كان بوسعى التماس الذرائع والأعذار، ولكن مهما بحثت عن حجج ومبررات، فلا يمكن أن أغفل التقصير والتقاعس الأمنى الواضح، والثقوب الموجودة فى إجراءات الحراسة والتأمين، والتى كانت وراء نجاح التنظيم الإرهابى فى تنفيذ عملية إرهابية خسيسة أودت بحياة محامى الشعب المستشار الجليل هشام بركات، شهيد الوطن والعدالة، فرغم التهديدات المعلنة والمعلومات المسبقة التى نشرها عناصر تنظيم الإخوان غبر المواقع حول عمليات الاغتيال، والمخططات التى كشفتها خلية إرهابية استهدفت تحديد مواقع القضاة ومعلومات عنهم، وكذا المنشور التحريضى المسمى «نداء الكنانة»، والذى خرج برعاية شيوخ الدم والفتن وتمزيق الأوطان، إلا أن ذلك كله لم يقابله استراتيجيات وسيناريوهات تأمين وحماية ترقى إلى حجم الخطر الذى أودى بحياة النائب العام، وما زال يهدد العشرات من رجال القضاء وكبار الشخصيات المهمة فى الدولة!! ذات السيناريو يتكرر من جديد بحذافيره، موكب يتحرك من أمام مقر إقامة معروف بلا كاميرات تصوير ومراقبة، وخط سير محدد ومعلوم للقاصى والدانى، وكميات مهولة من المتفجرات تتحرك بحرية وتتنقل بأريحية فى شوارع العاصمة، وتستقر أمام منزل شخصيات مستهدفة، وأجهزة تشويش وإعاقة إلكترونية غير موجودة، وإذا وجدت لا تستخدم!! ونحن لا نتعلم الدرس من أخطائنا، ولا نطور من أدواتنا وخططنا، ولا نستفيد من إخفاقاتنا فى لعبة الموت والاغتيالات المقبلة من أدغال الكراهية. وكلما وقعت جريمة إرهابية نكتفى باستعادة الجدل الدائر منذ سنوات، وينبرى كل فريق بالدفاع عن وجهة نظره، جانب يطالب بفرض حالة الطوارئ وتطبيق الأحكام العرفية، وإصدار قانون الإرهاب القابع فى الأدراج، وفريق على الجانب الآخر يرفض الإجراءات الاستثنائية والمحاكم العسكرية، ويرى أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية والعقوبات، واختصار إجراءات التقاضى كفيل بفك أغلال العدالة وتحقيق الردع، وبمجرد أن تهدأ الأزمة تخفت الأصوات من الجانبين وتتبدد الاقتراحات، وتقف الدولة عاجزة ومكتوفة الأيدى، حائرة ما بين اقتراح بإجراءات تصمها بالاستبداد والبطش، وأخرى يتطلب تنفيذها ميزانيات كبيرة، تضيف أعباء على كاهل الدولة فوق أعبائها، فتغض نظرها عن الطرفين، وتترك الوضع على ما هو عليه، وتقف عند مفترق الطرق تنتظر الضربة المقبلة، لينفتح باب الجدل بين الفريقين من جديد!! ويبقى السؤال: كيف يمكن أن نحمى كبار رجال الوطن المستهدفين بعد هذا التطور النوعى فى أساليب وأدوات الإرهاب، وفى ظل التمويل والمخططات الدولية والإمكانات الهائلة المستخدمة من قبل جماعة الإخوان وزبانيتهم فى تلك العمليات الإرهابية؟ المستشار أحمد الزند، وزير العدل، وعد فى أول رد فعل له بعد الحادث الإرهابى بتقديم حزمة من التشريعات الجديدة لفك أيدى العدالة المغلولة واختصار إجراءات التقاضى، والاتفاق مع الأمن القومى على تركيب كاميرات وكافة المعدات لتأمين القضاة، وأقول أفلح إن صدق سيادة المستشار! وعلى جانب آخر يرى اللواء محمد نجيب عبدالسلام، القائد السابق للحرس الجمهورى، ضرورة تخصيص موقع لإقامة كبار الشخصيات والمسئولين الذين يعملون فى مواقع ذات حساسية كبيرة فى الدولة، بحيث تتوافر فى هذا الموقع إمكانية تطبيق إجراءات التأمين والحماية الخاصة على أكمل وجه، بعيداً عن الشوارع المزدحمة بالناس والسيارات. إننى أتمنى أن يدرس المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، إمكانية تنفيذ هذه الفكرة، وأن يضع خطة بالتنسيق مع رجال الأعمال والأحزاب والمؤسسات الخاصة والأجهزة الحكومية، لنشر كاميرات مراقبة متصلة بأجهزة الكمبيوتر المتاحة فى كل المبانى الحكومية والشركات والمستشفيات والمكاتب الخاصة والمحال التجارية والمنازل، حتى يمكن أن يساهم المواطنون فى مراقبة تحركات الإرهابيين وتصويرهم، لتجنب وقوع الاغتيالات والانفجارات التى امتدت إلى كل الشوارع والمبانى، وبذلك يمكن أن يساهم المجتمع مع أجهزة الأمن فى كشف هذا الإرهاب الأسود من خلال نشر تلك الفيديوهات عبر قناة تليفزيونية على النيل سات، وهو ما يجعل شوارع مصر كلها تحت المراقبة، وحتى إذا كانت تلك الكاميرات لن تستطيع منع الجرائم الإرهابية قبل وقوعها، فعلى الأقل تساعد أجهزة الأمن فى الوصول إلى هؤلاء الإرهابيين والكشف عن هويتهم وهذا أضعف الإيمان! لقد أبكتنى كلمات المستشارة مروة بركات، ابنة الفقيد، والتى نعته بمرثية حزينة تقطر ألماً وحزناً على فقدان الأب والسند والقدوة، وأقول لها ظهرك لن ينكسر أبداً، لأن مصر كلها ستظل سنداً وظهراً لابنة البطل، الذى سيظل اسمه وساماً على صدر القضاء المصرى.