«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». يصوم الإنسان «أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ». لكل عبادة غاية وهدف وتعود بالنفع على العابد فى الدنيا والآخرة، غاية عبادة الصيام متعددة الجوانب وأهمها التقوى، يؤدى كثير من الناس العبادات فى الأديان السماوية جميعاً، ولا يحقق بعضهم الهدف منها، يتضح ذلك من قول الرسول صلى الله عليه وسلم «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له»، إذن الصلاة ينبغى أن تنهى الإنسان عن ارتكاب الفحشاء وعمل أو إتيان المنكر، فى حين أن بعضهم قد يفكر فى المنكر وهو فى الصلاة بين يدى الله تعالى أو وهو صائم، ومن رحمة الله تعالى أن من هَم بسيئة ولم يفعلها لم تكتب عليه سيئة، ومن هَم بحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، هذا من الرحمة الواسعة لله تعالى على عباده. الصيام له غاية، لأن الجوع والعطش، بل والصيام كله، بل والعبادات كلها، الله تعالى فى غنى عنها، وهو القائل فى الحديث القدسى «يَا عِبَادِى، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى»، العبادات تفيد المخلوق وفى صالحه، ولكنها لا تفيد الخالق -سبحانه وتعالى- كثيراً ولا قليلاً، والخالق فى غنى عن الخلق جميعاً. غاية الصيام كما يتضح من الآية -وقد كتبه الله تعالى علينا وعلى من قبلنا- غايته تحقيق التقوى، والتقوى هى الخشية من الله تعالى مع حبه، «وأن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما»، هذه المحبة مع الخشية هى التى تحول دون العبد، وأن يرتكب ما يغضب الله تعالى فإذا فعل ذلك خطأ أو سهواً أو حتى عمداً، استجابة لنزغات الشيطان، هرع إلى الله تعالى «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»، هنا الخشية والتوبة هى التى تتمثل فى الإقلاع عن الذنب، وعدم الإصرار عليه. الغاية من الصيام هى التقوى «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «الصيام جنة» أى وقاية يقى الصائم من فعل السيئات، ويقيه من الكلام البذىء، ويقيه من كل ما لا يرضاه الله تعالى له، وما أجمل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ». يأتى هذا الشهر على العالم كله، خصوصاً على الصائم برداً وسلاماً، لو توقف فيه الكاذبون عن كذبهم، وتوقف فيه الفاسدون عن فسادهم، وتوقف فيه المنافقون عن نفاقهم، وتوقف كل مخلوق عن المعصية التى اعتادها، من المحسوبية إلى الظلم إلى الغش إلى الوساطة إلى الرشوة، إلى الكسل إلى الروتين البائس، إلى التهرب من الضرائب، ثم إلى احترام النظام والقانون، لاعتاد ذلك فى غير رمضان، ونقص الفساد شيئاً فشيئاً، وتحسنت أحوال المعيشة والحياة، وظهرت آثار الصيام فى التقوى، وظهرت آثار التقوى فى الحياة والعمل، وكما قال الشاعر عن رمضان: ومِيْضُ النُّورِ يَدْخُلُ فِى قُلُوبٍ ** وَتَزْدَهِرُ الْخَوَاطِرُ بِالْهُدَاءِ فَكَمْ خَشَعَتْ قُلُوبُ ذَوِى صَلاَحٍ ** وَكَمْ دَمَعَتْ عُيُونُ الأَتْقِيَاءِ رمضان فضلاً عن أنه شهر التوبة، والإقلاع عن الذنوب، فإنه شهر الجود والعطاء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أجود الناس، إذ كان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر فى الأيام كلها، كان أجود ما يكون فى رمضان «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً». أين هذا ممن يطعمون الناس لحوم الحمير وغيرها وهم يصومون، وربما بنوا بالأموال الحرام المساجد وغيرها ظناً أنهم يحسنون، يفعلون ذلك جهلاً أو عمداً وهم لا يعلمون «إنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً»، اللهم اجعلنا جميعاً من عتقاء النار فى رمضان، وأعنا يا رب العرش الكريم على الاستقامة التى ترضيك عَنَّا، وتقودنا إلى الجنة وتبعدنا عن النار. والله الموفق.