نشر المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية دراسة جديدة بعنوان "كيف تؤسس الجماعات الإرهابية رأس مالها الاجتماعي؟"، أوضح فيه أنه على خلاف الدلالات الإيجابية الشائعة لمفهوم رأس المال الاجتماعي، والتي تستدعي ممارسات مثل بناء العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وشبكات الثقة، وتبادل الثقافة والقيم المشتركة، ظهر في الآونة الأخيرة اتجاه مغاير في الأدبيات يُركز على الجوانب المظلمة لرأس المال الاجتماعي التي تعد بمثابة أرصدة قوة للتنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة. وأضافت الدراسة أن التحليلات الهادفة تتعدد لمعرفة عوامل قوة الجماعات الإرهابية، وأسباب قدرتها على التشعب والاستمرار، ما بين رأي يُرجعها إلى مدى اقتناع الأفراد بالأيديولوجية الفكرية للجماعة، ورأي يفترض أن هذا يرجع إلى بعض دعم المالي والمادي المقدم من أفراد لهم مصالح من وجودها، إلا أن هناك اتجاهًا مختلفًا يرى أن عددًا من مكونات رأس المال الاجتماعي التي ينظر إليها في الغالب نظرة إيجابية قد يكون لها تأثيرها السلبي من ناحية أخرى، لعل من أهمها: 1- العلاقات العائلية: يرتبط عادة أعضاء المنظمات الإرهابية بعلاقات عائلية، سواء أكانت علاقات قرابة بشكل ما أو بآخر، أو علاقات نسب ومصاهرة، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هي علاقة الأخوة بين أيمن الظواهري ومحمد الظواهري. وكذلك لم يختلف الحال كثيرًا بالنسبة إلى أسامة بن لادن الذي انضم ابنه الأكبر سعد بن لادن إلى تنظيم القاعدة، ويقال إنه يحتل منصبًا بارزًا في قيادة التنظيم في الشرق الأوسط، كما سعى أسامة بن لادن لتوطيد العلاقات بين أعضاء تنظيم القاعدة عن طريق الزواج، فقام بتزويج "سليمان بن غيث" أحد أعضاء التنظيم لإحدى بناته، وتمت محاكمته فيما بعد بتهمة الإرهاب في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فيما لم يختلف نهج "داعش" في هذا الأمر عن نهج تنظيم القاعدة؛ حيث يحرص على إقامة علاقات مصاهرة بين أعضاء التنظيم. 2- علاقات الصداقة: تؤدي علاقات الصداقة بين أعضاء التنظيم الواحد إلى زيادة درجة الثقة والتضامن بين الأعضاء، كما تؤدي إلى تقوية الفكر الأيديولوجي المكون للجماعة ومعتقداتها، وتعميق الشعور بالمسؤولية تجاه كل فرد من أفراد الجماعات، وتوصلت الدراسة إلى أن غالبية العمليات الإرهابية التي تحقق أهدافها يكون هناك نسبة توافق بين أعضائها تتراوح بين 80% - 100%. 3- القيم المشتركة: تُسهِّل القيم المشتركة من التفاعل والانخراط داخل التنظيم، وتزيد من احتمالية مشاركة الأعضاء في عملياته، كما أن استمرار الاختلاط بين أعضاء الجماعة يؤدي إلى تراكمها حتى تُكوِّن ما يعرف ب"رأس المال الاجتماعي المعرفي" والذي يُقصد به القيم والمبادئ والمواقف والمعتقدات التي تُولّد السلوك التعاوني بين إحدى المجموعات. 