«أنا عاوز أكمل فى وزارة الداخلية، ورغم إنى ضحيت برجلى الاتنين وجزء من إيدى الشمال، إلا إنى عاوز أحارب الإرهاب مع إخواتى وزملائى فى الحماية المدنية عشان ده واجبنا تجاه الوطن»، بهذه الكلمات بدأ أمين صلاح سعيد، المقيم فى كفر الشيخ، حديثه عن الواقعة التى تسببت فى بتر قدميه وجزء من يده اليسرى خلال تفكيكه عبوة ناسفة بمنطقة سيدى جابر بالإسكندرية فى فبراير الماضى. «صلاح» عاد الأسبوع الماضى من رحلة علاج استمرت فى لندن قرابة 5 شهور وتم تركيب طرفين صناعيين.. يمكناه من السير متوكئاً على عصا يحملها بيمينه.. «صلاح» يبهرك عندما يتحدث إليك.. تسقط دموعك وهو يتحدث عن القنبلة التى تسببت فى إصابته وعن تحمله الآلام.. وعن صبره شهوراً.. وعن قدمه التى شاهدها تغادر جسده إلى الأبد وقرار الأطباء: «لازم رجلك تبتر حتى لا يحدث تسمم بالجسم».. إلى جواره كانت والدته التى قالت بثقة وهدوء: «أيوه أنا استنيت ابنى 5 شهور لحد ما رجع من لندن.. لكن والله لو كان مات شهيد.. كنت هابعت ابنى التانى للشرطة وأقولهم: خدوا ابنى التانى أهو.. إحنا مؤمنين بالله.. وابنى هيدخل الجنة.. لأن رجليه سبقته للجنة، وأنا واثقة فى ربنا لأن ابنى كان بيدافع عن بلده وعن الناس الغلابة». «صلاح» عمره 30 عاماً، يجلس مع نجليه «يوسف وإياد» يضع أحدهما على رجل صناعية تم تركيبها له فى عمليات جراحية متتابعة فى لندن، والثانى على القدم الأخرى، وإلى جواره زوجته وأفراد أسرته، يصف لهم حجم الصدمة والمعاناة التى أعقبت انفجار العبوة الناسفة أثناء تفكيكها: «جالنا بلاغ بوجود قنبلة على عمود نور فى منطقة سيدى جابر، جهزت فوراً واتحركت ناحية البلاغ أنا وزملائى، ولما وصلنا نزلت من العربية ولقيت العبوة الناسفة أسطوانية الشكل وبدأت فعلاً فى تفكيك السلوك ونجحت فى تفكيكها بعد ما بعدت كل الناس اللى كانت موجودة فى محيطها، ومنهم ناس كلهم شهامة كانوا عاوزين يساعدونا بأى شكل، وفعلاً فككتها والناس كانت فرحانة، وأنا بشوف الناحية التانية فوجئت بقنبلة تانية محطوطة جنب عربية مركونة، فرحت ناحيتها بس للأسف لسه بافحصها لقيت فيها شريحة تليفون محمول اتخيلت إنها ممكن فعلاً تنفجر فى أى لحظة من خلال حد يتصل بالشريحة من بعيد، وقريت القرآن واستشهدت فى سرى، ومرة واحدة لقيت الدنيا اتقلبت وحسيت إنى هستشهد وسمعت صوت صرخات زمايلى وبعدها قلت لهم أنا كويس وهرجع، وبعدها تقريباً فقدت الوعى». يداعب «صلاح» طفليه ويحاول الوقوف على قدميه الصناعيتين ويشرح ما حدث، ويؤكد أنه تم نقله لمستشفى مصطفى كامل العسكرى، والتف حوله العشرات من الأطباء والممرضين، وقالوا له جميعاً «انت بطل وإحنا كلنا هنا فى خدمتك وهنقدم لك كل الدعم ونحاول علاجك بكل الطرق»، يقول: «كلماتهم رفعت من روحى المعنوية، لأننى شعرت وقتها أن مصر كلها بتحبنى