يتناول العديد من الباحثين إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي في إطار ما تُحققه من ربط بين الشعوب بمختلف توجهاتها، وقيامها بدور فعال في إمداد الفرد بكثير من المعلومات والمواقف والاتجاهات، فضلًا عن المساهمة في تشكيل وعيه وإعداده ليكون أكثر قدرة على التأثير في الآخرين، ولم يَغْفُل الباحثون عن التهديدات التي تشكلها هذه المواقع على مستوى الفرد والدولة. وتناول الكاتب "جيمس جاي كارافانو" (نائب رئيس مؤسسة التراث، والمشرف على الأبحاث المختصة بالأمن القومي والشئون الخارجية) في مقاله "تويتر يقتل: كيف أصبحت شبكات الإنترنت تُمثل تهديدًا للأمن القومي" التهديدات التي تنشأ عن شبكات التواصل الاجتماعي، ودورها في صعود الجماعات المتطرفة، واستغلالها للتكنولوجيا الرقمية للوصول إلى أهدافها. وتناول الكاتب في مقاله الذي نشره المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، ثلاثة محاور، هي: "تهديدات شبكات التواصل الاجتماعي للأمن القومي، واستغلال الجماعات الإرهابية لمزايا تلك الشبكات، وأهمية مواجهة الإرهاب في الواقع المادي". أولًا: الفضاء المادي: بدأ جيمس كارافانو مقاله بانتقاد الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ويرى أنه لا يوجد شيء يمكن وصفه بأنه "اجتماعي" عندما يتم استخدامه للمساعدة في قتل الأبرياء، أو نشر الجرائم الإباحية، كما أن هذه الأنشطة ما هي إلا مجرد أعراض لتحدٍّ أكبر تُشكله وسائل التواصل الاجتماعي للأمن القومي، كما يُبين الكاتب أن سبل الفوز في هذه الحروب الإلكترونية يتعلق بتأمين الفضاء المادي أكثر من الهيمنة على الفضاء الإلكتروني. وأشار الكاتب إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي تتسم بقوتها، ويستطيع المبتدئون في استخدام هذه الشبكات الانتشار بشكل سريع للغاية، كما استدرك "جيمس" قوله إن "الأمر لا يحتاج مشقة لإنشاء حضور قوي على شبكات الإنترنت، ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي لهم تأثير كبير، فمشاركتهم يمكن وصفها بالفيروس حيث يتم التقاطها ونشرها من قبل الآخرين". ثانيًا: الإرهابيون والشبكات: أوضح جيمس، أن معظم شبكات التواصل الاجتماعي تتسق مع ما يُسمى ب"مُنحنى القوة"، ونجد القليل من المشاركين يُهيمنون على غالبية أنشطة تلك الشبكات، ويتحدث الكاتب عما يُسمى ب"نمط البث"، حيث يملك مجموعة من الأفراد تأثيرًا مهيمنًا لنشر رسالتهم، ومن ثم يتمتعون بميزة تنافسية عندما يدفعون بالحوار إلى شبكة الإنترنت، ويُشير الكاتب إلى نمط آخر يطلق عليه "نمط الحوار"، وتتقلص الشبكات إلى مجموعات صغيرة جدًّا، ما يثير الاهتمام حول ذلك المستوى من المشاركة بين الأعضاء ليصبح الحوار أكثر توازنًا، ويكون ذا جودة مرتفعة. وفي سياق متصل، أكد الكاتب أن "الجماعات المتطرفة توصلت إلى هذه الميزة، وهي العمل على كلا طرفي المنحنى، حيث يشعرون بسعادة غامرة عندما تنتشر فيديوهات جرائم الإعدام والإبادة الجماعية التي يرتكبونها كالفيروس وتستولي على اهتمام العالم، فيما يرحب المتطرفون بجذب الأفراد إلى الحوار في مجموعات صغيرة، حيث يستطيعون اجتذاب مجندين جدد، وبعض هذه المحادثات تتم علنًا على مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر يتخذ من الرسائل الخاصة منصة له". ويرى جيمس، أنه "بمقدار ما تُحققه التكنولوجيا من تقدم، يستغلها المتطرفون في التواصل، ولا يوجد شك في كونهم نجحوا في ذلك، فالجماعات المتطرفة تستخدم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في تنفيذ كل أنشطتهم، بداية من التجنيد، والتمويل، والدعاية، وصولًا إلى المعلومات الاستخباراتية والتخطيط للعمليات، وهو ما يُفضي إلى تهديدات خطيرة للأمن القومي". ثالثا: كيفية المواجهة: يُنبه الكاتب إلى أن من المهم إدراك أن العمل الإرهابي عبر الإنترنت ليس هو أساس المشكلة، ومواجهة الأحاديث المتطرفة هو محاولة لخفض الحمَّى متجاهلًا العدوى الأساسية، لافتًا إلى أن قوة هذه الشبكات تأتي عندما ترتبط مجتمعات الفضاء الإلكتروني بالمجتمعات المادية البشرية والتي تمتلك النزعة نحو التحرك الفعلي. ويُدلل الكاتب على وجهة نظره بافتراض: "ماذا لو طلبت كاتي بيري من خلال تغريداتها على تويتر أن يقوم كل شخص بذبح حيواناته الأليفة وربطها أعلى مصابيح الإنارة بالطرق؟"، وإن كان جيمس يعتبر افتراضه مضحكًا، ولكنه يتوقع سيناريو أن تكون الحيوانات الأليفة في خطر، لأن طلب "بيري" من أفراد ترتبط بهم من خلال المجتمع الافتراضي هم بالأساس غير متطابقين من حيث خلفياتهم، ما يدفع "جيمس" للقول إن مركز الثقل الحقيقي الذي يجعل من الحوارات الإرهابية تهديدات حقيقية هو الشبكات المادية الفعلية، لذا فإغلاق الحياة الحقيقية للمجتمع الإرهابي هو أفضل طريق للحد من الخطر الذي يشكله الفاعلون على الإنترنت. وأنهى جيمس مقاله برؤيته حول الحرب الإلكترونية مع المتطرفين، بأن من الأفضل بدلًا من مطاردة الأشباح على شبكة الإنترنت، أن يكون الهدف الرئيسي لأي استراتيجية فعالة في مواجهة الإرهاب هو سحق هؤلاء الإرهابيين على أرض الواقع، بدلًا من الدخول في صراع المناظرات "من نحن" و"من هم" إلكترونيًّا، مختتمًا كلامه بالعبارة التالية: "عندما تتقلص التهديدات المادية، فتهديدات الفضاء الإلكتروني تكون أقل من قزم غاضب".