بمجرد أن تطأ قدماك أرض محله فى شارع العطارين فى العتبة، تشعر بتغير الحقبة الزمنية، فجأة تجد الزمن عاد بك إلى الوراء عشرات السنوات، محل مزدحم بتليفونات أرضية مختلفة الأشكال والأحجام، كل منها شاهد على تاريخ وحياة مر عليها الكثير، أشكال لا وجود لها الآن إلا فى أفلام الأبيض والأسود، وفى محل «حسن التركى»، ولدى محبى اقتناء التحف الذين يترددون عليه. يجلس «عم حسن» وأمامه تليفون تاريخ إنتاجه 1926، وهى السنة التى دخلت فيها التليفونات إلى مصر بحسب قوله، ورث حبه للتليفونات الأرضية من والده وجده، كان يخرج من المدرسة مهرولاً على والده ليلقى نظرة على ما يفعل، حتى انتهى من مرحلة الثانوية العامة وقرر التفرغ بعدها لتصليح واقتناء أى تليفون أرضى يراه، مهما كان عمر التليفون: «كنت باتفرج على والدى بشغف، كان بيقوللى وقتها: اقعد شوف أنا بعمل إيه.. ما تسألنيش إلا بعد ما خلص، وبعد كده أسأله ويشرح لى، ودلوقتى لما بمسك تليفون قديم بحس بمتعة.. بحس إن أيام زمان رجعت». يلوّح «التركى» بيده على التليفونات المصطفة فى الفاترينة: «عندنا تليفونات من أول ما طلعت التليفونات فى العالم.. من أول ما اتصنّعت ودخلت مصر سنة 26، عندى الجرامافون بيبقى بوق ومانفيلا وأسطوانة فيبر.. ده ميناتل سنة 70، وسينمز إنجليزى بقاله زمن، وفيه يابانى من سنة 73»، هكذا يحفظ «التركى» أنواع وتواريخ التليفون وكأنه فى متحف تليفونات. بعض التليفونات يحصل عليها من مزادات، يدفع أى مبلغ مقابل الحصول على التليفون، يشعر بمتعة فى اقتنائه، مؤكداً أن قيمة التليفون الأرضى أغلى من أى شىء: «كان فيه مصنع تليفونات فى مصر اسمه مصنع 45 الحربى.. المصنع قفل واتباع ببلاش من كام سنة فى عهد عاطف عبيد، وزعلت جداً إنه اتقفل، حسيت إن حاجة بتاعتى راحت منى»، مؤكداً أن التليفون الأرضى لم ينقرض، وأنه يستخدم تليفوناً أرضياً خشبياً بمنزله، أخذه من جده: «هى دى التليفونات، بحس إنى مبسوط وأنا بقتنى الأرضى، مش تقوللى المحمول، أنا ما بحبوش ولا بطيقه».