4- الاستناد إلى قاعدة مجتمعية: تتميز التنظيمات الإرهابية والانفصالية بقدرتها على الاستناد لقواعد شعبية تكفل قدرًا من الشرعية المجتمعية، ومن ثَمَّ تتمكن من حشد الموارد البشرية والمالية، واجتذاب المتطوعين، والاعتماد على المتعاطفين في التخفي من عمليات التعقب والمراقبة والإفلات من محاولات الاغتيال. وفي هذا الصدد، تكشف استطلاعات الرأي التي أجريت في مناطق نشاط بعض التنظيمات الإرهابية مدى تمتعها بدعم مجتمعي واسع النطاق، ففي استطلاع الرأي الذي أجرته كريستين فير ونيل مالهوترا، والذي شمل أكثر من 6000 باكستاني أغلبهم في مناطق بيشاور والبشتون وبلوشستان (معاقل تنظيم القاعدة وحركة طالبان)؛ أكد حوالي 47% من المبحوثين أن أنشطة تنظيم القاعدة تستهدف تحقيق العدالة والإنصاف للمسلمين حول العالم، وأشار حوالي 37% إلى أن القاعدة تسعى لتحقيق الديمقراطية، بينما أكد حوالي 47% أن تنظيم القاعدة يحمي المسلمين حول العالم. وأوضحت الدراسة أنه لا يقتصر تأثير رأس المال الاجتماعي على نشأة الجماعات الإرهابية، والحفاظ على تماسكها فحسب، بل يمتد ليؤثر أيضًا على درجة نجاح أو فشل العمليات الإرهابية، ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى عدة عوامل رئيسية: 1- شعبية القيادة: حيث إن القائد الذي يستطيع تكوين علاقات قوية بينه وبين الأعضاء، والحصول على تأييدهم، أو بعبارة أخرى قدرته على تكوين رأس مال اجتماعي، فإن هذا يؤدي إلى إمكانية حصوله على كافة المعلومات عما يدور داخل الجماعة، ومن ثم إمكانية معالجة أي خلل قد يؤدي إلى تفكك الجماعة في فترة وجيزة، بالإضافة إلى معرفة كافة المعلومات الجوهرية التي قد يغفل بعض الأعضاء ذكرها له ظنًّا منهم أنها مجرد معلومات ثانوية، وهو ما تؤكده إحدى دراسات "فوكاياما" التي أثبتت أن درجة الثقة تزيد من تدفق المعلومات داخل أي شبكة اجتماعية. 2- عدد الأعضاء: كلما زاد عدد الأعضاء القائمين بالعملية الإرهابية، زادت احتمالات نجاحها بشرط أن يكون بين هؤلاء الأفراد رصيد من رأس المال الاجتماعي. فبناءً على دراسة إمبريقية تم إجراؤها على إحدى الجماعات الإرهابية اليهودية وهي "الجماعة السرية اليهودية" اعتمادًا على عدد من المصادر الثانوية، مثل شهادات أعضاء الجماعة، والتقارير الصحفية، والحوارات؛ تبين أن أشهر عمليات التنظيم وأكثرها تحقيقًا لأهدافها قام بها عدد كبير من الأفراد، وقد تراوحت درجة قوة العلاقة بينهم بما يقدر بحوالي 80% - 85%، بل وصلت في بعض الأحيان إلى 100%. 3- البنية التنظيمية: تمكنت بعض التنظيمات الإرهابية من تطوير هيكل بيروقراطي يقوم على التخصص، وتقسيم الوظائف والمهام، وتطوير قواعد وإجراءات تتسم بالحياد. وتحتفظ التنظيمات الإرهابية بوثائق تنظيمية تضم تفصيلات حول الأعضاء، ورتبة كل منهم، والمخصصات المالية الخاصة بهم، وتمويل الأنشطة، وخرائط التنظيم، وخطوط القيادة والسيطرة داخل التنظيم. 4- درجة الديمقراطية: على خلاف الصورة الشائعة التي تفترض أن الجماعات الإرهابية عادةً ما تكون جماعات مغلقة ذات طابع فوقي تسيطر عليها القيادات العليا فقط، ولا يمكن مخالفتهم بأي حال من الأحوال، تطرح هذه الدراسة رؤية جديدة، إذ توصلت إلى أنه في حالة تكون رصيد جيد من رأس المال الاجتماعي، وزيادة شبكات الثقة بين أعضاء الجماعة، من الممكن أن يؤدي هذا إلى وجود درجة من الديمقراطية داخل الجماعة تسمح للأفراد بقبول المشاركة من عدمه في عمليات الجماعة المختلفة، أي أن مشاركتهم قائمة على الإقناع وليس الإجبار، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى نجاح العملية الإرهابية.