ذكرنا فى المقال السابق أن مصر، لم تدخر جهداً، لإخلاء الشرق الوسط من الأسلحة النووية، وأنها طرقت العديد من الأبواب لتحقيق ذلك، سواء من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن خلال مؤتمرات المراجعة المتعاقبة، إلا أن أياً منها لم يسفر عن نتائج تذكر، كما صرح بذلك كتابة وشفاهة، السفير الهمام هشام بدر، رئيس وفد مصر لدى المؤتمر العام 2015. دول العالم كله الممثلة فى المؤتمر، وافقت على اقتراحات مصر بضرورة تنفيذ قرار 1995 لإحياء الاتفاقية، ولإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، إلا أن ثلاث دول فقط هى أمريكا وكندا وبريطانيا، وقفت ضد الاقتراح وأفشلته أو أجلته كالعادة فى كل المؤتمرات المعنية بهذا الأمر، رغم أنها تضغط بكل ما تستطيع على إيران لوقف مشروعها أو برنامجها النووى السلمى، ولا تعبأ بمائتى رأس نووى عند إسرائيل، تهدد بالفناء أو التدمير الذى لا يمكن تفاديه أو الهرب من آثاره التدميرية، وخير مثال -أو أسوأ مثال- على ذلك، آثار هيروشيما وناجازاكى، مع الفارق الزمنى فى التطور العلمى والتقنى، الذى يستخدم لمزيد من التدمير، بدلاً من مجالات التنمية كلها، بما فى ذلك الرعاية الصحية اللازمة فى شتى أنحاء العالم. غابت إسرائيل عقدين من الزمن عن حضور تلك المؤتمرات حضوراً مباشراً، ولم تنضم أصلاً إلى المعاهدة التى تضم 190 دولة. نحن مع حظر الأسلحة النووية والكيميائية وغيرها من الأسلحة الفتاكة المدمرة جميعاً، حتى يعود السلام، ونشعر جميعاً بالطمأنينة، وتتلاشى الآثار التدميرية للحروب أو نقللها، ولكن كما يقول العرب «لا يفل الحديد إلا الحديد». لا معنى أن يتم تفريغ سوريا من الأسلحة الكيماوية، ونترك إسرائيل تمتلك كل الأسلحة التدميرية على الحدود المشتركة، ولا يقبل العقل السوى، تلك المظالم الدولية أو على الأقل الإهانات، وسياسة المكيالين التى تجيدها أمريكا، وهى تقود الغرب فى العصر الأمريكى. إسرائيل -كما الأم الحنون أمريكا- وراء محاولات تفريغ الدول العربية خصوصاً على الحدود مع فلسطين من أى أسلحة، والسعى لإنهاكها بشتى الطرق، وفى مقدمة تلك الأساليب فرض استيراد الأسلحة بالمليارات، لا لمحاربة الأعداء الحقيقيين، بل لمحاربة بعضنا البعض، وإنهاك الاقتصاد حتى فى الدول النفطية. وقد عبرت عن ذلك بصورة واضحة، السيدة الخنساء الحرباوى، سكرتير أول بالبعثة الدائمة للجمهورية التونسية لدى الأممالمتحدة فى نيويورك، فى كلمتها أمام اللجنة الفرعية الثانية التابعة لمؤتمر 2015، لمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، حيث جاء فى كلمتها بعد أن سردت الالتزام العربى الكامل بالمعاهدة «ولكن للأسف فإن هذا الالتزام العربى المثالى بنزع السلاح النووى، والانضمام إلى المنظومة القانونية الدولية متعددة الأطراف، وطرح المبادرات العملية لتحقيق هذه الأهداف السامية، لم يقابله فى منطقة الشرق الأوسط، إلا تعنت إسرائيل التى لا تزال الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط التى لم تنضم بعد إلى معاهدة الانتشار النووى كطرف غير نووى، ولم تخضع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة، وهو ما يعد إخلالاً بالسلم والأمن الدوليين، ومصدر تهديد للأمن والأمان النووى». العالم العربى لا يطلب إذناً ولا يشرع بإنتاج أسلحة نووية، ولن يسمح له أحد لو طلب ذلك، رغم أن «الحديد بالحديد يفلح» ورغم النداء الإلهى فى القرآن «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ»، الإعداد هو لإرهاب الطرف الآخر الذى يريد العدوان، لأننا نؤمن يقيناً بأن الله تعالى لا يحب المعتدين، أما الطرف الآخر الذى سلب الأرض والعرض والمال وعاث فى الأرض فساداً فيؤمن -على عكس كل الأديان السماوية- بأنهم شعب الله المختار، الذين يحق لهم استعباد الآخرين من الأمميين، وما تلك برسالة سيدنا موسى عليه السلام. العالم العربى يطلب، كما جاء فى كثير من المذكرات المقدمة، «دعوة إسرائيل وهى الدولة الوحيدة فى منطقة الشرق الوسط التى لم تنضم إلى المعاهدة بعد، إلى المبادرة فوراً ودون مزيد من التأخير إلى توقيع المعاهدة والتصديق عليها بوصفها دولة غير حائزة للأسلحة النووية»، طبعاً لن تنضم إسرائيل إلى هذه المعاهدة، وإذا انضمت إليها ظاهراً فلن تتخلى عن ترسانتها النووية، ولن تكون هناك ضغوط حقيقية دولية على إسرائيل كما هو الحال مع إيران. أما كلمة السفير أحمد فتح الله، المراقب الدائم لجامعة الدول العربية لدى الأممالمتحدة، فقد جاء فيها «إن من مصادر القلق لدى الجامعة العربية تجاه عدم الالتزام بمنع الانتشار، وجود تطورين ومحاولة فرض أمر واقع، وذلك على النحو التالى: «ما كشفت عنه الوثيقة الأمريكية المؤرخة فى أبريل 1987، التى تم نشرها مطلع شهر مارس 2015، بعد رفع السرية عنها، عن وجود تعاون مع إسرائيل ساهم فى إنتاجها لقنبلة حرارية نووية، لذا تطالب جامعة الدول العربية بتصحيح هذا الأمر فوراً، ووقف أى تعاون تقنى مع الدول التى ليست أطرافاً فى المعاهدة لاسيما إسرائيل، التزاماً بالمادة الأولى والمادة الثالثة للمعاهدة». نعلم يقيناً اليوم أن القوة -يا سادة- أضمن طريق لإحقاق الحق وإقامة العدل. والله الموفق