وتقدر ما فعلته من أجلها وتم عمل الإسعافات الأولية لى وتم إصدار قرار بنقلى للخارج للعلاج، وتم الاستقرار على سفرى للندن لإجراء عمليات جراحية وتركيب الأطراف الصناعية وإجراء عدة جلسات علاج طبيعى ووقتها كان يتم الاتصال والاطمئنان علىّ من جميع المسئولين بالدولة ومندوبين من الرئاسة ووزارة الداخلية ومديرية أمن الإسكندرية وكافة زملائى وأصدقائى وأسرتى». فور عودة «صلاح» من الخارج الأسبوع الماضى تم استقباله بحفاوة بالغة من كافة الأطراف فى المطار، وتم إرسال مندوبين له من الرئاسة والداخلية، وتكفلت الدولة بعلاجه وبأسرته حتى عاد واستقر بينهم، وقامت أسرته بذبح عجل أمام منزله احتفالاً بعودته، وتلقى عشرات الزيارات إلى منزله فى مسقط رأسه بكفر الشيخ، وقاموا بتسمية الشارع الذى يسكن به باسمه وأطلقوا عليه لقب «البطل»، وتحول منزله إلى مزار لكافة المعارف والقيادات بمحافظتى الإسكندريةوكفر الشيخ، إلى أن وصل إليه مندوبان من رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية وأخبراه باختياره للتكريم بدعوة خاصة لحضور الحفل العالمى لافتتاح قناة السويس فى السادس من أغسطس الحالى. وعن تلك الدعوة قال «صلاح»: «أنا فرحت جداً لما عرفت إن السيد الرئيس سأل عنى واهتم بيا، وأنه تم اختيارى لحضور الحفل التاريخى، وقالولى إن فيه طيارة هتودينى قناة السويس وهترجعنى تانى، وأنا مبسوط جداً وبشكر السيد الرئيس وبقوله إننا دايماً هنفضل رجالة وعمرنا ما هنخاف من عدو أو إرهاب، وبطلب من الوزارة إنها تخلينى أخدم فى نفس الإدارة اللى كنت فيها وهعمل كل اللى أقدر عليه عشان أحمى مصر وأدافع عنها، وبقول لكل أسرتى إنى الحمد لله راضى جداً بقضاء ربنا وقدره، وأنا مش هكون أحسن من الشهداء اللى دفعوا حياتهم مش جزء منهم فى سبيل الوطن». «تامر»، شقيق صلاح قال: «الحمد لله إحنا فخورين بأخونا وطول الوقت الناس بتهنينا وتقولنا إنه بطل وإنهم بيحكوا عنه لولادهم عشان يبقى قدوة ليهم، وإحنا كلنا أنا وصلاح وأحمد أخونا التالت نتمنى نقدم لمصر أى حاجة حتى لو كانت حياتنا، لأن هى البلد اللى اتولدنا فيها وربتنا وليها الفضل على الجميع، والناس اللى بتحاول تخرب فيها هتلاقى دايماً اللى يقف فى وشهم». وتابع «تامر» أنه يطالب الداخلية بالموافقة على استكمال «صلاح» لعمله فى الوزارة لأنها أمنيته ولا يريد أن يجلس فى المنزل أو ينقطع عن العمل رغم إصابته، وأنه سيبذل كل الجهد فى العودة لمستواه الوظيفى وإفادة الجهاز الشرطى بخبراته فى مجال المفرقعات. اللواء أبوبكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية للإعلام، قال: «صلاح بطل من أبطال الشرطة اللى فقد قدميه عشان يحمى الناس.. وصلاح فخر لينا كلنا.. وهندرس ملفه الطبى ونشوف إمكانية عودته للعمل ولن نتردد إذا ما سمحت الظروف».