سلوك راق، وفكر رصين، وهدف منشود، ومطلب مهم، فالجميع يسعى إلى الفرح وزوال الهم والغم، ولا عيب إن عبّرنا عن هذا الفرح والسرور والبهجة، كون التعبير عن الفرحة ينعش النفس ويعطى الأمل، وأعلم أن الفرح مركزه القلب، وميدانه السلوك، ومظهره الكلمة الطيبة واللباس الحسن، ورسالته الشعور الراقى والوجدان الفياض، وأثره سعادة غامرة تمسح آثار وبقايا الهم والنكد التى تعرّض لها هذا الشعب العظيم فى السنوات الماضية. فعلينا جميعاً أن نعيش الفرحة بكل معانيها فى إطار المشروعية وضوابط القانون وبما تحتمه علينا مرتكزات القيم والأخلاق دونما خدش للحياء والانغراس فى الرذائل. من حقنا أن نفرح بسواعد أبناء مصر الأوفياء الذين أنجزوا هذا الحلم فى وقت قياسى لم ولن يتكرر مرة أخرى. من حقنا أن نفرح بقواتنا المسلحة وهيئتها الهندسية التى تحملت كل العبء فى قبول التحدى وإنجازه على أعلى مستوى. علينا أن نفرح بكل الشعوب والدول الصديقة التى ساهمت وساعدت فى إتمام ذلك المشروع والحلم. يقولون فى بلدى إن «الكتاب بيبان من عنوانه»، وها هو عبدالفتاح السيسى وجيش مصر العظيم وحكومتها يقدمون عنوان كتابها وينجزونه بصورة مبهرة مما يؤكد ويقطع بأن باقى فصول الكتاب بإذن الله ستكون على ذات الدرب. علينا أن نفرح وأن يدوم الفرح ويبقى، شريطة أن نأخذ بتلابيبه، علينا أن نزرع البسمة على شفاه المحرومين، وأن ننقّى قلوبنا من الغل والحقد، وأن نلتمس الأعذار ونكف عن الأذى ونعفوا عمن ظلمنا. يقول المولى عز وجل «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» صدق الله العظيم. نعم من حقى أن أفرح ويفرح معى كل المصريين، لكن وجب فى النهاية إرجاع الفضل لأهله وتوجيه كل التحية والتقدير والاحترام لكل من شارك وساهم فى صناعة هذا الحلم، إنهم بحق صناع الفرح. وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.