نشرت صحيفة "وول استريت"، الأكثر انتشارًا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مقالًا جديدًا للدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، تحدث فيه عن ضرورة التصدي للفتاوى التي تحرض على العنف والقتل. وأكد مفتي الجمهورية في المقال، أن المهمة الرئيسية لدار الإفتاء هي القيام بواجب الوقت من خلال توفير الرأي الشرعي الوسطي الصحيح للمسلمين، وتصحيح الكثير من المفاهيم التي شوهها المتطرفون في أذهان غير المسلمين، مشيرًا إلى أن جزءًا لا يتجزأ من مهمة الدار هو التصدي للفتاوى المتطرفة. وأضاف المفتي، أن المسلمين في الوقت الحاضر يواجهون العديد من الوقائع والمتغيرات، التي لم يتعرض لها علماء المسلمين المتقدمين، ما جعل العلماء المعاصرين أمام تحدٍ كبير يتمثل في الفهم الصحيح للنصوص الدينية مع إدراك شامل للواقع المعيش بمتغيراته السريعة. وأشارالمفتي إلى أن من بين القواعد التي أرساها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التأكيد على حرمة الدماء والسعي لتحقيق الاستقرار المجتمعي، والتأكيد على حقوق المرأة كما هيأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك بيئة آمنة ومتناغمة للأقليات الدينية، وأكد المساواة والمواطنة بين أبناء الوطن الواحد، بل والبشر جميعًا، فكانت تلك القواعد والآداب الجديدة بمثابة فتاوى تاريخية تراكمت عبر السنين حتى أصبحت نبراسًا وتوجيهًا لعلماء المسلمين لكي يحذوا حذوها وإعلاء القيم الإنسانية والرحمة والعدالة. وقال علام: "في الواقع، إن الفتاوى والمفتين يمثلان جسرًا بين التراث الفكري والتعاليم الإسلامية منذ بداية الدعوة وبين عالمنا المعاصر، فالمفتون هم حلقة الوصل بين الماضي والحاضر، والمطلق والنسبي، والخاص والعام، والنظري والعملي، فبرزت العديد من القضايا الصعبة الجديدة التي شغلت الأذهان واحتاجت إلى اجتهادات وفتاوى جديدة، مثل استخدام الخلايا الجذعية في مجال البحث العلمي، تأجير الأرحام، بنوك السائل المنوي، ومسألة الخلافة هل هي وظيفة دينية أم سياسية، إلى جانب العديد من القضايا الحديثة الأخرى التي تحتاج إلى فتاوى جديدة واجتهاد جديد". وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الكثيرين في العالم الغربي يعتبرون بعض التصريحات المسيئة والمتطرفة التي تصدر من زعماء الإسلام السياسي يتبعون أيدلوجيات معينة بمثابة فتاوى معتبرة، على الرغم من أن صناعة الفتوى تعد واحدة من المهام الأساسية لفهم صحيح العلاقة بين الإسلام والعالم الحديث، فالمفتون يطبقون النصوص الشرعية، في ظل إدراك الواقع المعيش. وشدد مفتي الجمهورية على أنه لا يمكن أن نعتبر أن كل رأي يصدر من شخص غير مؤهل هو بمثابة فتوى، لأننا بذلك نكون قد فقدنا أداة بالغة الأهمية في قدرتنا على كبح جماح التطرف والحفاظ على فهم متوازن ووسطي للإسلام. وأضاف: "يمكنني أن أسوق عددًا من التصريحات لمن تلبسوا زورًا برداء الدين من المتطرفين والإرهابيين كأمثلةٍ على مدى خطورة هذا الأمر، فالإسلام عبر تاريخه فرق ما بين العلماء وغيرهم من المتطرفين، ووضع شروطًا يجب أن تتوافر في من يتصدر للحديث باسم الدين". وقال مفتي الجمهورية : "في السنوات الأخيرة، استغلت شخصيات غير مؤهلة علميًا وليس لها أي نصيب وافر من العلم الشرعي، الوسائل التكنولوجية ليروجوا لأنفسهم كعلماء وقادة إسلاميين، وأصدروا فتاواهم الفاسدة التي تبرر كل قبيح من مهاجمة للكنائس، وممارسة للعنف، وتشويه لسمعة الإسلام". ولفت المفتي إلى أن هذا الفكر المنحرف قد فتح الباب أمام التفسيرات المتطرفة التي لا أساس لها في الإسلام، مؤكدًا أن أيًا من هؤلاء المتطرفين قد درس الإسلام في مؤسسة معترف بها لتدريس العلوم الإسلامية. وأوضح مفتي الجمهورية، أن المتطرفين يعتمدون على ظاهر النصوص الدينية دون التعمق في فهمها فهمًا صحيحًا، مثل آيات القتال، التي تجاهلوا فيها الاستقراء القانوني والعلمي والنصوص الشرعية الأخرى التي توضح معنى الآيات، وكذلك تجاهلهم لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تحقق المصالح للبشر وتدفع عنهم الضرر في الدنيا والآخرة، فتبنيهم لظاهر النصوص يؤدي إلى إنتاج التطرف الفكري والانحراف عن الصراط المستقيم الذي يؤدي حتما إلى السلوك المتطرف. واختتم مفتي الجمهورية مقاله بعرض مجهودات دار الإفتاء المصرية في تفكيك الفكر المتطرف، والذي اتخذت أشكالًا عدة بعضها عبر استخدام وسائل الاتصال والتواصل التكنولوجية، والبعض الآخر على هيئة كتب ومقالات نشرت في كبريات وسائل الإعلام العالمية، بالإضافة إلى المشاركة في العديد من المؤتمرات الدولية لمكافحة التطرف الراديكالي مثل المؤتمر الذي عقد في الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية وبلدان أخرى للتحذير من انتشار الأفكار المتطرفة.